"الروس استيقظوا في بلد آخر" و"انقلاب دستوري يجرى بهدوء" تعليقان يختصران رد فعل الصحافة الروسية على نتائج الانتخابات البرلمانية التي وضعت مجلس الدوما في قبضة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد سيطرة حزب "روسيا الموحدة" الموالي للكرملين على نصف مقاعد البرلمان. وعلى رغم أن معظم الاستطلاعات كانت أشارت إلى فوز متوقع لحزب السلطة، فإن نتائج عملية التصويت فاجأت حتى المقربين من الكرملين، إذ حصل الحزب على نحو 37 في المئة من أصوات الناخبين. وتلاه الحزب الشيوعي الذي لم يتجاوز نسبة ال13 في المئة، ما شكل هزيمة ساحقة له وتراجعاً في عدد نوابه إلى النصف. وشكل صعود القوميين المتطرفين مفاجأة أخرى، إذ أحرز الحزب الليبرالي القوي الذي يقوده السياسي المتطرف فلاديمير جيرينوفسكي على المرتبة الثالثة في البرلمان الجديد، بعدما حصل على نحو 12 في المئة من الأصوات. الموالون للغرب كما نالت كتلة "رودينا" تسعة في المئة من أصوات الناخبين لتدخل الأحزاب الأربعة البرلمان الجديد الذي سيخرج منه أنصار اليمين الليبيرالي الموالي للغرب، إذ أخفق كل من حزب قوى اليمين وحزب "يابلوكو" من تجاوز نسبة الخمسة في المئة اللازمة دستورياً لدخول البرلمان. واللافت أن الانتصار الكبير الذي أحرزه "حزب بوتين" لم يقتصر على القوائم الحزبية إذ حقق فوزاً ساحقاً في مختلف الدوائر الفردية، وتنص القوانين الروسية على انتخاب نصف أعضاء مجلس الدوما البالغ مجموعهم 450 عضواً وفق القوائم الحزبية، ما يعني أن الأحزاب الأربعة ستتقاسم 225 مقعداً برلمانياً يكون لحزب "روسيا الموحدة" منها 118 مقعداً، فيما تنافس نحو ألفي مرشح آخرين على النصف الثاني في دوائر فردية من مقاعد مجلس الدوما، وحصل حزب "روسيا الموحدة" من خلالها على 105 مقاعد. الانقلاب الدستوري ويعني ذلك أن الحزب المدعوم بقوة من الرئيس فلاديمير بوتين بات يفرض سيطرته في شكل مباشر على 223 مقعداً نيابياً في وقت تحتاج المصادقة على أي قانون إلى غالبية بسيطة النصف "1. وتطلق تلك النتيجة يد الحزب لتمرير مختلف القوانين حتى من دون الاستعانة بحلفائه داخل الهيئة الاشتراعية. وتعد هذه أول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي يتمكن فيها الكرملين من تحقيق سيطرة مطلقة في الهيئة الاشتراعية. وتسمح تلك النسب الجديدة للرئيس باقتراح تعديلات دستورية، تحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء البرلمان. وتبدو هذه النسبة مضمونة إذا أضيف إلى أصوات حزب "روسيا الموحدة" كل من كتلة "رودينا" التي نالت نحو 27 مقعداً نيابياً وحزب جيرينوفسكي القومي الذي حصل على 40 مقعداً في البرلمان الجديد. ويرى المراقبون ان هذين الحزبين سيصوتان في المنعطفات المهمة لمصلحة أي مشروع يتقدم به الرئيس الروسي، بما في ذلك احتمال تعديل الدستور لضمان ولاية رئاسية ثالثة له، إضافة إلى توسيع صلاحيات بوتين بشكل غير محدود. إلى ذلك، اعتبر الرئيس الروسي نتائج الانتخابات انتصاراً كبيراً للديموقراطية في روسيا. وأكد أن بلاده ستواصل نهج الإصلاحات الاقتصادية وإعادة تأهيل روسيا للعب دور رئيسي على المسرح العالمي. وفي الوقت نفسه، وصف الناطق باسم الديوان الرئاسي فلاديسلاف سوركوف نتائج الانتخابات بأنها "نهاية المرحلة الانتقالية في روسيا". وقال إن الشعب أعلن خياره عبر منح الأصوات لحزب "روسيا الموحدة" الذي وصفه بأنه الضمانة الأكيدة للتقدم في روسيا. المراقبون ينتقدون الانتخابات وفي المقابل، أعلنت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أن الانتخابات البرلمانية جاءت "مشوشة بدرجة كبيرة". وقال بروس جورج رئيس المجلس البرلماني للمنظمة خلال مؤتمر صحافي أمس: "في هذه الانتخابات أدى التميز الهائل لأصحاب المناصب والواصلين إلى أجهزة الدولة والموارد... إلى تشوش نتائج الانتخابات بصورة كبيرة". وفي واشنطن، عبر الناطق باسم البيت الابيض سكوت ماكليلان عن موقف مماثل، وقال: "نشارك في القلق" الاوروبي. الشيوعيون... هزيمة أم نكسة؟ وشكلت تلك النتائج التي أصبحت نهائية بعد فرز أكثر من 90 في المئة من أصوات الناخبين، ضربة ساحقة للمعارضة اليسارية التي تحولت أقلية مهمشة داخل مجلس الدوما، بعدما نالت نحو 53 مقعداً في الدوائر الحزبية والفردية معاً. واتهم زعيم الحزب الشيوعي غينادي زيوغانوف الكرملين بمصادرة نتائج الانتخابات واستغلال وسائل الإعلام للترويج لحلفاء بوتين و"إسكات" الشيوعيين. وقال: "هذه مهزلة مخزية لا صلة لها بمصالح البلاد. كلكم مشاركون هنا في مشهد مقزز، يقال لسبب ما، إنه انتخابات". وعزا البعض تراجع الحزب الشيوعي إلى الانقسامات المتعددة التي شهدها، إضافة إلى تعرضه لما وصف بأنها "حرب إعلامية شديدة" من جانب الدوائر المقربة من الكرملين. واللافت أن حزب "روسيا الموحدة" حقق انتصاراً كبيراً في مناطق الجنوب الروسي التي تعد مناطق نفوذ تقليدية للشيوعيين. وفي المقابل اعتبر محللون روس أن الأحزاب اليمينية دفعت ثمن تجربة الإصلاحات العشوائية التي أدت إلى انهيار البنى التحتية وانتشار الفساد والفوضى، كما شكل موقف الأحزاب اليمينية المعارض للكرملين في حربه ضد حيتان المال عنصراً إضافياً قضى على فرص اليمينيين في الوصول إلى مجلس الدوما الجديد.