كلما صدر كتاب عن الغزو الأميركي للعراق يحضر اسم الدكتور أحمد الجلبي رئيس «المؤتمر الوطني العراقي». والأمر نفسه كلما تناول مقال المغامرة المجنونة التي ارتكبتها إدارة الرئيس جورج بوش. ويقفز الاسم الى الواجهة في حلقات العراقيين والقسوة جزء منها وحلقات العرب التي لا تعوزها السهام. لا تنكر الكتب والمقالات والأحاديث ذكاء الرجل ودوره الحاسم في اغتيال نظام صدام حسين. لكن معظمها يمطره باتهامات خطيرة. «انه الرجل الذي دفع اميركا الى الحرب». «انه الرجل الذي استدرج الأميركيين الى المستنقع العراقي». «انه الرجل الذي ضلل الاستخبارات الاميركية واخترع شهوداً فبركوا روايات أسلحة الدمار الشامل والمختبرات الجوالة». «انه الرجل الذي ضلل كبريات وسائل الاعلام الأميركية ومعها الرأي العام في القوة العظمى الوحيدة». «انه الرجل الذي حصل على موافقة ايران على قرار الغزو الاميركي ونقل إليها أسراراً دفعت القوات الاميركية الى مداهمة مكتبه». «انه الرجل الذي أسس البيت الشيعي بعدما تمتع تنظيمه على مدار سنوات بدعم مالي اميركي». «انه الرجل الذي كان وراء صدور قانون تحرير العراق واقنع المحافظين الجدد لاحقاً بأن اسقاط نظام صدام هو فرصتهم لتغيير العراق والمنطقة فسارعوا بعد هجمات 11 ايلول (سبتمبر) الى اغتنامها». «انه الرجل الذي حلم بانتزاع رئاسة عراق ما بعد الغزو وحين تعذر عليه ذلك راح يشاكس ويهاجم ويعرقل ويؤلب جهات اميركية ضد أخرى». وعلاوة على الاتهامات السياسية اتهامات شخصية «بالضلوع في الفساد». قرأت الاتهامات وسمعتها ولم اكن اعرف الرجل ولم يصدف ان التقينا. بدت قصة الرجل مثيرة، إذ لم يحدث من قبل ان اتهم فرد عربي بدور أدى الى تغيير في موازين القوى في العراق والمنطقة معا. نصحني سياسي صديق بعدم الاقتراب من الرجل لأن مجرد فتح دفاتره سيثير حفيظة بحر من الاعداء كما قال. ضاعفت النصيحة حشريتي. الصحافة لا تبحث عن الابرياء ولا تعيش على قصص القديسين. للمرة الأولى سيروي احمد الجلبي قصته. سيحكي عن زيارته لمعتقل اسمه صدام حسين وعن الحرب الاميركية التي اطاحته وعن اعتقاله. سيروي ما سبق الحرب وموقف ايران منها والأخطاء التي ارتكبت بعد الانتصار الاميركي. سيتحدث عن علاقته ببول بريمر الرجل الذي وُضع العراق في عهدته بعد اقتلاع نظام صدام وحلّ الجيش العراقي واجتثاث البعث وعمليات النهب الفظيعة التي حدثت. وسيروي مسار الجهود التي بذلها بعدما استنتج ان اسقاط نظام صدام حسين مستحيل من دون اقناع اميركا بإسقاطه. انها قصة سنوات طويلة تسرب الجلبي خلالها الى أروقة الكونغرس وال «سي آي أي» ووزارة الدفاع وكواليس صناعة القرار. تأتي مشاركة الجلبي لتكمل الصورة في الشق العراقي من سلسلة «يتذكر» والتي شملت حتى الآن كلا من: جلال طالباني ومسعود بارزاني وعزيز محمد وحازم جواد وصلاح عمر العلي ونزار الخزرجي وحامد الجبوري وابراهيم الداود وعبدالغني الراوي. وهنا نص الحلقة الأولى: انطلقت القذيفة الأولى في حرب إسقاط صدام حسين، أغارت الطائرات الأميركية، أين كنت في ذلك الوقت وماذا فعلت؟ - جئت من تركيا يوم 17/3/2003 وكنا قد دخلنا الى كردستان في كانون الثاني (يناير) 2003. كيف دخلت؟ - مشياً على الأقدام من إيران. وبعلم السلطات الإيرانية؟ - طبعاً، السلطات الإيرانية أقامت لنا وداعاً رسمياً، دخلت من إيران واجتمعنا مع القيادات المعارضة التي كانت موجودة هناك. مثل من؟ - المرحوم المرجع السيد محمد باقر الحكيم - وقادة حزب «الدعوة» و «منظمة العمل الإسلامي»، كانوا موجودين في إيران، وكان معي في ذلك الحين في الرحلة الى إيران الأستاذ كنعان مكية، واللواء وفيق السامرائي والدكتور لطيف الرشيد وزير الموارد المائية العراقي الحالي. اجتمعنا مع قيادات المعارضة العراقية ومع المسؤولين في إيران. مَنْ من المسؤولين الايرانيين؟ - مع وزير الخارجية في ذلك الحين كمال خرازي، ومع العميد قاسم سليماني مسؤول «قرار غاه القدس». يعني فيلق القدس؟ - واجتمعنا مع العميد محمد جعفري، الذي كان في مجلس الأمن القومي الإيراني ومع الشيخ هاشمي رفسنجاني. واجتمعنا أيضاً مع العميد سيف الله الذي كان مسؤول قرار «غاه نصر»، يعني قيادة نصر التي كانت تدير علاقات الجمهورية الإسلامية مع المعارضة العراقية، وهذا الاجتماع جاء بعد مؤتمر لندن الذي عقدته المعارضة العراقية في كانون الأول (ديسمبر) 2002 وقبله حصل اجتماع في طهران، حضره الأستاذ مسعود بارزاني الرئيس الحالي لإقليم كردستان وأيضاً المرحوم آية الله السيد محمد باقر الحكيم ومندوب عن الأستاذ جلال طالباني هو كسرت رسول وأنا لتحديد ما سيخرج من تصورات مشتركة عن مؤتمر لندن للمعارضة. اتفقنا في ذلك الاجتماع، علماً أننا عقدنا اجتماعات اخرى في طهران، على تأليف حكومة عراقية موقتة. بعد ذلك عقدنا مؤتمر لندن، الأميركيون كانوا موجودين، كان السفير زلماي خليل زاد ممثلاً الرئيس جورج بوش، وكان مسؤولون أميركيون من «سي أي إي» ومن وزارتي الخارجية والدفاع، وكلهم كان ضد تشكيل حكومة موقتة. لماذا؟ - لأنه كان هناك اتجاه قوي جداً في الإدارة الأميركية يدعو الى تشكيل سلطة احتلال أميركية أو مع الحلفاء، وكانوا لا يريدون قيام حكومة عراقية موقتة، والذين كنا نعتمد عليهم داخل الإدارة الأميركية لتأليف هذه الحكومة لم يضغطوا بما فيه الكفاية لتحقيق هذا الأمر. لذا عرقلوا تأليف الحكومة في مؤتمر لندن واتفقنا على أن يشكل المؤتمر لجنة من 65 شخصاً يجتمعون في صلاح الدين في كردستان العراق في شهر كانون الثاني (يناير) 2003 للبحث في تنفيذ قرارات المؤتمر وتعيين هيئة تنفيذية لذلك، لكن الاجتماع تأخر. ذهبنا الى العراق، وكان من المفترض أن يعقد المؤتمر في 15 كانون الثاني لكنه لم يعقد، فذهبنا الى إيران في 17 كانون الثاني مع الجماعات التي أخبرتك عنها وبعد ذلك دخلنا الى العراق في نهاية الشهر المذكور. الدخول من إيران دخلت سيراً على الأقدام؟ - نعم وهناك صور لدخولنا الى العراق، عبرنا من منطقة الحدود في بيرنشهر الى الحاج عمران سيراً على الأقدام الى العراق واستقبلنا وفد من «الحزب الديموقراطي الكردستاني» وضم أحد أعضاء مكتبهم السياسي الأستاذ فلك الدين كاكائي وذهبنا من الحاج عمران باتجاه صلاح الدين، اجتمعنا مع الأستاذ مسعود وبعد ذلك توجهنا الى منطقة دوكان على بحيرة دوكان، وأخذنا مقراً أمّنه لنا الرئيس العراقي الأستاذ جلال طالباني، وكان آنذاك الأمين العام ل «الاتحاد الوطني الكردستاني». وبدأنا العمل في دوكان، وكان ذلك في أول شهر شباط (فبراير) 2003، وتأخر عقد مؤتمر صلاح الدين الذي كان يفترض أن يحضره ال65 شخصاً الذين لم يوافقوا على مؤتمر لندن، وكان هناك شكوى وتردد من قبل الولاياتالمتحدة لإرسال مندوب عنها، ومع ذلك أصررنا على عقد المؤتمر، فجاء وفد أميركي برئاسة السفير زلماي خليل زاد وكان هناك أيضاً وفد إيراني برئاسة العميد محمد جعفري من قيادة مجلس الأمن القومي في إيران وهو على علاقة حميمة بالعراقيين وخصوصاً الأكراد الذين حارب الى جانبهم لمدة 8 سنوات خلال الحرب ضد صدام. وبعد ذلك كان على علاقة طيبة بهم وله تأثير عليهم. وجاء في ذلك الوقت الى صلاح الدين. هذا في شباط؟ - نعم وعقد مؤتمر صلاح الدين، وقررنا تأليف حكومة عراقية موقتة، ولكن خليل زاد وبناء على أوامر الحكومة الأميركية، عارض ذلك. أوامر من؟ - البيت الأبيض كانت سياسته تقضي بعدم تشكيل حكومة موقتة. ما تفسيرك لهذا الموقف؟ - تفسيري أنهم كانوا لا يريدون أن تسيطر المعارضة العراقية على هذه الحكومة، وكانوا يعتقدون، خصوصاً ال «سي آي أي»، انه بإمكانهم الحصول على تأييد قادة عسكريين في العراق، وأعضاء في حزب البعث لتغيير صدام والتمرد عليه، وكانوا حتى آخر لحظة يتوقعون أن يلعب هؤلاء دوراً في التغيير في العراق وكانوا يقولون إن تأليف الحكومة الموقتة سيجعل هؤلاء ينكفئون عن دعم تغيير صدام ويُجبرون على الوقوف معه. أنتم كنتم تريدون تأليف حكومة انتقالية؟ - نعم، حكومة عراقية موقتة Provisional Government. حكومة موقتة قبل إسقاط النظام؟ - نعم، ويكون مقرها في العراق وتشارك في عملية التحرير. هذه كانت نقطة مهمة جداً. هل كان الأميركيون يراهنون على ما يشبه الانقلاب العسكري؟ - نعم، هذه كانت أحلامهم. وكانت لديهم علاقات مع عسكريين كبار؟ - خدعتهم المخابرات العراقية، خدعهم صدام. كيف ذلك؟ - أنصحك بأن تقرأ كتاب War and discussion الذي كتبه دوغلاس فايث وكيل وزير الدفاع الأميركي ونشر سنة 2008. يصعب جداً الرد على النقاط التي يذكرها الكتاب لأنها مدعمة بوثائق ومحاضر من مجلس الأمن القومي، وأيضاً كتاب بوب وودورد، الأميركيون، حلم ال «سي أي إي» بالاتصال بضباط عراقيين قصة تاريخية، وهي أحد أسباب خلافنا العميق معهم. قبل سقوط صدام كان لدى ال «سي أي إي» ستيفن ريختر، مدير محطتها في عمّان خلال حرب الكويت سنة 1991، وفي ذلك الحين، التقى ريختر اللواء المتقاعد محمد عبدالله الشهواني في عمان، وهو الآن رئيس المخابرات العراقية. الطريق الى الانقلاب بداية المؤامرة؟ - كانت بداية المؤامرة، التقاه هناك، وكان أيضاً يعزز هذه العلاقة باستمرار، وكانوا في ال «سي أي إي» يعتقدون أن لديهم اتصالاً مباشراً بمجموعات من الضباط العراقيين عن طريق الشهواني ومن عرّفهم اليه. خلفية هذا الاتصال تعود الى حادثة مقتل عدنان خيرالله الذي كان وزيراً للدفاع وهو ابن خال صدام في حادث مروحية، وجرى اتهام صدام انه وراء مقتله. كانت تحيط بعدنان خيرالله مجموعة من الضباط، وكان لديهم وضع مميز، منهم الشهواني وعدنان محمد نوري، الذي كان في «الوفاق» في كردستان، ومنهم محمد نجيب الربيعي، ابن الفريق نجيب الربيعي الذي كان رئيس مجلس السيادة في زمن عبدالكريم قاسم وهو ضابط عراقي قديم ومحترم وقدير، وآخرون أحدهم ضابط موجود الآن في العراق، ما زال يعمل بشكل ما، لا أريد أن أذكر اسمه لأنه قد يُحرج. هؤلاء كانوا من جماعة عدنان خيرالله، وأيضاً منهم وزير الدفاع الحالي عبدالقادر العبيدي (أبو محمد)، طبعاً اعتقله صدام، هؤلاء كانوا على علاقة طيبة بعدنان خيرالله وعندما قتل الأخير فإن هؤلاء إما أُخرجوا أو أُبعدوا أو هاجروا. فاتصال ريختر بالشهواني كان سبباً لقيام اتصال بينهم وبين الاستخبارات الأميركية. بعد مقتل عدنان خيرالله؟ - نعم، ثم تطور الأمر كثيراً بعد غزو صدام للكويت. فبدأوا يجرون اتصالات، وكانوا يعتقدون انهم يستطيعون القيام بانقلاب، خصوصاً بعد نهاية حرب الخليج واستمرار صدام في عرقلة تنفيذ القرارات التي وافق عليها وفي تهديد أميركا وأصدقائها في الكويت والسعودية. كل هذا الكلام الذي أقوله ثبت بعد ذلك من وثائق المخابرات التي وقعت في حوزتنا. كان الأميركيون يفكرون بالانقلاب العسكري، وفشلوا طبعاً، وأنت تعرف وضع حركة ال96 وهناك معلومات كثيرة لم تنشر، تجعلك تستغربها. مثلاً من كان يقود العملية في العراق، من هو صلة الوصل. صلة الوصل اسمه عزت محمد عبدالرازق عفيفي. وهو مصري كان يعمل في السفارة المصرية في بغداد. ماذا كان دوره؟ - كان مراسلاً للحقيبة الديبلوماسية، يأخذها من السفارة المصرية في بغداد الى عمان، لكنه في الحقيقة كان يعمل للمخابرات العراقية منذ سنة 1982، وهناك ملف يخصه في المخابرات، يصلح لتصوير فيلم. كان عفيفي صلة الوصل بين الشهواني والمتآمرين في بغداد. كأن يأخذ أموالاً وأجهزة اتصال الى بغداد ويسلمها للمخابرات العراقية لتطلع عليها وتلتقط صوراً للأموال وتسجلها ثم تسلمه إياها فيرسلها الى المتآمرين، فكانت الاستخبارات على علم كامل بالقضية. أنا كنت في كردستان في شهر 11 من سنة 1995 في مهمة لعقد اتفاق سلام بين الأطراف الكردية المتصارعة في ذلك الحين، وكان هناك وفد أميركي من وزارة الخارجية برئاسة السفير بوب دويتش، ذهبنا الى هناك وكنا سنصل الى اتفاق. كان مسؤول المخابرات في «المؤتمر الوطني» أراس حبيب على اتصال بضباط مخابرات عراقيين في بغداد، أحدهم أرسلته الحكومة في مهمة سرية الى أربيل، فاتصل بأراس وأبلغه بضرورة الابتعاد عن المؤامرة التي كان يحضر لها الشهواني والدكتور إياد علاوي لأنها مكشوفة لدينا، ابتعدا عنها. جاء اراس الي وأبلغني ذلك، قلت له تواصل معه لمعرفة المزيد، فقال إن معلوماته نقلاً عن ضابط المخابرات العراقي، تؤكد ان الأجهزة التي تأتي الى بغداد يحضرونها الى المخابرات لمعاينتها ثم نسلمها والعملية نديرها نحن. بعد هذه المعلومات الخطيرة ذهبت الى أميركا وطلبت اجتماعاً مع مدير «سي آي أي» في ذلك الحين جون دويتش، في عهد بيل كلينتون، وكان نائبه في ذلك الحين جورج تينت، فتم ترتيب الاجتماع وأحضر معه ريختر. أخذت معي كتاب حنا بطاطو عن العراق الى دويتش، وكان أستاذاً في جامعة «ام أي تي» التي درست فيها، كان قبلي بسنوات درس فيها ثم صار استاذاً للكيمياء. في أول اللقاء تحدثنا عن الجامعة، وأنا كنت على وشك أن أدرس الكيمياء، وعندما أنهينا هذا الحديث، قلت: «أنتم دولة كبرى تعملون ما تريدون، لكننا نحذركم، أنتم لستم مضطرين أن تقولوا لنا، لكن نحذركم من أن مؤامرة تحيكونها في بغداد ولديكم ضباط «سي آي أي» في عمان لهم مكان خاص في المخابرات الأردنية ويلتقون مع ضباط عراقيين، والمؤامرة هي بقيادة الشهواني وعلاوي وهذه مكشوفة للمخابرات العراقية. ولتأكيد كلامي، أنتم ترسلون أجهزة اتصال (بالساتيلايت وأجهزة تشويش) وأموال وعندكم حلقة وصل وبعض الأجهزة موجودة لدى المخابرات العراقية ولدينا معلومات عن ذلك من المخابرات العراقية، فاحذروا. حل صمت رهيب، وكان أحدهم ينظر الى الآخر لمدة نصف دقيقة، قلت لهم شكراً ومع السلامة. وذهبت الى أصدقاء في أميركا وقلت لهم اشهدوا أنا قلت لدويتش ذلك. أحدهم اتصل بتينيت، قال له: يا جورج أنا عند فلان يقول إن مؤامرتكم في العراق مكشوفة، شكلوا فريقاً من خارج ال «سي آي أي» لديهم security clearance ليعرف ما يجري»، فرد عليه: «ان الوضع تحت السيطرة». بعدما انكشفت المؤامرة بدأت ال «سي آي أي» تتهمني بأنني أنا من كشفها، وكانت هذه إحدى التهم التي أطلقوها ضدي، وثبت كذبها بالوثائق التي اكتشفناها في ملفات المخابرات العراقية عن تسلسل اكتشاف هذه المؤامرة. وهذه قصة تستحق كتاباً، لدينا ثلاثة ملفات حولها تبدأ من العام 1993. بالعودة الى المؤامرة في العراق، كان الدكتور إياد علاوي على اتصال بحركة «الوفاق» العراقية، ومع ضباط كان بينهم رئيس الاركان السابق نزار الخزرجي فمن شارك في إخراجه؟ - الحزب الديموقراطي الكردستاني بطلب من «سي آي أي». أحضروه من الموصل وعبروا به الى كردستان ثم أخذوه الى تركيا. في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عندما كنا في كردستان وصلني خبر من لندن مفاده أن الملك حسين يريد التحدث الي هاتفياً، أحضرنا هاتفاً مشفراً وتحدثت اليه، قال لي إنه يريد التحدث الى الأستاذ جلال والأستاذ مسعود. متى كان ذلك؟ - في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1995. كنت في كردستان، وكان حسين كامل ذهب الى الأردن. كنت التقيت به في ايلول (سبتمبر) في لندن، قال لي (الملك حسين) إنه يريد عقد اجتماع للمعارضة العراقية في عمان يحضره السيد محمد باقر الحكيم والأستاذان مسعود وجلال وأنا. قلت له: طيب تفاهم وإياهم، قال: أريد أن ترتب مكالمات معهم. قلت له إن الاتصال بجلال سهل لأنه موجود في أربيل لكن مسعود موجود في منطقة بارزان وهو في حال قتال مع جماعة أوجلان، «بي كي كي». سألني الملك حسين ما هي «بي كي كي». فقلت لهم انهم «حزب العمال الكردستاني» فقال تعلمت معلومة جديدة، أرسلنا الهاتف الى جلال وكلمه، وكذلك أرسلناه الى الأستاذ مسعود وكلمه أيضاً، وبعدها تحدث مع السيد محمد باقر الحكيم في طهران لكن لم يكتب لهذا الاجتماع أن ينجح، الملك حسين أرسل مدير المخابرات الأردنية مصطفى القيسي الى لندن وطلب الاجتماع بي، كنت عند أخي الدكتور حسن، التقيته في لندن وقال إن الملك حسين يريد أن يحل مشكلته معي وإن ما حصل معي في الأردن مؤامرة علي وعلى الملك، وانه مقتنع بذلك ويريد حلها. قلت له: طيب ولكن عندي شغل. هل كان ذلك في بداية 1996. - نعم وبعد وصولي الى لندن، اتصل بي في الصباح الثاني المرحوم السيد مجيد الخوئي، قال لي: عندي اللواء مصطفى القيسي مدير المخابرات الاردنية يريد لقاءك. ذهبت والتقيته على مدى 11 ساعة تناولنا الفطور والغداء والعشاء. أطول اجتماع ممكن؟ - طويل جداً، قال إنه مكلف إعداد تقرير للملك حسين عن كيفية مساعدة المعارضة، تحدثنا كثيراً. وقال لي إنه قد يتم تغييره وسيأتي صديقي الذي كان وزيراً للخارجية عبدالكريم الكباريتي رئيساً للوزراء، وكانوا يريدون اطلاق العملية من الأردن. كنت أتحدث عن حركة عسكرية شعبية ضد صدام. الملك حسين نفسه، خلال اجتماعي معه في الشهر التاسع في لندن، قال لي: الانقلاب لن يحصل، والمطلوب حركة، هناك جنود عراقيون يلجأون الينا. لو عندنا إمكانات نشكل لواء وأنتم لديكم قوات في كردستان ونتحرك ضد صدام. الملك حسين لم يكن مقتنعاً بأن الانقلاب ممكن. غادر مصطفى القيسي الى عمان وكتب تقريره الى الملك حسين وأرسله الي طالباً التعليق عليه، وكانت لدي تعليقات بسيطة أرسلتها اليه. عندما عاد الملك حسين الى لندن في الشهر الثالث من عام 1996، كان الانقلاب بدأ في بغداد ولم يكن يملك تفاصيل كثيرة عنه، علماً أنه في عمان، واجتمعنا أيضاً بسعدي ومجموعة من المعارضة العراقية في لندن في منزل المرحوم السيد مجيد الخوئي. بعد ذلك، انكشفت المؤامرة، وذهبت الى أميركا وأبلغت دويتش بالقضية التي ذكرت وانكشفت المؤامرة بعد اجتماعي معهم بثلاثة أشهر، في 17/6/1996. وعندنا تقرير المخابرات وهو تقرير موجه من رئيس المخابرات الى صدام يذكر فيه اعتقال المتآمرين. من كان رئيس المخابرات العراقية؟ - أعتقد انه كان طاهر جليل الحبوش. أخذوه الى الأردن قبل أسبوع من الحركة وأعطوه 5 ملايين دولار على أساس أن يزودهم معلومات عن العراق، لكن هذه قصة أخرى. في العام 2003، اتصلوا به وبناجي صبري الحديثي الذي كان وزيراً للخارجية، والنتيجة أن المؤامرة كُشفت، لكن المستغرب أنه بعد أيام على انكشافها لم يكونوا في عمان يعرفون ذلك على رغم الاعتقالات. القصة غريبة، ذلك أن المخابرات العراقية أرسلت عزت محمد عبدالرازق عفيفي الى عمان للحصول على مزيد من الأموال من الشهواني فدفع له بعد الاعتقالات بثلاثة أيام. كان الشهواني في عمان وخلال وجوده ذهب ثلاثة شباب شهداء، أعدموا ومعهم كما اعتقد 39 ضابطاً بينهم 7 من عشيرة السواعد. هؤلاء قضوا شهداء في مقاومة صدام، أحدهم يدعى إياد طعمة صبري الساعدي، كان يدير الحركة في بغداد وكان نشيطاً جداً، والنتيجة اعدام 39 شخصاً في 5/9/1996، بعدما كشفت قضيتهم المكشوفة منذ زمن، وكانوا قد اعتقلوا في 17/6/1996. أخذ الأميركيون الشهواني وأرسلوه الى لندن ثم الى أميركا. الوضع كان مأسوياً. اتصلت به المخابرات وهو في لندن وجعلوا أولاده يتحدثون اليه هاتفياً وقالوا له: الأفضل أن تتعاون معنا أو نعدمهم. كانوا شباباً، وأعدموهم في بغداد. كان اثنان منهم ضابطين احدهما في القوات الخاصة أخذته المخابرات الأميركية الى أميركا وظلت تتعاون معه هناك بعد انكشاف القضية. رتبت له وضعاً خاصاً في أميركا. كانت فكرة الانقلاب لا تزال تراودهم، وفي ربيع عام 2002 نظمت المخابرات زيارة سرية للأستاذين مسعود وجلال الى واشنطن، أخذوهما بالطائرة من فرانكفورت الى مكان خاص ب «سي آي أي» واجتمعوا معهما من دون وجود ممثلين عن الأطراف في الحكومة الأميركية، واتفقوا معهما على إرسال بعثة حكومية اميركية الى كردستان. ومضت ثلاثة اشهر، ولم يرسلوا البعثة، وفي الشهر السابع جاء فريق من «سي آي أي» الى كردستان ومعه كمية من المال، واتصلوا بجماعة صوفية، برئاسة الشيخ محمد عبدالكريم الكثنزاني، هؤلاء من الدراويش ولهم علاقة بعزت الدوري الذي كان يحب الدروشة. مريدو هذه الجماعة من الأكراد ومن مناطق مختلفة في شمال العراق ووسطه بين العرب، خصوصاً في منطقة تكريت والدور. ولمحمد عبدالكريم الكثنزاني ولدان، أحدهما اسمه غاندي والثاني نهرو، هذا الفريق الاميركي اتصل بهما وقالا له إنهما يعرفان ضباطاً في حرس صدام الخاص أحدهم اسمه روكان الرزوقي، وصارا يأتيان لهم بمعلومات فزودوهما بهاتف الثريا، وبطبيعة الحال كان صدام يخترق هذه الشبكة وعلى علم بما يجري. نحن كنا نعرف كل هذه القضايا، ونعرف أن فريق ال «سي آي أي» على اتصال بهؤلاء لكن لا نعرف التفاصيل. كان في ذهن الاميركيين أن لديهم أشخاصاً في الداخل من ضباط صدام، هذه كانت المصيبة الكبرى، وعندما بدأت الحرب في 19 آذار 2003 ليلاً، كنا دعونا الى اجتماع مع خليل زاد في تركيا، أنا لم أكن أريد الذهاب إلا أنهم أصروا علي للذهاب فذهبت. كان هذا ليلة الحرب؟ - وصلنا الى تركيا قبل يومين وكان يفترض أن نعود في صباح 19 آذار. كيف حصلت الحرب؟ التقى جورج تينت مع جورج بوش وقال له إن لديهم معلومات مؤكدة أن صدام موجود في مزرعة في منطقة الدورة في بغداد، لكنه أوضح أن احفاد صدام الى جانبه، فتوقف بوش عند هذه المسألة، وخاف أن يتم القصف والأحفاد هناك ويسقط ضحايا، لكنهم قرروا أن يقصفوا. من أين هذه المعلومات؟ انها من شبكة كردستان، من أولاد الكثنزاني الذي يسمون جماعته في اميركا Rock stars، قرر بوش قصف مزرعة الدورة لقتل صدام، وأرسلوا صواريخ كروز وطائرات «ستيلث»، وكانوا يريدون شن الحرب بعد 48 ساعة، لكن اعتبروا ان هذه الفرصة لا تتكرر وأن القصف ربما ادى الى قتل صدام. كانت لديهم قناعة أن صدام قتل في الغارات لكننا نحن عرفنا أنه لم يقتل، وظهر الصحاف يهزأ بهم وكذلك أحد الوزراء الآخرين في برنامج تلفزيوني بعد ساعة من القصف، بعد أن اعلن الأميركيون أن صدام قتل أو أصيب وانه شوهد منقولاً على حمالة. نحن عرفنا بالأمر ورجعنا الى كردستان وعندما بدأت الحرب كنا هناك. في 19 آذار عدنا الى أنقرة فماردين ومن هناك بالسيارات الى منطقة سيلوب ووصلنا الى دوكان في ذلك اليوم وكان القصف بدأ. هل كان لديك علم بموعد الحرب؟ - لا، إنما كانت القضية واضحة، لأننا أثناء وجودنا في كردستان جاء الأميركيون لإقامة قاعدة في مطار حرير في سهل حرير شمال بلدة شقلاوة وجنوب مضيق سبيلك، وأحضروا طائرات وأجهزة وأتوا الى السليمانية وعملوا إنزالاً فيها. كانت لدينا جماعة في الكويت مع جاي غارنر اول حاكم اميركي للعراق وكنا نعرف بالاستعدادات لكن ليس التوقيت. الأميركيون أنفسهم لم يكونوا يعرفون التوقيت، فقرار الهجوم اطلق عليه Decapitation واتخذه بوش فجأة ليلة 18/19 آذار في واشنطن. هل كانت ايران على علم بالحرب قبل بدايتها؟ - نعم كان الإيرانيون على علم وكانوا يتابعون ذلك. كان أحد القادة الإيرانيين موجوداً في دوكان وكان على اتصال مستمر مع قيادات المعارضة في كردستان، يعني الأستاذ مسعود والأستاذ جلال والسيد عبدالعزيز الحكيم والدكتور عادل عبدالمهدي وأنا كنت موجوداً. من كان ذلك الضابط الإيراني؟ - لن أقول لك. يبدو انه كان ضابطاً كبيراً. - نعم، وكانت هناك بعثة إيرانية، والأميركيون كانوا على علم بذلك. في مؤتمر صلاح الدين كانت تحصل مشاكل، وكان خليل زاد يطلب من آخرين في المعارضة أن يتدخلوا لدى الإيرانيين لحل المشاكل. إذاً إيران كانت تؤيد اسقاط صدام. - نعم، وأعتقد أنه لو عارضت إيران إسقاط صدام لكانت العملية أصعب بكثير. هل ساعدت ايران على اسقاطه؟ - لم ترسل قوات، لكنها سهلت عبور المعارضة ولم تضع عراقيل أمام تعاون قادة المعارضة الإسلامية الموجودين على اراضيها. قوات فيلق بدر كانت دخلت الى كردستان في منطقة ميدان، أي الجزء الجنوبي من إقليم كردستان ما أثار توتراً بين الاميركيين فقصفوا «أنصار الإسلام» في منطقة بياره وطويلة، وبعد القصف هجم «الاتحاد الوطني الكردستاني» على «الانصار» وطردهم، وكان هناك شعور بأن الأميركيين يريدون ضرب الإسلاميين قبل الحرب، خصوصاً أن الضباط الاميركيين كانوا يملحون الى انهم سيضربون «فيلق بدر». أنا اتصلت بقيادة فيلق بدر وتكلمت مع أحد قادتها، وكان السيد عبدالعزيز الحكيم والدكتور عادل عبدالمهدي تركا، قلت له بوجوب الاجتماع مع الاميركيين ورد علي انه متردد لأنه لا يملك تفويضاً فقلت له: على مسؤوليتي يجب أن تجتمع بهم وإلا سيضربونكم. واجتمع بهم وطمأننا الى أن هؤلاء الجماعة ليسوا آتين لضربنا. * غداً حلقة ثانية