دخلت روسيا مرحلة جديدة بعد الإعلان أمس عن النتائج شبه النهائية لانتخابات مجلس الدوما، تتجه فيها الأنظار الى الاستحقاقات المقبلة في البلاد، بعدما فاز حزب "روسيا الموحدة" بغالبية مقاعد البرلمان، في مقابل هزيمة مدوية للمعارضة في شقيها اليساري واليميني. وأطلقت النتائج شرارة مواجهة ساخنة بين موسكو والغرب، فيما شكك مراقبون دوليون بنزاهة نتائج الانتخابات. وأعلنت لجنة الانتخابات المركزية الروسية صباح أمس النتائج شبه النهائية، بعد فرز 98 في المئة من بطاقات الاقتراع، من دون أن يطرأ تغيير جدي على موازين القوى داخل الهيئة الاشتراعية الجديدة. إذ حصد حزب"روسيا الموحدة"أصوات 64 في المئة من الناخبين، ليتجاوز عدد مقاعده النيابية 310 من أصل 450 مقعداً، مما يعني سيطرة دستورية مطلقة تضمن له تبني القوانين والتعديلات الدستورية، من دون الاستعانة حتى بحلفائه داخل المجلس. وحل الحزب الشيوعي ثانياً بفارق كبير، بحصوله على أقل من 12 في المئة من الأصوات، وهي أسوأ نتيجة يحققها، إذ حاز على 56 مقعداً نيابياً حوّلته إلى أقلية بسيطة معارضة داخل البرلمان، فيما يعدّ الحزبان الآخران الفائزان، وهما الليبرالي الديموقراطي 8 في المئة، 40 مقعداً و"روسيا الموحدة"7.8 في المئة، 38مقعداً حليفين للكرملين وللرئيس فلاديمير بوتين. واعتبر الخبراء أن النتائج ستنقل الحياة السياسية في روسيا إلى مرحلة جديدة لا صوت فيها للمعارضة، مما يعيد إلى الأذهان مرحلة الحزب الواحد في عهد الشيوعيين السوفيات، بحسب أليكسي ماكارين، الذي قال إنه حتى النواب الشيوعيين، ومن بينهم عدد من رجال الأعمال، سيبحثون عن تسويات مع أركان السلطة. ومن أبرز أسباب الهزيمة المدوية للمعارضة، نجاح الكرملين في"إيقاظ الروح الروسية القوية"، عبر الحديث عن استعادة أمجاد روسيا ومكانتها على الساحة الدولية، وأيضاً اللعب على وتر المشاعر القومية، إضافة إلى الوعود الكبرى بتحسين الأوضاع المعيشية مع إطلاق المرحلة الثانية من خطط الإصلاح الاقتصادي. لكن الأبرز، بحسب المحلل السياسي فيتشسيلاف نيكونوف، هو أن"الأحزاب التي أملت في تحقيق النجاح في المعركة الانتخابية، عبر توجيه الانتقادات إلى نهج الرئيس بوتين، وقعت في خطأ إستراتيجي، لأنها لم تقرأ المرحلة جيدا". ومن الأمثلة على ذلك تراجع مواقع الحزب الشيوعي الملحوظة. ويدرج الخبراء بين الأسباب الأساسية، الضغوط الكبرى التي قال زعماء المعارضة إنهم تعرضوا لها. فعلى صعيد اليمينيين، شن الكرملين حملات قوية ضدهم، واتهمهم بمحاولة"جر روسيا الى الوراء". واعتبر أحد أبرز زعماء المعارضة اليمينية أناتولي تشوبايس، أن الديموقراطيين خسروا بسبب عدم قدرتهم على توحيد صفوفهم، مشيراً إلى أن الشيوعيين سيشكلون المعارضة الوحيدة الحقيقية في مجلس الدوما الجديد. وأشاد الرئيس بوتين أمس بالفوز الذي حققه حزبه, وقال إن هذه الأخيرة عززت"شرعية"البرلمان الروسي. وقال أثناء زيارة مركز البناء الفضائي"إن بي او لافوتشكين"في خيمكي في ضاحية موسكو:"في ما يتعلق بروسيا الموحدة, لا شك أنه نجاح, انه نصر". وأضاف:"أن شرعية البرلمان الروسي زادت من دون أدنى شك". وتابع:"من الواضح ان الروس لن يتركوا بلدهم أبداً يسلك طريقاً تدميرية مثلما حصل في بعض دول الاتحاد السوفياتي السابق". ولم يستبعد بوتين ان تعيد روسيا تطبيق معاهدة القوات التقليدية في أوروبا، إذا"صادق"الشركاء في الحلف الأطلسي على صيغتها المعدلة و"بدأوا بتطبيقها". الإعداد للرئاسة وسعى حزب"روسيا الموحدة"إلى الإفادة السريعة من الوضع الجديد، وأعلن أمس أنه سينظم في 17 من الشهر الجاري مؤتمراً عاماً، يعلن خلاله اسم مرشحه للرئاسة في الانتخابات المقررة في آذار مارس المقبل. ولفتت مصادر إلى فرضيات عدة حول التطورات المقبلة، من بينها إعلان بوتين استقالة مبكرة تمكنه من خوض الانتخابات الرئاسية، على رغم أن لجنة الانتخابات أعلنت في وقت سابق أن الدستور لا يسمح له بخوض الانتخابات حتى لو استقال مبكراً. ومع تصاعد الجدل حول ذلك، أعتبر رئيس مجلس الشيوخ الروسي سيرغي ميرونوف، زعيم"روسيا العادلة"، أنه من حق الرئيس الحالي المشاركة إذا استقال قبل انتهاء ولايته الثانية. ومن السيناريوات الأخرى تولي بوتين رئاسة الوزراء، مع توسيع صلاحياته وترشيح أحد الموالين له لمنصب الرئاسة. ولم تمرّ احتفالات"روسيا الموحدة"بالنصر الحاسم، وبدء التفكير بالخطوات المقبلة من دون منغصات، لأن ردود فعل المراقبين الدوليين على العملية الانتخابية ونتائجها جاءت أعنف من المعتاد وبدأت تنذر بأن تشهد المرحلة المقبلة مواجهة قوية بين السلطة الروسية التي يعاد رسم ملامحها حالياً والغرب، إذ أجمع مسؤولو بعثات المراقبة الأوروبية على أن"الانتخابات لم تكن حرة، ولا تتفق مع المعايير الأوروبية". وطالب البيت الأبيض في الولاياتالمتحدة السلطات الروسية بفتح تحقيق شامل في"كل الانتهاكات التي رافقت العملية الانتخابية". وأعربت الخارجية البريطانية عن"قلقها"إزاء المعلومات التي تحدثت عن مخالفات في الانتخابات الروسية, موضحة أن"في حال تأكدها"فإن ذلك سيعني أن"الانتخابات لم تكن حرة ولا نزيهة". وأعلن ناطق باسم حلف شمال الأطلسي ان أمينه العام ياب دي هوب شيفر أعرب عن"قلقه"لسير الانتخابات الروسية، لا سيما على صعيد"حريتي التعبير والتجمع". وقال مسؤول بعثة المفوضية البرلمانية الأوروبية يوران لينماركير إنه"لا يمكن وصف هذه الانتخابات بأنها ديموقراطية"فيما أعلن رئيس بعثة المجلس الأوروبي دوك فان دين براندي أن انتخابات البرلمان الروسي"لم تكن عادلة، وأظهرت أنه ليس هناك في روسيا فواصل بين السلطات، لذلك لم تكن انتخابات بل استفتاء نظم لمصلحة الرئيس"، مبدياً قلقه حول مستقبل الديموقراطية في البلاد. كذلك المفوض الأوروبي للاتصالات الخارجية بينيتو فيريري فالدنير، اعتبر أنه"تم انتهاك حقوق الناخبين الروس بقوة". ورفضت موسكو الاتهامات الغربية، واعتبرت أن"دوافعها سياسية".