هل دخلنا خلال الأسبوع الذي مضى عتبة عصر جديد في منطقة الشرق الاوسط؟ هل مرت بنا هذه المناسبة "التاريخية" التي يفترض أن تؤسس لهذا العصر من غير أن نشعر بها؟ وهل السبب أن التشاؤم اصبح موقفاً طبيعياً حيال أية عملية سلام مفترضة بين اسرائيل والفلسطينيين؟ يقولون لك: لا بد من النظر الى الجديد الذي يحيط بهذه"الفرصة". فهذه هي المرة الاولى التي يتحدث فيها رئيس حكومة اسرائيلية علناً عن"آلام الشعب الفلسطيني"ويصف حال اللاجئين في المخيمات حيث هم"غارقون في الفقر والاهمال والغربة والمرارة وشعور عارم بالحرمان". ويقولون إن هذا يقترب من حدود"الاعتراف"بالمسؤولية الاسرائيلية عن آلام الفلسطينيين، و"الاعتراف"الضمني ايضاً، بأن اعمال المقاومة التي يقومون بها ليست نتيجة فكر"إرهابي"يحمله هؤلاء، كما دأبت الدعاية الاسرائيلية على وصفهم، بل نتيجة حرمانهم من أبسط حقوق الحياة، والذي تولد منه حالة اليأس التي يعيشون في ظلها. يقولون ايضاً ان ايهود اولمرت لا يقدم على خطواته السلمية نتيجة هذا الاحساس"الانساني"وحده. فالرجل كان صريحاً في حديثه عن الخطر الذي يهدد"وجود اسرئيل"اذا فشل حل الدولتين، واذا استمرت حالة ابتلاع الفلسطينيين شعباً وأرضاً، بحيث يتحول الوضع في فترة قريبة منظورة الى ما يشبه وضع جنوب افريقيا"البيضاء"، حيث افتقد نظام"الابارتايد"كل تأييد عالمي وغربي خصوصاً، لأنه تحول الى نظام لا يمكن الدفاع عنه. وفي حديثه الذي كان موجهاً الى الرأي العام الاسرائيلي عبر صحيفة"هآرتس" قال اولمرت ان المنظمات اليهودية الاميركية التي شكلت على الدوام قاعدة الدعم لاسرئيل"ستكون اول من يتحرك ضدنا، لأنها لن تدعم دولة لا تلتزم بالديموقراطية وبحقوق متساوية في التصويت لكل المقيمين فيها". الرئيس الفلسطيني محمود عباس تحدث من جانبه عن آخر فرصة للسلام قد لا تتكرر بين الفلسطينيين واسرائيل. ووجه هو ايضاً كلاماً الى الاسرائيليين من منصة انابوليس حول حاجتهم الى العيش بسلام، كما هي حاجة الفلسطينيين، مشيراً الى الفائدة المشتركة التي يحققها نجاح المفاوضات للفريقين. ويتحدث صحافيون اسرائيليون رافقوا جلسات التفاوض السابقة بين ابو مازن واولمرت أن"اللغة المشتركة"القائمة بين الرجلين تتجاوز بكثير ما كان بين الرئيس الراحل ياسر عرفات وايهود باراك خلال مفاوضات كمب ديفيد في الاشهر الاخيرة من ولاية بيل كلينتون، حيث كان الحذر المتبادل هو المسيطر على تلك العلاقات. وقد لا يقصد ابو مازن فقط الفرصة التي وفرها الضغط الاميركي لعقد لقاء انابوليس، وكذلك الحاجة الاميركية الى توفير ظروف افضل لسياساتها في المنطقة، بناء على أي"انجاز"في الملف الفلسطيني. بل ربما قصد فرصة وجوده شخصياً على رأس الفريق الفلسطيني المفاوض. فالمعروف أن ابو مازن كان من اوائل القادة الفلسطينيين الذين التزموا الخيار السلمي كحل للقضية الفلسطينية. وكان نتيجة هذا الموقف على خلاف مع كثير من هذه القيادات، وبينها طبعاً الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. ويفترض، من الناحية النظرية، أن يعطيه خياره هذا رصيداً لدى الاسرائيليين وقدرة اكبر على تحسين شروط التنفاوض. فاذا لم يكن ابو مازن قادراً على تحصيل شيء من الاسرائيليين، فمن هو الزعيم الفلسطيني الذي سيطمئنون اليه من بعده؟ هذا كله جيد. ولكن ماذا عن الحسابات الاخرى المتعلقة بقدرة ابو مازن على فرض"السلام"الذي سيأتي به، اذا جاء بشيء، على الفلسطينيين؟ وماذا ايضاً عن قدرة اولمرت على فرض التنازلات الضرورية للسلام على الاسرائيليين، من القدس الى الاستيطان الى حدود الدولة؟ قد يعتقد ابو مازن ان هذه الفرصة الاخيرة، وربما قصد انها"فرصته"الاخيرة، وقد يهدد اولمرت ب"نهاية اسرئيل"اذا لم توافق على"سلامه"، ولكن هل تشمل ثقافة السلام هذه كل فئات الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي؟ هل هناك استعداد لقسم كبير منهما للخروج من التاريخ والتخلي عن الحلول القصوى: حل"فلسطين ارض عربية اسلامية من النهر الى البحر"كما جاء في البيان الأخير لحركة"حماس"الذي رفضت فيه قرار التقسيم، والحل الاسرائيلي باعتبار"القدس عاصمة موحدة لاسرائيل الى الأبد"و"اليهودية والسامرة أرضاً موعودة للشعب اليهودي"؟ شروط السلام تتحقق في العادة بالانتصار العسكري لأحد اطراف النزاع على خصمه او بتوصل الطرفين الى قناعة بالعجز عن تحقيق الطروحات التي يناديان بها وحاجتهما بالتالي الى تسوية. وطالما أن الشرطين غير متوافرين الى الآن في حالة النزاع بين الفلسطينيين واسرائيل، فإن الشعور بأن الاسبوع الذي مضى كان مجرد اسبوع آخر في أزمة الشرق الاوسط هو شعور طبيعي بعد الخيبات الماضية.