تُختتم مساء غد في القاعة الكبرى، التي تحمل اسم الموسيقي الإيطالي الراحل سينوبولي، الدورة الثانية لمهرجان روما السينمائي الدولي، الذي شهد الكثير من التحدي لتأكيد حضور هذه التظاهرة"الغنية"، موازنةً، في خريطة المهرجانات السينمائية العالمية الأساسية بعد أن كان"أرعب"كل المهرجانات السينمائية بموازنته الضخمة التي يُقال أنها تربو على 18 مليون يورو. وعلى رغم أن الموازنة بقيت ضخمة وزاد عدد النجوم الهوليووديين في أماسيه، فإن الدورة الثانية من المهرجان عانت بالضبط كما يعاني المخرج المبدع الذي يُنجز عمله الأول ويحقق به نجاحاً كبيراً. والقاعدة تقول إن من اليسير، ربما، أن تُنجز فيلمك الأول لكن من العسير عليك أن تُقنع المنتجين والجمهور كي تُنجز العمل الثاني، فهو أصعب مرحلة لدى غالبية المخرجين. وإذا كانت المهرجانات تُقاس بعدد النجوم وبسيل الكلمات التي تُقال إيجاباً أو سلباً فإن هذا المهرجان حقق بالتأكيد المرتبة الأولى بين المهرجانات وفي إمكانه، من دون شك، منافسة التظاهرات السينمائية الكبرى من مثل مهرجان"كان"ونستثني من ذلك أمسية تقديم جوائز"الأوسكار"و"الغولدن غلوب"، لعدم إمكان إدراجهما تحت قائمة المهرجانات بمعناها التقليدي. أما إذا كانت المهرجانات تُقيّم بأهمية الأفلام التي تُعرض فيها وبمقدار ما تُثير تلك الأفلام من نقاش أو بمقدار ما تترك من أثر في تاريخ السينما، فإن في الإمكان الجزم بأن مهرجان روما لم يتجاوز في ذلك أياً من التظاهرات السينمائية المهمة التي أُقيمت في الشهور الماضية وفي إمكان مهرجان"البندقية"العتيد أن يهدأ باله لأن التنافس مع"روما"ما عاد مؤرقاً، سيمّا وأن مدير"البندقية"ماركو موللر تمكن في سبتمبر الماضي من اختتام إدارته للمهرجان لأربع سنوات ببرنامج حافل من الأعمال التي سيُشار إليها بالتأكيد فترات طويلة. ويكفي أن نشير إلى اثنين فقط من الأشرطة التي عرضها مهرجان البندقية وهما"في وادي إيلاه"للكندي بول هاغّيس و"إنه عالم حر"للبريطاني المبدع كين لوتش. كان يُنتظر أن تتحول المدينة الخالدة، روما، خلال مهرجانها إلى عاصمة للسينما العالمية معيدة إلى الأذهان مجد المدينة السينمائي الذي تأسس على إنجازات تشنتشيتا مدينة السينما ونجومها الكبار قبل وبعد الحرب العالمية الثانية، وأن تمتلك المدينة مهرجانها الذي تستحق بعد أن منحت ولا تزال السينما العالمية الأبرز من الأبداعات ومن المبدعين. تلك الإبداعات وأولئك المبدعون الكبار، من روبيرتو روسليني وفيتوريو دي سيكا ودينو ريزي، وصولاً إلى صوفيا لورين ومارتشيللو ماستروياني والكوميدي الكبير توتو، احتُفل بهم في برامج خاصة وتوزّعت أعمالهم في العديد من صالات"الآوديتوريوم"و"بيت السينما"والصالات الأخرى في المدينة. إلاّ أن روما بقيت بعيدة من التظاهرة واستمرت حياتها اليومية بمشاكلها ومصاعبها وزحمة السير الخانقة في ساعات الشدة، وقليلاً ما رفع راكبو الحافلات والسيارات رؤوسهم لقراءة اللافتات الضخمة التي ازدانت بها المدينة وهي تحتفل بتظاهرتها الخاصة للسينما. منظمو المهرجان، وعمدة العاصمة الإيطالية فالتر فيلتروني، أرادوا لهذا المهرجان أن ينطلق لصيقاً بالجمهور وبتواريخ الأمكنة وسعى المهرجان إلى تحويل الجمهور بطلاً أساسياً من أبطال المهرجان بما أن أهم نشاطات المهرجان كانت ستّقام في شارع"فيا فينيتو"، ذلك الشارع الصغير الذي لا يزيد طوله عن نصف كيلومتر دخل تاريخ الثقافة العالمية ومخيّلة السينمائيين والجمهور من خلال العمل الرائع"ثمانية ونصف"الذي أنجزه المخرج الكبير الراحل فيدريكو فيلليني، في مطلع الستينات. اذاً كان يُفترض أن يتحوّل شارع"فيا فينيتو"إلى صالون كبير يلتقي فيه الجمهور مع النجوم إلاّ أنه تحوّل إلى"بازار"للسينما التقى فيه منتجو السينما بموزّعيها. أي باعة الأفلام بمشترييها. أطول بساط وشريط ورود ما ميّز المهرجان هذه السنة هو طول البساط الأحمر الذي مرّ عليه النجوم والشريط السينمائي المرصّع بالورد الأبيض. وقد افتتحت النجمة الإيطالية الحسناء مونيكا بيلّوتشي استعراض النجوم ومرّت على البساط الأحمر، من بعدها مرّت صوفيّا لورين التي خصها المهرجان هذه السنة بتحية استثنائية وجائزة الإبداع للحياة الفنية. وتتالى النجوم بعد صوفيا فمرّ فرانسيس فورد كوبولا وروبيرت ريدفورد وتوم كرويز وشارون ستون والعديد من النجوم الأوروبيين والعالميين، إلاّ أن البساط الأحمر تحوّل إلى لون أسود عندما مرّت النجمة الإيطالية آسيا آرجينتو برفقة والدها داريو آرجينتو مخرج أفلام الرعب الذي عرض في المهرجان" الأم الثالثة". وإذا كانت الدورة الأولى انطلقت تحت شعار الإبهار والجمال من خلال الحسناء نيكول كيدمان فالدورة الثانية انطلقت بطاقة أكثر أهمية على الصعيد السينمائي بعودة المبدع الأميركي الكبير فرانسيس فورد كوبولا إلى ما وراء الكاميرا بعد احدى عشرة سنة بفيلمه الجديد"يفاعة دون شباب" مقتبس من قصة بنفس الإسم لميرتشيا إيليادي ويقول كوبولا عن هذا العمل: "هاكم قصة الرجل الذي عاش مرتين"ويضيف"القصة كانت تعنيني من قريب جداً. ففي السادسة والستين كنت أشعر أنني بلغت خاتمة المطاف. لم أكن قد صدرت فيلماً منذ ثماني سنوات ولم أكن راغباً في إنجاز عمل يشبه أعمالي الأخرى. كنت أشعر بغضب شديد لعدم تمكّني من إنجاز سيناريو فيلم"ميغالوبوليس"الذي كنت أحلم بإنجازه منذ وقت طويل. وفكّرت بأن الوسيلة الوحيدة لحل هذه المعضلة هي العثور على الإلهام من خلال فكرة أنني عدت إلى شبابي، واضعاً جانباً كل الخبرات التي راكمتها خلال السنين الماضية. كان عليّ أن أعثر على مقومات ذهنية لطالب شاب. كان ذلك يعني أن أعيد اختراع نفسي من خلال إقناع ذاتي أنني لم أمتلك أبداً تجربة سينمائية، وأن أقتنع بضرورة أن أتعلم وأن امتلك التجربة". ويواصل كوبولا"من بين فضائل مرحلة الشباب في الحقل الفني هو قلة المعارف ما يوّلد جسارة على التجريب، لكن للشباب أيضاً ميّزة أنهم لا يعون بعد أن الكثير ممّا يستثير خيالك يستحيل عليك إنجازه في الواقع. عندما انتهيت من تصوير"أبوكاليبس الآن"فكرت: لو كان لدي آنذاك الوعي الذي أمتلك الآن لما أقدمت على العمل في المشروع". بطبيعة الحال تحمل الكهولة والشيخوخة معهما"الخبرة"وهي تشكّل أمراً لا ينبغي الإقلال من أهميته بالذات عندما يكون العمل في المجال الإبداعي. "يفاعة دون شباب"الذي أدى بطولته النجم البريطاني تيم روث يروي حياة البروفيسور دومينك ماتيه، أستاذ اللسانيات الذي تُنقذه الصدفة من الموت بسبب حادث رهيب ويشعر إثر ذلك أنه استعاد شبابه في شكل لا يُصدّق. شبابه الجديد يتزامن مع حيوية عقلية وذهنية كبيرة تثير اهتمام العلماء النازيين ما يُجبر البروفيسور ماتييه على هرب متواصل.