على طريقة صبي أو بنت، تتجه المواجهة بين الولاياتالمتحدة وإيران نحو تسوية أو حرب، مع ترجيحي ان ادارة بوش، بقيادة نائب الرئيس ديك تشيني وعصابة الحرب الإسرائيلية في الادارة وحولها، اتخذت قراراً بالحرب. خطاب الرئيس عن العراق الأسبوع الماضي كان خطاباً عن ايران في الواقع، مهّد له الرئيس بإرسال حاملة طائرات الى الخليج، وأتبعه باعتقال ديبلوماسيين ايرانيين في أربيل. ويبدو ان الرئيس بات مقتنعاً بمعنى ان عصابة الحرب أقنعته بأنه غزا البلد الخطأ، فلا أسلحة دمار شامل ولا علاقة مع"القاعدة"في العراق، في حين ان ايران توفر هذين السببين وغيرهما لبدء حرب، وكل ما قاله الرئيس عن العراق في خطابه كان محاولة لكسب الوقت فيما يجرى الإعداد لحرب على ايران. المشكلة مع ادارة بوش انه اذا كانت الحرب على العراق كارثة، فأي حرب مقبلة على ايران ستكون كارثة مضاعفة، لأن قدرات ايران أكبر كثيراً مما كان متوافراً لصدام حسين المحاصر المنبوذ إقليمياً وعالمياً، ولأن الإدارة الأميركية مبرمجة لارتكاب الأخطاء نفسها التي ارتكبت بحق العراق في حرب مع ايران، وربما على نطاق أوسع. كنتُ أتابع تصريحات الرئيس بوش في الأيام الأخيرة، وأجد انه غير قادر على الاعتراف بالخطأ، أو الطلوع بشيء من دروس حرب العراق يستفيد به في حرب مع ايران. هو قال ان عنده السلطة لزيادة القوات الأميركية في العراق، والمبالغ اللازمة موجودة ضمن موازنة 2007. غير ان معلومات الكونغرس تقول ان الإدارة خصصت 70 بليون دولار للحرب على العراق وأفغانستان والإرهاب هذه السنة، والملبغ لا يكفي، وأعضاء الكونغرس يتوقعون ان تطلب الأدارة اعتماداً إضافياً بمبلغ مئة بليون دولار. بكلام آخر، خطة الرئيس الجديدة التي زعمت الادارة انها تكلف 5.6 بليون دولار للحرب وبليون دولار لإعادة التعمير غير ممكنة، وأمامي خبر يقول ان نفقات حروب بوش اقتربت من رقم 660 بليون دولار، وهو ما كلفت حرب فيتنام بأسعار اليوم، على امتداد عقدين. الرئيس بوش قال أيضاً"ان قرار الغزو سنة 2003 كان القرار الصائب حتى مع عدم اكتشاف أسلحة دمار شامل اعتقدنا بوجودها، لأن صدام حسين كان مصدراً كبيراً لعدم الاستقرار...". عدم الاستقرار الذي أحدثته الحرب يزيد ألف مرة على أي عدم استقرار في أيام صدام حسين، ولا أدري كيف يستطيع أي انسان ان يطلع بمثل هذا الزعم صافعاً الحقيقة والمستمع في الوجه. وكرّر الرئيس يقول ان الغزو كان قراراً صائباً، وإن اعترف بأن خيارات اتّخذت بعد الغزو زعزعت أمن البلاد. جورج بوش مسؤول عن قرار الحرب كرئيس، ومسؤول عن الخيارات الخاطئة التالية، وهو يعترف بأن الحرب شنّت لأسباب تبيّن لاحقاً انها خاطئة أقول انها كاذبة، وأن الاحتلال ارتكب أخطاء تالية أذكّره بأنها أدت الى مقتل 200 ألف عراقي على أقل تقدير مع ارتفاع الرقم الى حوالى مليون بحسب مصادر طبّية وأكاديمية بريطانية وأميركية من أرقى مستوى. ورقم المليون يحتاج الى إيضاح، فهو يضم إضافة الى الذين قتلهم الاحتلال أو الإرهاب، جميع الذين ماتوا لأسباب تتعلق بالحرب، مثل عدم توافر خدمات طبّية، ووفيات الأطفال الحديثي الولادة وغير ذلك. صدام أُعدم في جريمة واحدة، غير انه ارتكب جرائم كثيرة يستحق حكم الإعدام بسببها. وإدارة بوش تسببت بالغزو غير المبرر وأخطاء الاحتلال في قتل مئات ألوف العراقيين، فهل يحاكم أركانها كما حوكم صدام، وكما استحق ويستحقون؟ الادارة ليست في وارد ان تحاسب، بل هي تهرب الى الأمام، ووزير الدفاع الجديد روبرت غيتس، وهو من أفضل أركان الادارة، طلع بتصريح عجيب في بروكسيل، فهو شكا من ان ايران"لا تفعل شيئاً لمساعدتنا في العراق". كيف يمكن ان تساعد ايرانالولاياتالمتحدة في العراق، والثانية تصنف الأولى على انها عدوة، وتهدّد بضرب برنامجها النووي وغزوها؟ روبرت غيتس قال أيضاً ان الايرانيين يعتقدون ب"اننا عالقون في العراق وانهم يملكون المبادرة بأيديهم". طبعاً هذا صحيح، ويمكن ان نزيد عليه ان ادارة بوش هي التي دمّرت اعداء ايران، وأهدتها العراق على طبق من فضة، وجعلتها أقوى، ثم قررت مواجهتها. الرئيس بوش لا يعرف، وقرار الحرب على ايران اتخذته العصابة الاسرائيلية وأقنعته به، وجهد الادارة اليوم هو مع الدول العربية"المعتدلة"، ومحاولة تخويفها من المد الشيعي الإيراني. أعتقد بأن القيادات العربية في مصر والمملكة العربية السعودية والأردن، أذكى ألف مرة من جورج بوش، وقرارها بيدها، وهي لم تغير رأيها في ان على الإدارة الأميركية ان تحرز تقدماً في القضية الفلسطينية، اذا أرادت مساعدة في العراق أو ضد ايران. وفي حين تعتقد ادارة بوش بأنها تضحك على المعتدلين العرب بالتخويف من ايران، فإنني أراهم"واخدين بوش على قد عقله"لتحقيق بعض أهدافهم، وهم حتماً لا يحتاجون الى معلومات أميركية عن ايرانوالعراق أو اسرائيل والفلسطينيين.