دخلت حملة انتخابات الرئاسة الفرنسية مرحلة جديدة من الاستقطاب، بعد الخطاب الشامل الذي ألقته المرشحة الاشتراكية سيغولين رويال وفصلت فيه برنامجا من مئة نقطة قالت انها ستعتمده في حال فوزها في الرئاسة، في ما بدا ان فرنسا بدأت تودع رئيسها جاك شيراك وعائلته من خلال برنامج خصصه لذلك النجم التلفزيوني الفرنسي ميشال دروكير. وفيما وقفت رويال على مدى ساعة ونصف ساعة أمام قاعة اكتظت بحوالي 8 آلاف من مؤيديها، لتعرض عليهم ما اسمته ب"العقد الرئاسي"، كان دروكير الذي خص زوجة الرئيس برناديت شيراك ببرنامجه الاسبوعي يعرض نشاطها وحياتها في قصر الإليزيه منذ تولي زوجها للرئاسة سنة 1995. وتخللت البرنامج مقابلة مع الرئيس الفرنسي، الذي تحدث للمرة الأولى عن زوجته وحياتهما الخاصة، وأكد انه"سيستمر في خدمة بلده"مثلما فعل حتى الآن، وان"هناك حياة بعد السياسة". واشترك شيراك وابنته كلود المسؤولة عن صورة الرئيس في الاعلام، في عدم اطلاع برناديت شيراك على مضمون المقابلة التي سجلت مع شيراك قبل ثلاثة اسابيع. فاستمعت برناديت الى حديث زوجها أثناء تسجيل البرنامج معها وتأثرت جداً لما سمعته من اشادة بها، من ثم عرضت امام المشاهدين قاعات الإليزيه وحديقته وأزهاره وقالت:"سأشتاق لهذا المنزل وأحببت قبل ذلك مقر بلدية باريس". وفي فيلبانت احدى ضواحي باريس قدمت سيغولين رويال برنامجها الانتخابي، وسط أجواء من الحماس الشديد، وتميز من حيث الشكل والمضمون مقارنة مع ما قدمه منافسها الرئيسي على الرئاسة وزير الداخلية نيكولا ساركوزي. وقوطع خطابها مراراً بتصفيق حاد وبشعارات"سيغولين رئيسة"ارتفعت من بين الحضور. واحتفظت رويال بابتسامتها العريضة، وبدت مشرقة الوجه خصوصاً وانها اختارت ارتداء سترة حمراء اكسبتها المزيد من الرونق. وتحدثت رويال بهدوء ورصانة، محاطة بكبار المسؤولين والوجوه البارزة في الحزب الاشتراكي، بمن فيهم منافساها السابقان على الترشيح لوران فابيوس ودومينيك ستراوس كان، وفي غياب رئيس الوزراء السابق ليونيل جوسبان. واحتلت السياسة الخارجية حيزاً مهماً من خطابها فأكدت تمسكها"بأوروبا النمو وفرص العمل"وبالحفاظ على إشعاع فرنسا ونفعها في العالم. وتطرقت الى أزمة الشرق الأوسط وقالت ان الطموح الى السلام يتطلب"العدالة والأمن"، من خلال"انصاف الفلسطينيين وضمان أمن شعب اسرائيل، وهذا ليس هدفاً متعذراً، بل انه بمتناول أوروبا". وأيدت مشاركة فرنسا في قوة"يونيفيل"في لبنان لكنها رأت انه قد يكون مطلوباً الحديث مع سورية، والاستمرار في حوار مع"شعب ايراني يأمل ويثق بنا". وهنا ايضاً وبخلاف ساركوزي، الذي لا يفوت مناسبة الا ويؤكد انه صديق لاسرائيل، فإن طرح رويال يضمن نوعاً من الاستمرارية في اطار سياسة فرنسا الدولية. اذ اعلنت تمسكها بالتعاون مع الدول العظمى وأولها الولاياتالمتحدة"وانما من دون عقد لأن الحجم لا علاقة له بالمبادئ". وتراهن رويال والاشتراكيون على مضمون هذا الخطاب لاستعادة زخم بدا أن المرشحة بدأت تفقده في ضوء الهجومية التي تتسم بها حملة ساركوزي. وكرست رويال الجزء الأساسي من خطابها للشأن الاجتماعي، فغلبت على مواقفها الدعوة الى اصلاح ما هو قائم بهدف التوصل الى المزيد من الفعالية، انطلاقاً من مصالح الفئات الاجتماعية الوسطى والدنيا، ومصالح الشباب خصوصاً، فشكل كلامها نوعاً من العودة الى القيم الاشتراكية في حين أن ساركوزي يعرض باستمرار على الناخبين شعاري التحديث والتجديد. ودعت الى نظام اقتصادي اجتماعي عادل والى عدم اعطاء الأولوية الى الدمج ورأس المال، وتطرقت الى ظروف العمل البائسة في بعض القطاعات الانتاجية، والتمييز بحق النساء من حيث الأجور. وتعهدت بتحسين الاجور ورفع الحد الأدنى الى 1500 يورو وتحسين الخدمات الاجتماعية خصوصاً للشباب، وحماية القدرة الشرائية، وتوقفت عند أوضاع الضواحي التي لم تشهد أي تغير على رغم انتفاضة شبابها ولا تزال النار راقدة فيها تحت الرماد. وعاهدت الحضور والفرنسيين بتسوية هذه الأوضاع"لأني أريد لكل من يولد في فرنسا نفس ما أردته لأولادي"و"نحن ملزمون بالنجاح"على هذا الصعيد. وأكدت ضرورة التعامل بحزم مع المخلين بالأمن مبدية تمسكها بفرنسا المتعددة الأعراق.