هي تظاهرة في كان، وتعقد خلال عقد مهرجان «كان»... لكنها، مع هذا، ليست في «كان» تماماً. انها تظاهرة «اسبوعي المخرجين»، التي احتفلت العام الفائت بدورتها الأربعين، وتغنت من ناحية باستقلاليتها التامة، ومن ناحية ثانية، بكونها، ومنذ زمن بعيد، ممراً شبه إلزامي للوصول الى المجد «الكاني» الكبير الذي يتمثل عادة بصعود الدرج ذي السجادة الحمراء. هذه التظاهرة تضم عادة اسماء مخرجين جدد، وأسماء بلدان ليست معروفة كثيراً على الصعيد السينمائي. ولكن جرت العادة منذ عقود على ان اسماء كثيرة من التي تمر فيها، ستصبح لاحقاً الأسماء الكبيرة في عالم السينما الجديدة. كما جرت العادة على ان يكون فيها اول ما يكون اكتشاف سينمات آتية من تيارات ومن بلدان غير متوقعة. ولكن كذلك جرت العادة، وإن في أحيان أقل، على ان يكون فيلم الافتتاح من توقيع أحد كبار مبدعي الفن السابع. هذا العام ستكون الحال كذلك، حيث ومن دون ان يتوقع أحد، يحمل فيلم الافتتاح واحداً من أضخم التواقيع في سينما الأزمان الحديثة: فرنسيس فورد كوبولا: فكوبولا الكبير، صاحب «العراب» و «يوم الحشر الآن»، لم يمانع حين اقترح عليه، وهو الحائز السعفة الذهبية مرتين، في ان يعرض فيلمه الجديد «تيترو» في افتتاح هذه التظاهرة النخبوية العريقة. لم يمانع ان يضع اسمه وفيلمه الجديد، بين اسماء جديدة وشابة، معيداً اميركا الهوليوودية الضخمة الى تظاهرة لطالما افتخرت بمجموعة البلدان الصغيرة التي تأتي أفلامها منها (هذه المرة مثلاً: بلغاريا، سنغافورة، كندا، النمسا، البنغال)، فإذا كانت هناك إنتاجات اميركية، تأتي عادة من هامش هوليوود ومن السينما المستقلة. من الواضح اذاً، ان كوبولا، إذ يفعل هذا يضخ في التظاهرة «الكانية» الهامشية دماً جديداً، ويشجع آخرين، وربما منهم كبار كانت إطلالاتهم الأولى في «الأسبوعين...» ثم صعدوا حتى حلّقوا في آفاق رفيعة باتت غير قادرة حتى على ان تذكرهم بتلك الإطلالات. والحال اننا اذا استثنينا المخضرم الفرنسي لوك موليه، الذي يعرض فيلمه الجديد «ارض الجنون» في التظاهرة نفسها، يمكننا القول ان نحو الخمسة والعشرين فيلماً التي تشارك في «اسبوعي المخرجين»، تبدو مجهولة الى حد كبير، ما يجعل دورة هذا العام دورة اكتشاف حقيقية. فمن «عجمي» الذي يقدم باسم اسرائيل وألمانيا، ويخرجه عربي (اسكندر قبطي) وإسرائيلي (يوران شاني)، الى «دانيال وآنا» للمكسيكي ميكيل فرانكو، الى الأميركية لين شلتون بفيلمها «هامبداي» وصولاً الى افلام مثل «قتلت أمي» لكزافييه دولان و «كاراوكي» للماليزي تشان فيو والشيلي، «نافيداد» لسباستيان ليليو، اضافة الى دزينة أخرى من افلام، وعدد آخر من افلام قصيرة، من الواضح ان هذه التظاهرة تريد ان تبدأ عقدها الخامس، تحت شعار الاستكشاف. بل يمكننا ان نقول ايضاً ان فكرة الاستكشاف هذه، قد تنطبق ايضاً على كوبولا، الذي من الممكن ان يكون فيلمه نجم هذه التظاهرة، ولكن ليس بصفته عملاً لعملاق لم يعد في حاجة الى تأكيد ذاته، بل بصفته عملاً تجريبياً، لسينمائي يحاول مرة بعد مرة بعد مرة ان يبدأ من جديد. وهذه المرة من طريق سيناريو كتبه بنفسه عن احداث تجرى في الأرجنتين وفي إسبانيا حول مسألة الإبداع الفني والصراع والغيرة في هذا المجال بين ابناء عائلة واحدة من فنانين ايطاليين مهاجرين الى العالم الجديد. ترى، أفلا يمكننا منذ الآن ان نقول ان في هذا الفيلم، نوعاً من سيرة ذاتية - ولو مواربة - لفرانسيس فورد كوبولا نفسه؟ طبعاً لا يمكننا الجزم منذ الآن... لكننا نعرف ان افتتاح «اسبوعي المخرجين» بفيلم «تيترو» لفرانسيس دي كوبولا، يمكن ان يكون - بصرف النظر عن قيمة الفيلم الفنية واحتمالات نجاحاته التجارية لاحقاً - حدث المهرجان. وربما يكون هذا لسوء حظ المخرجة الفلسطينية الشابة شيرين دبس - راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة - كانت تأمل في ان مشاركتها في هذه التظاهرة بفيلمها «امريكا»، بعد مروره بصخب ونجاح في «صاندانس» ستكون حدث التظاهرة!