بعض الاستنساخات العربية لمسلكيات حضارية غربية، تضع الواقع العربي في محكات اجتماعية وثقافية، ذات صلة بالمسلك الرئيس والأصيل لهذا المستنسخ أو ذاك. فإذا كانت بعض المستنسخات العربية لبرامج تلفزيونية غربية قد نجحت، وانتشر تسويقها، فإن هذا النجاح يعود أساساً الى خفة مضمون هذه البرامج المستنسخة، واتصاله بالغناء، او بمسابقات الصراع على التخسيس ومحاربة الشحوم والدهنيات عند المتسابقين. لكن أمر الاستنساخ حين يرتبط بموضوع له علاقة بقضية الابداع الثقافي والكتابي، فإن الضرائب المترتبة على هذا الاستنساخ تستدعي تسديد فواتير أقل ما يقال عنها إنّها فواتير لها علاقة بالفرق بين حضارتين في تعامل كل واحدة منها مع الشأن الثقافي والابداعي تاريخياً. سقت هذه المقدمة كي اتحدث عن الاستنساخ العربي في اجتراح جائزة البوكر العربية للرواية، اقتداء بجائزة البوكر البريطانية المخصصة للرواية أيضاً. ولأن جائزة البوكر تعتمد في ترشيحاتها وبخلاف الجوائز العالمية والعربية عموماً على ترشيحات دور النشر، لا على صاحب الرواية أو الجهات الرسمية والاهلية الاخرى في الترشيح. فإننا لا بد هنا وقبل الوقوع في فخ الاستنساخ هذا، من أن نعود الى العمق الحضاري الذي يرتكز عليه الروائي الغربي، في علاقته الحضارية والاجرائية المتميزة مع دار النشر الغربية. وهذا العمق الحضاري له علاقة بالاحداثيات التي أضافها الناشر الغربي في قانون التعامل مع المبدع أساساً. فهذا الناشر استطاع أن يكون مشاركاً حقيقياً في تفعيل الملكية الفكرية حقوقاً وقانوناً. واستطاع هذا الناشر اجتراح منظومته القيمية في العلاقة بين الثالوث الابداعي المتمثل بالناشر والمؤلف والقارئ، من خلال مسلكيات تتمثل باختيار المحررين وإطلاق يدهم في تعديل أو تقويم أو حتى اختزال المادة الابداعية. ومن خلال توقيع العقود مع المبدعين وتفريغهم ودفع مستحقاتهم المالية قبل ولادة العمل الابداعي، هذا عداك عن الهمّة الاعلامية والتسويقية التي تقوم بها دار النشر، في دفع الاعمال الابداعية للنقاد، لاستكتابهم للترويج اعلامياً للاعمال التي تود نشرها. أما الناشر العربي فهو في الغالب نتاج الثقافة المجتمعية العربية السائدة، هذه الثقافة التي تتيح له أن يمارس تسيده العجيب على المؤلف، من حيث المبالغ الزهيدة التي تدفع للمؤلف عن كتابه، ومن حيث محاصرة المؤلف بعقد اتفاق الناشر الذي غالباً ما يكون لمصلحة الناشر. وللناشر العربي حقه الكامل في الملكية الفكرية، بينما نلاحظ أن هذا الحق يتحول الى حق منقوص، ونحن نرى ان الناشر العربي له الحرية الكاملة في طبع كمية الكتب التي يريدها من دون حسيب أو رقيب، او حتى بالاكتفاء بطباعة عينات من هذا العمل الابداعي أو ذاك. إن جائزة بوكر العربية التي استنسخت اجراءاتها عن البوكر البريطانية وهي تتوج الناشر العربي كسادن في ترشيح العمل الروائي الذي يُريد، لا بد من أن تكشف عن العلاقة العربية الخربة والمتخلفة بين المُبدع العربي وناشره. ولعل الحادثة التي تناقلتها الصفحات الثقافية في العالم العربي عن ذلك الشاب الذي حطم مكتب الناشر المصري محمد هاشم صاحب دار"ميريت"القاهرية بعدما عرف أن روايته الصادرة عن هذه الدار ليست من الاعمال التي رشحتها الدار لجائزة البوكر، هي أول غيث الفضيحة التي بدأت تكشف عن عُري العلاقة بين المُبدع العربي وناشره. فالاشتباكات بين كتاب الرواية ودور النشر العربية بدأت تعلن عن نفسها في أكثر من عاصمة عربية، خصوصاً أن الجائزة تشترط الترشيحات السرية عبر دور النشر العربية. هذا التطاحن المُبكر حدث بعد الاعلان عن اغلاق باب قبول الترشيحات. لكن الفضيحة العربية التي ستكون مجلجلة هي لحظة الاعلان عن أسماء الفائزين بهذه الجائزة لا لشيء سوى أننا اعتقدنا بأننا يمكننا تزوير مسلكيات ثقافية لها عمقها الحضاري الخاص والمختلف والاصيل من طريق الاستنساخ.