بنهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) الجاري تنتهي جائزة كتارا للرواية العربية، من استقبال ترشيحات دور النشر والكتاب أنفسهم لنيل الجائزة في دورتها الأولى، وعلى رغم أن جائزة كتارا في بداياتها إلا أنها مثار نقاش واسع في أوساط المثقفين وكتاب الرواية، خصوصاً مع تزايد الإقبال عليها من الدورة الأولى لها. مثقفون وكتاب رواية عبروا عن تفاؤلهم بوجود جائزة مرموقة مثل هذه، من شأنها دعم الرواية والروائيين العرب، فالأدباء والروائيون خصوصاً في حاجة دائمة للتشجيع والدعم المعنوي والمادي. وكان اسم الدكتور فيصل دراج تردد أكثر من مرة، كأحد الفاعلين الذين يقفون خلف هذه الجائزة، التي تقدم نفسها كجائزة مختلفة عن أية جائزة أخرى تمنح للرواية العربية، تردد اسم فيصل دراج في سياق من ردود الفعل على مقالة نشرها في «الحياة» حول جائزة البوكر في دورتها الأخيرة، معلقاً وملاحظاً على الرواية الفائزة وعلى أمور أخرى، وأوحت ردود الفعل هذه أن دراج، الذي يعرف كأحد المهتمين الأساسيين بالرواية العربية ونقدها، سيجعل مع آخرين من جائزة كتارا جائزة منافسة للجائزة العالمية للرواية العربية «بوكر»، إلا أن فيصل دراج نفى في اتصال مع «الحياة» أية علاقة له بجائزة كتارا للرواية العربية، مؤكداً انصرافه لمشاريعه وكتبه الخاصة، متمنياً التوفيق للجميع. «الحياة» التقت المشرف العام على جائزة كتارا للرواية العربية خالد السيد، وحاورته حول الجائزة وأهدافها واختلافها عن بقية الجوائز العربية، يقول السيد رداً على سؤال: هل يمكن القول إن جائزة كتارا للرواية العربية تأتي تتويجاً للحظة مهمة في عمر الرواية العربية، أم إسهاماً من قطر في صياغة دور ثقافي يتخطى حدودها الضيقة إلى مساحة أوسع وأكبر؟ «لا شك أن الهدف الرئيس لهذه الجائزة هو إثراء الرواية العربية، وأن تصل إلى العالمية، لاسيما أننا إزاء مجتمع عربي كبير، وهو يزخر بالكفاءات والخبرات الواعدة في مختلف المجالات الثقافية والأدبية والفكرية، وعلى رغم ذلك ليس لدينا روائيون حققوا إنجازات كالإنجاز الذي حققه الأديب الراحل نجيب محفوظ». وأكد السيد أن لقطر دوراً رائداً في المجال الثقافي العربي منذ عشرات الأعوام، «إذ صدر ولا يزال العديد من المطبوعات الأدبية والفكرية والثقافية كمجلة الدوحة ومجلة الأمة وغيرهما، وانتشرت مثل هذه الإصدارات في أرجاء الوطن العربي ولاقت قبولاً كبيراً، فضلاً عن ذلك شهد العام 2010 الاحتفال بالدوحة عاصمة للثقافة العربية، وكان لها دور مميز في هذا المجال، وبالتالي المؤسسات الثقافية المختلفة في قطر تقوم بدور بارز على الأصعدة كافة منذ زمن لدعم الثقافة والهوية العربية». وفي ما يخص الإقبال القوي الذي بدأت الجائزة تشهده، يشير إلى رسوخ للجائزة في المستقبل القريب، وبالتالي ستكون جزءاً مهماً وأساسياً من المشهد الأدبي والثقافي العربي، يوضح السيد قائلاً: «الإقبال على الجائزة يعكس مدى تميزها ورياديتها، بل ويمكن القول أيضاً فرادة الجائزة، إذ تجمع بين الرواية والدراما والترجمة، كما تربط بين الرواية الأدبية والإنتاج الدرامي والسينمائي، عدا عن ذلك للمرة الأولى تكون هناك مساحة واسعة للروايات غير المنشورة، بحيث يتم الاحتفاء بالمواهب الشابة ودعمها، ومن هنا ليس غريباً الإقبال على المشاركة في الجائزة، كما نعتقد أن الإقبال على جائزة كتارا سيكون أكبر وأكبر في الدورات المقبلة، بعد رؤية إنجازات الجائزة ونجاحاتها ودورها المميز في خدمة الروائيين والرواية العربية». وفي ما يتعلق بعدم اعتمادهم مسألة القوائم الطويلة والقصيرة، ثم الفائز الواحد، واتجاههم إلى اختيار عشرة فائزين، وبقيمة مادية متساوية، أوضح السيد بقول إن قوائم الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية ستضم 10 فائزين، «خمسة في مجال الرواية المنشورة، وخمسة في مجال الرواية غير المنشورة، والهدف الرئيس أن يكون لدينا أكبر عدد من المميزين وأن يصل الدعم إلى شرائح واسعة، ليكون لدينا أكبر قاعدة من الفائزين بدل أن يكون هنالك فائز واحد. نحن تواصلنا مع العديد من لجان التحكيم، ووجدنا أن بعض اللجان تقع في حيرة عند اختيار الفائز بجائزة معينة، نظراً إلى تقارب المستويات ووجود أكثر من عمل قوي ومميز، وبالتالي كان توجهنا منذ البداية الاستفادة من تجارب الآخرين، وألا نبدأ من الصفر، إذ درسنا الأمر وناقشنا رؤيتنا مع عدد من الخبراء والرواد في مجال الرواية، وأخذنا ملاحظاتهم في الاعتبار لكي تكون الجائزة أكثر عدالة وتأثيراً». وحول لجان التحكيم التي تثير جدلاً واسعاً في الجوائز الأخرى، وهل هناك لدى «كتارا للرواية العربية» تدابير معينة لتجنب ما يثير التحكيم من ملابسات ولبس، يقول السيد: «نحن لدينا رؤية متكاملة في ما يتعلق بموضوع التحكيم من خلال فصل اللجان الإدارية للجائزة عن لجان التحكيم، وبالتالي لن يكون هناك تداخل في عمل كل منها، ثم قمنا بالتنسيق مع المنظمات والاتحادات العربية المعنية لترشيح أسماء لعضوية لجان التحكيم، ولا شك في أن الجوائز الأخرى أعطتنا معرفة لكي نتجنب أي مأزق في هذا الإطار، وأود التأكيد هنا أن جائزة كتارا تلتزم بالتمسك بقيم الاستقلالية والشفافية والنزاهة خلال عملية اختيار المرشحين وإعلان الفائزين». في دورتها الأولى تستقبل الجائزة الروايات التي صدرت خلال عامي 2013 و2014، لكن في الدورات المقبلة ستكون الدورة سنوية، بحسب خالد السيد، «فالدورة المقبلة ستكون من أكتوبر 2014 إلى أكتوبر 2015». أسأله عن ترجمة الروايات الفائزة إلى اللغات الأخرى، فيلفت إلى أنهم ملتزمون بترجمة الروايات العشر الفائزة إلى خمس لغات، من خلال لجنة متخصصة بالترجمة، وأن ذلك سيتم بمراعاة حقوق الملكية الفكرية وشروط النشر، من خلال الاتفاق مع المؤلف مباشرة، وأنه إذا تطلب الأمر التنسيق مع الناشر فسيتم ذلك، «لقد أعلنا في البداية عن سعي جائزة كتارا للرواية العربية إلى ترجمة أعمال الفائزين إلى اللغات الإنكليزية والإسبانية والفرنسية، ثم وجدنا من الأهمية بمكان ترجمة الأعمال إلى اللغتين الصينيةوالهندية أيضاً لما للرواية والأدب بشكل عام من أهمية وثراء في هذين البلدين الكبيرين، ولما لهذه الخطوة من أهمية في تعزيز الترابط بين الشرق والغرب». ويشير السيد إلى أن هذه الخطوة «تكتسب أهمية مضاعفة بالنظر إلى عدد السكان في الصينوالهند والثقافة العريقة فيهما، وهو ما يظهر من حركة الإنتاج الأدبي لاسيما إصدار أعداد ضخمة من الروايات في الهند»، لافتاً إلى أن الكثير من هذه الروايات ذات قيمة أدبية كبيرة، «فضلاً عن ذلك نحن ملتزمون بأن يتم عرض نتائج الدورة أمام الجمهور في الدورة التي تليها لكي يكون هناك مزيد من الشفافية والوضوح، إذ سيتم عرض ما جرى بخصوص الترجمة وجميع الأعمال والإصدارات، ومن ضمنها الإنتاج الدرامي والسينمائي المتعلق بالروايات الفائزة وطرح ذلك أمام الجمهور». أقول له إن البعض من المثقفين يصر على النظر إلى جائزة كتارا بصفتها تأسست لتنافس جائزة «بوكر»، فيرد موضحاً «كل منهما مكمل للآخر، ونحن لا ننسى دور الشارقة في إثراء الثقافة العربية ودعم المثقفين والأدباء في مختلف أرجاء العالم العربي بل والإسلامي، إذ إن الشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية، ومن هنا لا يوجد تنافس بالمعنى السلبي، بل تكامل وتنوع وإثراء للحركة الثقافية وللمشهد الثقافي في الساحة العربية». المشرف العام على الجائزة خالد السيد عبر عن تفاؤله بالجائزة ودورها، وقال إن الاهتمام بالرواية العربية «تعزز خلال الأعوام الأخيرة، ومن هنا فإننا في جائزة كتارا للرواية العربية نسعى إلى جعل الجائزة صرحاً لنشر الرواية العربية المتميزة، وأن تصبح كتارا منصة إبداعية جديدة في تاريخ الرواية العربية تنطلق بها نحو العالمية، وحافزاً دائماً لتعزيز الإبداع الروائي العربي ومواكبة الحركة الأدبية والثقافية العالمية، والإسهام عبر هذه الجائزة في التواصل الثقافي مع الآخر من خلال الترجمة والأعمال الدرامية». وأضاف أن الجائزة تعزز رسالة المؤسسة العامة للحي الثقافي «كتارا»، «التي ترتكز على دعم المشهد الثقافي العربي وإطلاق حوار حقيقي يسهم في تقوية التعايش الثقافي على مستوى العالم، وتعبيراً عن الرغبة الجماعية في السعي إلى تحقيق تنوع ثقافي فكري في الوطن العربي وتكوين جيل يعتز بهويته العربية، وفتح الباب أمام كبار وصغار المبدعين لإنتاج مميز». وبخصوص الجديد الذي يتعلق بالرواية وبالجائزة، كشف خالد السيد أنه سيتم اختيار 12 قطرياً وقطرية للمشاركة في برنامج واعد باسم طلائع كتارا للرواية العربية، إذ سيتم عقد ورش تدريبية لهم من خلال مركز الرواية العربية، وسيتم عمل مسابقة منفصلة للطلائع في مجال الرواية، كما ستقدم لهم حوافز شهرية مميزة. وقال إنه سيتم افتتاح مركز الرواية قريباً، وسيضم مكتبة قيمة للروايات والفيديوهات المتعلقة بالرواية، إضافة إلى مركز التدريب الذي يتولى رعاية وتأهيل المبدعين من خلال دورات متخصصة في مجال كتابة الرواية، «وصولاً ليكون مركز الرواية مكاناً جامعاً لكل ما يتعلق بالرواية العربية، بحيث يخضع للتطوير المستمر لتحقيق ذلك، فضلاً عن ذلك نعمل على طباعة مجموعة من الإصدارات التي تهتم بالرواية العربية، وسيتم عرضها خلال حفلة توزيع الجوائز».