يرجح أن تسفر الانتخابات الداخلية في حزب "التجمع من اجل الحركة الشعبية" اليميني الحاكم الفرنسي عن تكريس وزير الداخلية نيكولا ساركوزي، مرشحاً للحزب في انتخابات الرئاسة الفرنسية المقبلة. لكن هذا الترشيح لا يزال يفتقر الى دعم الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمقربين منه، إذ يتحفظ بعضهم عن ساركوزي، في حين يؤكد البعض الآخر رفضهم تأييده. ومن آخر المؤشرات الى هذا الموقف، تصريح ادلى به رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دوفيلبان الى محطة"كنال بلوس"التلفزيونية المحلية، إذ أمعن في انتقاد ساركوزي وأكد انه لن يدعم ترشيحه طالما لم يحسم الرئيس الفرنسي امر ترشيح نفسه لولاية رئاسية ثالثة. ويتبع موقف دوفيلبان، سلسلة الانتقادات التي وجهها شيراك الى وزير داخليته الأسبوع الماضي، مستغلاً الاستقبالات الرسمية التي أقامها لمناسبة السنة الجديدة، وذلك لتحذير ساركوزي من مخاطر ميله الى تبديد ما أنجزه الفريق اليميني الحاكم في فرنسا منذ 12 سنة. وفيما كان رئيس الجمعية الوطنية البرلمان جان لوي دوبريه، يكشف بدوره عن عدم رغبته بتأييد ترشيح ساركوزي، فإن دوفيلبان أوضح في حديثه التلفزيوني، أسباب مثل هذا الإحجام، ومرده اساساً إلى القطيعة مع أداء أسرته السياسية التي يرغب وزير الداخلية بتجسيدها لدى الرأي العام. وأكد دوفيلبان في هذا السياق ان من المتعذر على أي مرشح الفوز بالرئاسة"بالاعتماد فقط على اسمه". وأن تحقيق مثل هذا الفوز يتطلب تغييراً جوهرياً، في شكل لا يقتصر طرحه على العبارات المنمقة بل ينطوي على رؤية فعلية لمستقبل أسرته السياسية ومستقبل البلاد. وبمعنى آخر، طالما ان ساركوزي يركّز حملته على ازدراء حصيلة حكم الشيراكيين لفرنسا، وتعمد التمايز عنهم باعتباره الأجدر والأكفأ، ليس هناك ما يدعو هؤلاء الى تأييده. ولذا فإن دوفيلبان سيحضر المؤتمر المقبل لحزب الاتحاد، لكنه لن يتحدث خلاله، ولن يوجه شيراك أي رسالة الى المشاركين فيه، فيما أفيد ان زوجة الرئيس الفرنسي برناديت شيراك، ستتغيب عن حضوره. والواقع ان العلاقة الشخصية بين شيراك وساركوزي لم تستقم بالفعل منذ إقدام الأخير على دعم ترشيح رئيس الحكومة الفرنسية في حينه، ادوار بالادور، في مواجهة الرئيس الفرنسي في انتخابات 1995 الرئاسية. وعلى مدى السنوات الماضية راوحت هذه العلاقة بين اللياقة والتوتر الذي كان يسودها كلما أراد أحدهما ان يلزم الآخر بموقف أو قرار معين. وكرس شيراك جهداً ملحوظاً، لمحاولة تطويق وزير الداخلية واحتواء طموحه وحيويته المفرطة، فيما كرس ساركوزي جهداً ملحوظاً لاستباق قرارات رئيس الجمهورية وفرض نفسه عليه في هذا الموقع أو ذاك. وفي هذا السياق، لم يتردد ساركوزي، في المزايدة على دوفيلبان الذي فضله شيراك عليه في رئاسة الحكومة في أدق الظروف، ومنها خصوصاً أحداث الضواحي وتحركات الطلاب ضد عقد الوظيفة الأولى. وأثرت مواقف ساركوزي على شعبية دوفيلبان، من دون ان تؤدي الى توطيد العلاقة مع شيراك، خصوصاً أن وزير الداخلية لا يخفي منذ سنوات طوقه الى الرئاسة. ويعمل ساركوزي حالياً في سياق حملته الانتخابية على التركيز على أدائه الشخصي والإنجازات التي حققها عبر المناصب المختلفة التي تولاها في السنوات السابقة، من دون إبداء الكثير من الاكتراث لمن تحملوا مثله وربما اكثر تبعات الحكم. وتترتب على هذه الأجواء تكهنات عدة، منها ان يعود شيراك ويرشح نفسه متحدياً ساركوزي وسواه من المرشحين، واضعاً وزن خبرته الشخصية في مواجهة طروحاتهم، أو أن يتولى كل من وزيرة الدفاع الفرنسية ميشال أليو ماري ودوفيلبان خوض مثل هذا التحدي. وفي الوقت ذاته، ليس مستبعداً ان يقدم شيراك والمقربون منه على المضي في عدم تأييد ترشيح ساركوزي حتى النهاية حتى إذا أدى ذلك الى تعزيز موقع منافسته الاشتراكية سيغولين رويال، أو أبرم تسوية مع وزير الداخلية تلزمه بالإقرار بالإرث الشيراكي والتعاون مع الشيراكيين على صعيد الحكم، إذا فاز بالرئاسة.