تختبئ وراء ملامح النجمة الفرنسية ماريون كوتيار الهادئة الخجولة، إمرأة ذات عزيمة قوية تعرف ماذا تريد وكيف تحقق طموحاتها، فهي الممثلة الفرنسية الثانية بعد الراحلة سيمون سينيوريه، التي حصلت على جائزة الأوسكار الأميركية كأفضل ممثلة عن دور البطولة في فيلم سينمائي ناطق بلغة غير الإنكليزية، وكان ذلك في 2008 عن دورها في الفيلم الناجح «الصبية» من إخراج أوليفييه داهان، الذي يروي سيرة نجمة الغناء الراحلة أديث بياف. غير أن كوتيار حازت في العام ذاته وعن الدور نفسه على جوائز بافتا البريطانية وسيزار الفرنسية وغولدن غلوب الأميركية. نزل حديثاً إلى أسواق الفيديو وال DVD BLUE RAY، بعد رواجه في صالات السينما العالمية، الفيلم الأميركي «أعداء عموميون» من بطولة كوتيار والنجم الهوليوودي جوني ديب، ومن إخراج مايكل مان. وكانت القناة التلفزيونية الفرنسية الأولى التي ساهمت في إنتاج فيلم «الصبية» قد رفضت ماريون كوتيار لبطولة هذا العمل واشترطت أن تكون النجمة أودري توتو ممثلته الرئيسة، ولكن المخرج أوليفييه داهان ناضل كي يفرض رأيه على المنتجين وبالتالي اضطر إلى الاستغناء عن ثلث الموازنة المقررة أصلاً للفيلم، وهو كان على حق نظراً الى رواج العمل عند ظهوره في الأسواق وبسبب كل الجوائز التي حصلت كوتيار عليها لقاء تمثيلها شخصية الراحلة إيديث بياف. ولا تكف كوتيار منذ نيلها الأوسكار عن المشاركة في أفلام أميركية وبريطانية وفرنسية بالطبع، وتصنفها الإحصاءات في المرتبة الأولى على قائمة الممثلات الفرنسيات لناحية الأجر الذي تتقاضاه عن الفيلم الواحد، إضافة الى أن دار كريستيان ديور اختارتها سفيرة رسمية لأحدث عطورها. وعلى الصعيد الشخصي تعيش النجمة الفرنسية حكاية عاطفية مع الممثل والمخرج الفرنسي غيوم كانيه، خطيب النجمة الألمانية ديان كروغر سابقاً قبل أن تغادر الأخيرة أوروبا لتستقر وتعمل في هوليوود، الأمر الذي يتوقعه الكثيرون لكوتيار أيضاً. «الحياة» التقت كوتيار في باريس وحادثتها. تحضرين عروض الموضة الباريسية في شكل دوري، لماذا؟ - لقد صرت سفيرة لماركة ديور، خصوصاً عطرها الجديد، وبالتالي أصبحت أتلقى الدعوات من أرقى دور الأزياء الباريسية كي أحضر عروضها الموسمية. وبما أنني أعشق كل ما هو جميل وفني ورفيع، لا أتردد، عن حضور العدد الأكبر من العروض، إذا سمح لي وقتي بذلك. وأجد نفسي في كل مرة مثل الصبية التي تحدق في شيء خيالي ولا تصدق ما تراه، فالحقيقة أن هناك بعض الموديلات في الموضة الباريسية الرفيعة تفوق كل ما يمكن للمرء تخيله من حيث الجمال ودقة الصنع. هل كنت توافقين على تمثيل عطر ديور رسمياً إذا لم يعجبك؟ - لا، فأنا لا أقدر على الإعلان عن منتج لا يعجبني مثلما أعجز كلياً عن التمثيل في فيلم لا تعجبني قصته ولا أتفق مع مخرجه. هل صحيح أن أوليفييه داهان مخرج فيلم «الصبية» هو الذي أخرج الفيلم الدعائي لعطر ديور الذي تمثلين فيه؟ - نعم، وسررت جداً عندما سمعت الخبر نظراً الى العلاقة الحميمة التي تجمعنا وللثقة المتبادلة بيننا. وهل ترتدين دائماً في حياتك الشخصية عطر الماركة التي عينتك سفيرة لها؟ - أنا حرة خارج إطار عملي الرسمي في ارتداء ما يعجبني بطبيعة الحال، ولذا أنوع في عطوري، الأمر الذي لا يمنعني من الإخلاص بعض الشيء لعطر ديور لأنني أحب مكوناته ورائحته بصرف النظر عن أي اعتبار أخر. حدثينا عن فيلمك الأميركي «أعداء عموميون»؟ - ينتمي الفيلم إلى لون المغامرات ويروي حكاية زعيم عصابة خطير عاش فعلاً في النصف الأول من القرن العشرين وأثار الخوف في نفوس الأميركيين لما كان عليه من ذكاء حاد وقدرة على الهروب من مخالب السلطات الأمنية، ويؤديه جوني ديب بينما أمثل أنا دور حبيبته. أنت الفرنسية الثانية فقط في تاريخ السينما التي تحصل على جائزة الأوسكار الأميركية عن دور بطولة، وربما الوحيدة في العالم التي جمعت بين جوائز الأوسكار والغولدن غلوب والبافتا والسيزار الدولية في عام واحد، فما تعليقك على الأمر؟ - تعليقي هو أنني لا أفسر الأمر أو حتى أسعى إلى فعل ذلك، فأنا أعيشه وأترك الأمور تحدث مثلما يشاء القدر، وأحب أن أقارن نفسي ببطلة رياضية في كرة المضرب، مثل ستيفي غراف في أيام عزها عندما كانت تحصد البطولات في دورات غراند شلام الأربع العالمية في عام واحد. ولكن هل يسعدك مثل هذا التقدير الآتي من أهل المهنة على الصعيد العالمي؟ - طبعاً، فمن الصعب ألا يتأثر المرء بالتكريم الذي يتلقاه من شخصيات ولجان تحكيم على مثل هذا المستوى من الأهمية. ولكنني أظل أولي عملي الأهمية في حياتي، وعملي هو حسن اختيار أدواري ثم أداؤها على النحو الأفضل، وكل ما يحدث خارج هذا الإطار يتخذ بالنسبة لي أهمية ثانوية حتى إذا نبع أساساً من حسن قيامي بواجبي المهني. أنت أيضاً الممثلة الفرنسية التي تتقاضى أعلى أجر عن الفيلم الواحد؟ - أنا لا أتابع تفاصيل أجور الزميلات وبالتالي أعجز عن التعليق على هذا السؤال، وكل ما أستطيع قوله في هذا الشأن هو أن أجري لا بأس به. وكيف كان العمل مع جوني ديب في «أعداء عموميون»؟ - لقد عمل ديب مع المخرج مايكل مان مرتين قبل هذا الفيلم، بينما لم أعمل أنا معه أبداً. وقد اكتشفت كيف أن ديب على رغم خوضه هنا تجربته السينمائية الثالثة بإدارة مان، راح يتصرف وكأنه لا يعرف الرجل على الصعيد المهني، وركَّز جهده على الدخول في تفاصيل دقيقة كنت أعتقد شخصياً أن المعرفة السابقة بين شخصين، تلغيها كلياً. ولكنني لم أتعجب أكثر من اللازم في الحقيقة، لأنني ملمة بأسلوب العمل الأميركي بفضل كثرة اهتمامي بالسينما الهوليوودية. ويتميز ديب بكل صفات الفنان الهوليوودي الأصيل أي أنه جنتلمان وجذاب وبارد الأعصاب، إضافة الى سمة الموهبة الجبارة التي لا نعثر عليها في أي بلد أخر، والتي تقترن بروح الدقة المتناهية في طريقة ممارسة العمل. وأعتقد أن ديب إذا مثل في عشرة أفلام مع المخرج نفسه، سيتصرف في كل مرة وكأنها الأولى حتى يتأكد من نية الرجل في شأن الفيلم الجديد، وكي يتفادى الوقوع في أي خطأ قد ينتج عن الاعتماد على أشياء مضت. أما بالنسبة الى عملي أنا مع ديب، فدار بطريقة مثالية، وأعتقد أن النتيجة واضحة فوق الشاشة إذ أن اللقطات التي تجمع بيننا قوية وعاطفية ودرامية وتمنح الفيلم جاذبية لا جدال فيها، على الأقل في رأي غالبية من شاهدوه حتى الآن وحسب معرفتي. ما رأيك في السينما الفرنسية الحالية؟ - إنني مسرورة جداً لما أراه يحدث في السينما الفرنسية منذ حوالى السنة ونصف السنة، إذ أن عدد الأفلام الممتازة فنياً والتي تتجه في الوقت نفسه إلى الجمهور العريض قد بدأ يزداد بطريقة ملموسة بالمقارنة مع الروتين التقليدي الذي يرغب في أن الفيلم التجاري الذي يحقق الإيرادات في شباك التذاكر لا يتميز بصفات فنية حسنة وأن العمل الجيد فنياً يتجه بأسلوب خصوصي إلى جمهور محدد وضيق يعشق الأفلام الصعبة. أنا كثيراً ما أتابع أخبار السينما خارج فرنسا، وبالتالي أستطيع أن أشهد بأن الجمع بين العنصرين، الجودة ومس الجمهور العريض، هو في إطار الممكن. وحينما أشاهد أفلاماً فرنسية حديثة من نوع «موليير» و «لا تبوح لأي شخص» و «ليدي شاترلي» أستعيد ثقتي في السينما الفرنسية وأتوقع لها مستقبلاً قوياً على غرار ما عاشته في فترات زمنية مضت مثل الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن العشرين. ما هي نشاطاتك الحالية؟ - أكرس جزءاً من وقتي للرقص والغناء، منذ أن اضطررت لتعلمهما من أجل دوري في فيلم «تسعة» الذي انتهيت من العمل فيه حديثاً في لندن وأتقاسم بطولته مع نيكول كيدمان بإدارة المخرج روب مارشال الذي أخرج فيلم «شيكاغو» الناجح. والفيلم عبارة عن إعادة استعراضية لفيلم «ثمانية ونصف» الذي أخرجه فيدريكو فيلليني في ستينات القرن العشرين. وبما أنني أود الحفاظ على لياقتي البدنية ومرونة أعضائي، أواصل التدريب على الرقص الكلاسيكي والحديث، كما أحافظ بواسطة الغناء المنتظم على ما اكتسبته من نضوج صوتي ومن صفاء في حنجرتي. هل صحيح أنك عملت في فيلم للمخرج الجزائري كريم دريدي؟ - نعم، والفيلم فرنسي الجنسية وتم تصويره في الصحراء وهو يحمل عنوان «الرحلة الأخيرة». فزتِ بدور البطولة في «الصبية» مع زميلتك أودري توتو، فكيف عشت هذه التجربة شخصياً؟ - الذي يهمني هو كوني فزت بالدور بعدما كافحت من أجل أن أثبت قدراتي الفنية ومدى صلاحيتي لأداء شخصية إيديث بياف. أما المنافسة بينني وبين غيري من الزميلات فهي لا تعنيني أبداً ولكنني مضطرة لتحملها وخوض المعارك الضارية المفروضة علي بسببها. قال عنك المخرج المسرحي اللندني تريفور نان أنك قدمت أحد أفضل الإنجازات الفنية في تاريخ السينما من خلال تمثيلك شخصية إيديث بياف في «الصبية»، فما ردك عليه؟ - أرد عليه بأنني قادرة على أداء أي دور جديد بالفعالية نفسها، خصوصاً بعدما سمعت تعليقه هذا.