«الداخلية»: ضبط 22555 مخالفاً لأنظمة الإقامة خلال أسبوع    جامعة الإمام عبدالرحمن تتصدر المراكز الأولى في الدورة العاشرة لجامعات دول التعاون    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال13 لمساعدة الشعب السوري الشقيق    ختام منافسات بطولة البلوت بواحات المذنب    الخليج يخشى الأخدود .. الوحدة يواجه الاتفاق    بأمسياتٍ روائيةٍ وتجارب تفاعلية.. الإعلان عن «مهرجان الدرعية للرواية»    تقلل خطر الإصابة لدى النساء.. ثورة واعدة لعلاج سرطان عنق الرحم    استمرار هطول أمطار على عدد من مناطق المملكة    "المركزي الروسي" يخفض سعر صرف العملات الرئيسية مقابل الروبل    هندي قتل زوجته وطبخها في طنجرة !    ترمب يغيّر اسم خليج المكسيك    كائنات مخيفة تغزو جسد رجل !    اكتشاف قمتين أطول من إيفرست ب100 مرة !    مصر: التحقيق مع فرد أمن هدد فنانة مصرية    حورية فرغلي تستعد لتركيب «أنف اصطناعي»    التحكم في الكمبيوتر بإيماءات الوجه !    الموسيقار العالمي هانز زيمر يبهر جمهور "موسم الرياض" في ليلة ابداعية..    وصول الوفود المشاركة في مؤتمر آسيان الثالث "خير أمة" بمملكة تايلند    غوتيريش يدين احتجاز الحوثيين لسبعة من موظفي الأمم المتحدة    عمال يحصلون على 100 ضعف رواتبهم.. ماذا كنت ستفعل لو كنت مكانهم؟    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    محمد بن عبدالعزيز يشكر القيادة لتمديد خدمته نائباً لأمير جازان    الشباب يحصل على شهادة الكفاءة المالية    «ميتا» تعتزم استثمار أكثر من 60 مليار دولار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي    بعد «سره الباتع».. فيلم جديد يجمع رانيا التومي مع خالد يوسف    شامخات القصيد في معرض الكتاب بالقاهرة.    الربيعي تحصل على المركز الثاني في مسابقة بيبراس للمعلوماتيه    فريق برادي يتصدر التصفيات التأهيلية لبطولة القوارب الكهربائية السريعة "E1"    مدرب الأهلي "ماتياس": الجميع يعمل لتدعيم صفوف الفريق    "الأهلي" يكشف أساطيره في "أسبوع الأساطير"    منح وزير الشؤون الإسلامية وشاح الطبقة الأولى للشخصية الإسلامية العالمية المؤثرة لعام 2024    وزير المالية: استثماراتنا في أمريكا تفوق 770 مليار دولار    محمد بن عبدالعزيز يشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمته نائبًا لأمير جازان    مدير عام تعليم الطائف التعليم استثمار في المستقبل وتحقيق لرؤية 2030    أمير حائل يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته أميرًا للمنطقة    الأمير محمد بن سلمان يُعزي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ فاضل الصباح    جامعة الملك عبد العزيز تطلق مبادرة لتطوير مهارات الطلاب والطالبات في مجال الذكاء الاصطناعي الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط    أعراض غير نمطية لتصلب الشرايين    الأولمبياد الخاص السعودي يختتم المسابقات الوطنية للقوة البدنية والسباحة بالرياض    الجبير يُشارك في جلسة حوارية في منتدى دافوس بعنوان «حماية البيئة لحفظ الأمن»    40 ألف ريال تكاليف ليلة الحناء    ترمب يلغي الحماية الأمنية عن فاوتشي: «ليحمي نفسه»    القبض على باكستاني في الرياض لترويجه (1.7) كجم "شبو"    آل سمره يقدمون شكرهم لأمير نجران على تعازيه في والدهم    عبد العزيز بن سعد يشكر القيادة لتمديد خدمته أميراً لحائل    القصيبي مسيرة عطاء    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الإساءة إلى جيرانكم وأحسنوا لهم    أكثر من 20 ألف جولة رقابية تنفذها بلدية محافظة الأسياح لعام 2024م    خطيب المسجد الحرام: حسن الظن بالله عبادة عظيمة    الذهب يسجل أعلى مستوى في 3 أشهر مع ضعف الدولار وعدم وضوح الرسوم    إحباط محاولة تهريب أكثر من مليون و400 ألف حبة "كبتاجون"    %2 نموا بمؤشر التوظيف في المملكة    أعطته (كليتها) فتزوج صديقتها !    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة فيفا    الملك وولي العهد يعزيان رئيس منغوليا في وفاة رئيس منغوليا الأسبق    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين ك"منظمة إرهابية أجنبية"    السعودية تدين وتستنكر الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية على مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة    الإرجاف أفعى تستهدف بسمّها الأمن الوطني..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - "لائحة جورج أورويل": زوبعة في فنجان
نشر في الحياة يوم 07 - 10 - 2007

على رغم من أن قراءة سطحية لروايتيه "1984" وپ"مزرعة الحيوانات" قد تشير الى عكس هذا، فإن الكاتب الإنكليزي جورج أورويل لم يكن في أية لحظة من حياته معادياً للفكر الماركسي أو للنزعة الاشتراكية، أو حتى للشيوعية في معناها النظري الأولي، ومع هذا لا تمر فترة من الزمن إلا ويطلع بعض الصحافة البريطانية، وغير البريطانية، بموضوع أو خبر، يفتح الباب من جديد أمام حملة ضد هذا الكاتب الكبير، تركز على عدائه للشيوعية أو ما يشبه ذلك. وآخر الجديد في هذا المجال هو تلك الحملة التي شنت في"الغارديان"وپ"الاندبندنت"قبل سنوات قليلةى وفي عناوينها عبارات مثل"الأخ الأكبر"وپ"ماكارثية على الطريقة البريطانية"وپ"لائحة أورويل السوداء". ولئن كان يُفهم بسهولة مشاركة هاتين الصحيفتين اليساريتين في الحملة، فإن الطريق كان مساهمة"ديلي تلغراف"اليمينية المتطرفة فيها. وواضح أن"ديلي تلغراف"حين تخوض حملة ضد أورويل بزعم الدفاع عن"ضحاياه الشيوعين"، فإن همها الأول الهجوم على أورويل لا الدفاع عن"هؤلاء الضحايا". مهما يكن فإن العودة الى موضوع"لائحة أورويل"بعد أكثر من نصف قرن، شغلت الصحافة البريطانية كلها وفتحت الأبواب أمام تفسيرات وتأويلات، ما دفع كثر الى تحري الموضوع من أساسه بغية إعادة الحق الى نصابه. وقبل أن نقول شيئاً عما فعله هؤلاء، لا بد من التوقف أولاً عند تلك"اللائحة"للتساؤل: ما هي؟ هي في الحقيقة جملة أوراق خطها جورج أورويل بقلمه على شكل رسالة موجهة الى صديقة له هي سيليا كيروان أورد فيها مجموعة أسماء 38 إسماً مع إشارة أمام كل اسم من هذه الأسماء الى مدى اقتراب صاحبه، وابتعاده عن الشيوعية فكراً وممارسة. وهل أن صاحب الاسم مناضل حزبي أو مجرد متعاطف فكرياً أو انه رفيق درب للشيوعيين. أو مثقف زار الاتحاد السوفياتي مرة أو أكثر. هذا في الحقيقة كل ما في هذه الرسالة علماً بأن أورويل وسيليا كانا اتفقا على أكثر من مئة اسم، لكن النهاية استقرت على هذه الأسماء.
في الواقع أن لائحة من هذا النوع ما كان يمكن أن تكون ذات أهمية لولا أن المعنيين بالأمر يعرفون تاريخياً أن سيليا كيروان، وبإذن من أورويل، بعثت نسخة منها الى جهاز بريطاني خاص بمكافحة الشيوعية، كان معروفاً أنها تعمل معه. وأكثر من هذا: لم يكن الموضوع موضوع إذن حصلت عليه سيليا من أورويل، بل كان هو على علم سابق بالأمر وبأن سيليا إنما تحصل منه على تلك المعلومات كجزء من تقرير تعده للجهاز الاستخباراتي. ومعنى هذا، في كل بساطة، أن أورويل وضع لائحته وهو عارف أن مآلها أن تكون تقريراً استخباراتياً. هذا السياق العام للقضية بات مؤكداً. وسيليا كيروان نفسها لم تنكر هذا أبداً... بل انها أبداً لم تخف عملها مع الجهاز الاستخباراتي... في الوقت نفسه الذي لم تنكر فيه انتماءها الى نزعة تروتسكية ماركسية مثلها في هذا مثل جورج أورويل نفسه. فكيف يملن التوفيق بين كل هذه الأمور؟ ليس طبعاً باستعادة فصول من كتاب صدر في بريطانيا قبل عشر سنوات من الآن في عنوان"من يدفع أجر الزمار"، كشف عن كيف أن وكالة الاستخبارات الأميركية"سي آي إي"غالباً ما استعانت بغلاة التروتسكيين لمحاربة الاتحاد السوفياتي والنزعة الستالينية، لا سيما عند بدايات الحرب الباردة... ولكن بالتوقف تحديداً عند ذلك التعاون، لعل فيه بعض توضيح لما فعله جورج أورويل.
إن واقع الأمر يقول لنا هنا ولنتذكر أن أورويل كتب أعماله الكبرى المعادية للستالينية، كما وضع هذه اللائحة بعد سنوات طويلة من بداية الاستبداد الستاليني في الاتحاد السوفياتي وغيره من البلدان الشيوعية -، واقع الأمر يقول لنا، إذاً، ان معركة فكرية كبيرة كانت قد بدأت تندلع منذ زمن بين الستالينية، وبين العدد الأكبر من المبدعين والمثقفين والمناضلين الماركسيين على صعيد العالم كله. ولقد تجلت تلك المعركة في عشرات الانشقاقات، التروتسكية وغير التروتسكية، عن الحركة الشيوعية الأم، وعن مئات الكتب والمقالات التي راح ينشرها ماركسيون وشيوعيون سابقون يعلنون فيها خيبة أملهم إزاء نظام قضى أول ما قضى على الشيوعية الماركسية نفسها، لمصلحة شمولية حزبية وعبادة شخصية وقمع للشعوب واعتداء على الجيران. والحال انه إذا كان كثر من الذين خيبت الستالينية آمالهم، قد سكتوا عن ستالين وجرائمه خلال الحرب العالمية الثانية، يوم صارت المعركة حامية بين الاتحاد السوفياتي والنازية، فإنهم سرعان ما استعادوا موقفهم الساعي الى تخليص العالم ? والشيوعية بخاصة ? من ستالين ما إن انتهت تلك الحرب وما ان عادت الى اورويل خصوصاً ذكريات الخيانات الموجعة التي ارتكبها الستالينيون في حق المناضلين الشيوعيين غير الستالينيين، وفي حق الجمهوريين الديموقراطيين، في إسبانيا خلال الحرب الأهلية التي خاضها جورج أورويل بنفسه، كما فعل مثقفون مناضلون كبار أتوا من شتى أنحاء العالم ليكتشفوا في ثنايا تلك الحرب، كيف أن خطر الستالينيين لم يكن ليقل عن خطر فاشيي فرانكو، ما ان انتهى هذا كله، حتى استؤنفت الحرب في وقت كانت فيه الستالينية نفسها، وتحت زعامة جدانوف الفكرية تبث الرعب والإرهاب لدى المفكرين واضعة"الماركسية الحقيقية في مزبلة التاريخ"بحسب ألفريد كوستلر.
هذا، بالنسبة الى الإطار العام الذي نورده هنا، ليس على سبيل التبرير، بل في محاولة لفهم تلك الخطوة التي أقدم عليها جورج أورويل حين وافق على وضع اللائحة. ولنضف هنا العناصر الآتية: 1 - وضع جورج أورويل اللائحة سنة 1949 وكان على فراش الموت يعيش آخر شهور حياته منتظراً صدور روايته"1984"التي لا يقول فيها شيئاً يتناقض مع الدوافع التي حدت به الى وضع اللائحة. ثانياً: وضع جورج أورويل اللائحة على شكل خدمة شخصية لسيليا التي كان يتطلع قبل ذلك الى أن يرتبط معها بعلاقة غرامية، لكنها رفضت بلطف وظلا صديقين. علماً بأن سيليا كيروان كانت شقيقة زوجة آرثر كوستلر الذي كان واحداً من أكثر المنشقين عن الستالينية إثارة للصخب لا سيما حين ساهم مساهمة أساسية مع أغناتسيو سيلوني في وضع ذلك الكتاب الأساسي في المعركة ضد ستالين:"الإله الذي هوى". ومن هنا كان من الصعب على أورويل أن يرفض طلباً لتلك السيدة اتاه على شكل سؤال واضح حول رأيه في شيوعية هذا أو ذاك من الكتاب والسياسيين. ومن هنا تنبع الملاحظة الرابعة وهي أن لائحة أورويل تلك لم تضم أي معلومة جديدة... أو لم تكن الاستخبارات البريطانية عارفة بها من قبل. فهل كانت هذه - في سنة 1949 مع احتدام الماكارثية في أميركا مجمل آراء شارلي شابلن أو ستيفن سبندر أو آيتون سنكلير أو الممثل مايكل ردغريف ومارتن آميس... السياسية؟ ان هذه المسألة تبدو هنا، إذ أخذت على محمل الجد، في منتهى السذاجة، خصوصاً أن أورويل، في إجاباته وضع علامة استفهام أو علامتين أمام كل اسم، ما وشى ? في نهاية الأمر - بأنه حيّر الاستخبارات الإنكليزية أكثر مما أراحها. فهي مثلاً إذ كانت تعتبر شابلن شيوعياً، وجدت أورويل يشكك في الأمر معتبراً شيوعيته ناقصة وغير واضحة. وهكذا... ما يجعل كل هذا يبدو وكأنه اختبار لأورويل نفسه ولمعارفه، بل ربما أيضاً لصدقه، أكثر مما هو تحر عن شخصيات عالمية معروفة كان نصفها سلفاً ممنوعاً من دخول الولايات المتحدة بسبب مواقفه!
فهلا يمكننا أن نعتبر المسألة كلها مجرد زوبعة في فنجان. ومجرد ثأر"ستاليني"متأخر من كاتب حر ونزيه، كان يصر حتى نهاية حياته على ان مناهضة الستالينية لا تكون في اللجوء الى اليمين المتطرف والمتأمرك، بل في الإمعان في فضح الستالينية ومحاربتها على يسارها، معتبراً في الوقت نفسه الستالينية والفاشية واليمين الأميركي ثلاثة وجوه لعملة واحدة؟ ومن يقرأ روايتي جورج أورويل اسمه الأصلي اريك آرثر بلير، ولد في الهند سنة 1903، ومات في لندن سنة 1950 الأساسيتين، وسلسلة كتبه الصحافية وتحقيقاته الأخرى، لن يجد من خلالها كاتباً فاشياً أو محافظاً، بل عقلاً حراً ونزيهاً ظل حتى نهاية حياته يؤمن باشتراكية إنسانية، وبضرورة أن يتصدى كل صاحب عقل لكل أنواع الاستبداد... وفي هذا الإطار وحده كانت معركته ضد الستالينية، كما ضد فرانكو ولكن كذلك ضد الماكارثية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.