ألقى غياب الرواية السعودية عن القائمة الأولية للأعمال الروائية المرشحة لجائزة "بوكر" العربية في دورتها لعام 2012، بظلاله على المشهد الثقافي في المملكة، خصوصاً أن عدد الرويات السعودية التي صدرت منذ مطلع العام تجاوز 60 رواية حتى الآن بحسب الببليوجرافي الكاتب خالد اليوسف . تباينت آراء مثقفين ساءلتهم "الوطن" بين من اعتبر الأمر "استراحة محارب"، ومن عزاه إلى ضعف التسويق من قبل دور النشر، ومن رأى فيه "مسؤولية ثقافية"، داعياً النقاد إلى البحث عن السبب. وكانت الرواية السعودية حضرت متوجة في الدورتين السابقتين للجائزة وفاز في دورة عام 2010 الروائي عبده خال عن روايته "ترمي بشرر"، وفي عام 2011 الروائية رجاء عالم عن روايتها" طوق الحمام"، مناصفة مع المغربي محمد الأشعري، لكن القائمة الأولية لعام 2012 التي أعلنت الخميس، خلت من الرواية السعودية ما بعث على التساؤل عن مدى الإحاطة بضوابط الترشيح، سواء على صعيد المؤلفين أو دور النشر التي تعد البوابة الأولى لترشيح الأعمال الروائية للجائزة. خالد اليوسف قال: "إن ترشيح الأعمال الروائية يعتمد على الناشرين سواء داخل المملكة أو خارجها، بخاصة أن معظم الروائيين السعوديين يطبعون أعمالهم في بيروت"، معتبراً أن "لا غرابة في خلو القائمة الطويلة من الروايات السعودية، وأن ذلك يرجع إلى الناشر وحده". وأضاف: "إن غياب الرواية السعودية هذا العام، ليس إلا استراحة محارب"، متوقعاً أن "تشهد الأعوام المقبلة حضوراً فاعلاً على صعيد الجوائز الثقافية". ولفت اليوسف إلى أن "أكثر من 60 عملاً روائياً صدر هذا العام"، مشيداَ ب"إصرار الروائيين السعوديين على مواصلة الكتابة، والشعور بمسؤوليتهم تجاه القارئ والمجتمع"، ومعبراً عن سعادته ب"حضور أسماء جديدة إلى المشهد الإبداعي الروائي هذا العام". ويرى الناقد محمد العباس أن الروائيين في السعودية على درجة كبيرة من الحرص للمشاركة في البوكر. بدليل حضورهم الكثيف والواضح في الدورات السابقة. كما أن الفوز بها لدورتين متتاليتين مسألة تشجع أكثر على المحاولة. بالإضافة الى أن هذا الفوز يدفع الناشر العربي إلى طباعة المزيد من الروايات الصادرة في السعودية، والمشاركة بها في البوكر، لأنها تكفل لها ربحية عالية، بالنظر إلى ما يتمتع به المشهد في السعودية من قدرة شرائية. وبالتالي تنتفي فكرة عدم ترشيح روايات من السعودية من قبل الناشر العربي. ولكن يبدو أنه لم تصمد أي رواية في السباق خلال هذا العام. ويشكك الكاتب والناشر السعودي عادل الحوشان صاحب دار "طوى" صراحة في نزاهة اللجان المحكمة، ويقول: الغياب عن القائمة هذا العام تتعدد أسبابه، هذه آراء تم تداولها ونقاشها في حينه، وحين نعرف أن أكثر من عضو في الجائزة انسحب في دورات فائتة. هذا التشكيك لا يقنع العباس إذ يقول: لجنة التحكيم لا أظنها معنية كثيراً بسمعة الأسماء أو الانحياز إلى بلدان بعينها، بدليل وجود أسماء تدخل القائمة الطويلة للمرة الثانية، وسبق لها أن فازت بالجائزة كيوسف زيدان والحبيب السالمي. ومن خلال اطلاعي على الروايات الصادرة في السعودية خلال هذه الفترة لا أميل الى إمكانية ترشح أي رواية للقائمة الطويلة، مقارنة بالروايات المرشحة، فهي روايات نيئة ومستعجلة، ولا تحقق النصاب الأدبي المطلوب. حيث تدور في نفس المدارات المستهلكة ولا تتقاطع مع مستوجبات الفعل الروائي. وهو مأزق فني ما زال يهيمن على المشهد، رغم ما يقال عن كفاءة المنتج استدلالاً بفوز روايتين في دورتين سابقتين. وأتمنى بالفعل أن تناقش الرواية في السعودية من خلال مآزقها الفنية وحفرياتها الموضوعية، عوضاً عن الانشغال بأسباب عدم ترشحها. في الوقت الذي يؤكد فيه الحوشان أن "غياب الأعمال والأسماء السعودية هذا العام عن القائمة الطويلة يعود بالدرجة الأولى إلى لجنة الجائزة، خصوصاً مع غياب المعلومة أو نقصانها فيما يخص سؤال الأعمال السعودية المرشحة لهذا العام". وتابع: "لا أحد يعرف ما هي الأعمال التي رشحت من قبل دور النشر العربية، وبالتالي على النقاد البحث في الأسباب التي لم تؤهل ما يقارب 60 عملاً روائياً وأكثر، إلى الترشح للجائزة، وخلو القائمة الطويلة منها". لكن هل رشح الناشرون أعمالاً سعودية، وهل الأعمال التي صدرت لم ترتق لمستوى الجائزة؟ يقول الحوشان: "الإجابة عن هذه الأسئلة مسؤولية ثقافية بالدرجة الأولى. أدبية بدرجة ما وأخلاقية كذلك في ما يتعلق بدور الناشرين العرب في الاهتمام بالمنتج الروائي السعودي. على الرغم من عدم ترشيح أي عمل من قبل الناشر، فهو في النهاية يحقق الغاية التجارية التي تسعى إليها بعض دور النشر التي ترى في السوق السعودية سوقاً استهلاكية، لا سوقا إبداعية منتجة، وإن كنت لا أعمم هذا الرأي". من جانبه شدد خالد اليوسف على "أهمية تواصل المؤلف مع الناشر، وألا يكتفي بمجرد طرح الرواية في السوق" موضحا: عليه أن يتفق مع ناشره بصورة ما على ضرورة وجود حملة ترويجية وثقافية تخدم العمل وتقدمه إلى المسابقات والجوائز شرط أن يكون جيداً وذا تفرّد". وهو ما يفصله الحوشان بقوله: العلاقة القانونية بين الناشر والمؤلف ملتبسة هي الأخرى، فيما يتعلق بالتسويق والدعاية. لا توجد وسائل دعاية من شأنها أن تحدد شكل العلاقة بين الطرفين، وهذا الأمر ينسحب على سوق الكتاب بشكل عام وإشكالياته الغائبة عن البحث والتفكير بطرق وحلول للتوزيع، يدخل من ضمنها الرقابة بدرجة أولى والمكتبات بصفتها منفذاً تجارياً بحتاً. ومن حق المؤلف أن يسأل عن دور الناشر في التسويق، لكن من دون أن يغيب أطرافاً أخرى شريكة في العمل. وأكد الحوشان أن "الترشيح للجوائز جزء من الدور التسويقي للعمل، لكن أيضاً دور النشر لا تغامر بترشيح أعمال قد تؤثر في صورتها في جوائز تفترض أن لجانها تتبع بصرامة معايير فنية وجمالية ومعرفية، قد لا تتحقق في معظم أو بعض الأعمال المنشورة، وبالتالي فإنها تختار عدم الترشيح لئلا يؤثر مستوى العمل في موقعها واسمها لدى إدارات وأعضاء لجان مثل هذه الجوائز". لكن في كل هذا يبقى السؤال مفتوحا ومشروعا: هل لفوز روايتين سعوديتين في العامين الماضيين دور في عدم ترشيح روايات لهذه الدورة ولو في القائمة الطويلة، أم أن الأعمال السعودية لم ترتق لمعايير الجائزة لهذا العام؟ من سيعلن عن ذلك أو يبحث عنه؟.