الرئيس بوش يقول:"مهما كانت الأخطاء التي ارتكبناها في العراق فإن اسوأ خطأ هو أن نعتقد أننا اذا انسحبنا فالإرهابيون سيتركوننا وشأننا. هم لن يتركونا، بل سيتبعوننا. إن سلامة أميركا تعتمد على نتيجة المعركة في شوارع بغداد". وهو يقول أيضاً:"اسأل تكراراً لماذا نحن في العراق مع أن صدام حسين لم يكن مسؤولاً عن ارهاب 9/11 11/9/2001. والجواب هو أن صدام حسين كان يمثل تهديداً واضحاً. ان العالم آمن لأن صدام حسين لم يعد في السلطة". ما سبق من خطاب آخر للرئيس الأميركي في مناسبة مرور خمس سنوات على الارهاب الفظيع الذي ضرب نيويورك وواشنطن. وأستطيع أن اعلق على كل سطر، وان أدحض حجج الرئيس التي كتبها له مهنيون محترفون، يغطون السموات بالقبوات. ولكن اكتفي بالنموذج الذي بدأت به لأنني بغنى عن وظيفة اخرى هي التعليق على دُرر الرئيس بوش. ادارة بوش لم ترتكب"أخطاء"في الحرب على العراق، وانما تعمدت الكذب لتبرر الغزو، والتقارير الأميركية كلها حتى هذا الاسبوع تظهر ان الاستخبارات الأميركية بلّغت الادارة ان صدام حسين لا علاقة له بالقاعدة، فكتمت المعلومات وأصرّت على وجود علاقة ولا تزال. والفرق بين الخطأ والكذب، أن الانسان يخطئ لأنه خطّاء وخاطئ، أما الكذب فجريمة متعمدة. لو ترك الأميركيون العراق، لما تركهم الارهابيون، وهذا صحيح كما يسجله الرئيس بوش، ولكن مَنْ المسؤول؟ إدارة بوش وقفت موقف العداء من العرب والمسلمين، والتزمت اسرائيل بالكامل حتى وهي ترتكب جرائم حرب واضحة، وتقتل النساء والاطفال من فلسطينيين ولبنانيين، وهي دخلت العراق، وبدل أن تجعله نموذجاً للديموقراطية تركت العراق يدمر ويقتل ابناؤه كل يوم، وهي الآن تهدد سورية وايران. أرجو من القراء أن يصححوا لي أي معلومات خاطئة في الفقرة السابقة، وأن يقسوا عليّ اذا اخطأت، لأنني اكمل بالقول أن ادارة بوش خلقت مناخاً لتفريخ الارهاب، ثم تشكو اذا استهدف الارهابيون الأميركيين الذين وضعتهم الادارة بتصرفاتها الحمقاء في مرمى النار. ما يقول الرئيس بوش، أو ما يريد، هو أن يدمر العراق ويقتل أهله، ثم أن يمتنع الارهابيون عن الرد، أو أن يديروا الخد الايسر، مع أنه يعرف لا بد من أن يعرف هذا على الاقل أنهم ليسوا مسيحيين اذا ضُربوا على خدهم الايمن أداروا الأيسر. الرئيس يقول ان"سلامة الأميركيين تعتمد على نتيجة المعركة في شوارع بغداد"، وهذا ليس صحيحاً لأن المعركة مستمرة طالما استمرت سياسة العداء للعرب والمسلمين، وتأييد الجرائم الاسرائيلية، وفي حين أن هذه النقطة مهمة جداً بحد ذاتها، فإن ما هو أهم منها أن نسأل ما هو ذنب شعب العراق في كل هذا؟ الرئيس بوش وأركان ادارته كلهم اصبحوا يعترفون في وجه معلومات الاستخبارات الأميركية المسرّبة بأن العراق لم تكن له أدنى علاقة بإرهاب 11/9/2001 ومع ذلك فالرئيس الأميركي يقول بمنتهى الصراحة ان من الأفضل أن يُقتل العراقيون في عاصمتهم، وكل مدن العراق، ليضمن الأميركيون أمنهم في مدنهم. ولكن التضحية بشعب العراق، مع ما فيها من ظلم وعنصرية. لا تفيد، لأن الاميركيين سيظلون هدفاً للارهابيين في كل بلد بسبب السياسة الأميركية الامبراطورية. ما سبق من كلام الرئيس هو ما يعادل دقيقة من أصل خطاب استغرق 16 دقيقة، والرئيس يعترف في الدقيقة التي اخترتها باستهداف العراق من دون سبب وببراءة صدام حسين الذي ارتكب كل جريمة اخرى. وأترك للقارئ أن يقدّر مدى صواب الحجج ومدى الانسانية في بقية الخطاب. الرئيس بوش لا يقرأ واذا قرأ لا يفهم، وهناك عصابة اسرائيلية في الادارة وحولها تنشر الكره للولايات المتحدة حول العالم، حتى أن الاوروبيين اصبحوا يعتبرون أميركا خطراً أكبر على السلام من ايران وكوريا الشمالية، لذلك فالحال هو ما نرى اليوم. العصابة بقيادة نائب الرئيس ديك تشيني الذي لم يعد يستطيع أن يقول ان العراق يملك اسلحة دمار شامل وعلاقة مع القاعدة بعدما حسمت تقارير الاستخبارات الأميركية الأمر، لذلك فهو في اليوم السابق لخطاب الرئيس قال في مقابلة تلفزيونية مبرراً الغزو"ان صدام حسين كان يمثل خطراً على المنطقة، وأن الغزو بالتالي كان مصيباً قطعاً". أقسم بأن هذا كان كلامه حرفياً، وما أفهم منه أن الولاياتالمتحدة ارسلت 180 ألف جندي وأنفقت 450 بليون دولار حتى الآن لحماية ايران، وربما البحرين، من صدام حسين. هو قال ان صدام حسين خطر أو تهديد، وتبعه جورج بوش وقال انه كان"تهديداً واضحاً". اعتذر لأن الوضوح فاتني، فنظام صدام حسين كان من دون أسلحة دمار شامل من أي نوع وتحت حصار كامل منذ 1990، فما هو التهديد الذي مثّله؟ هو كان خطراً وتهديداً عندما كان حليفاً للولايات المتحدة، ودونالد رامسفيلد يزوره ويعده بكل دعم سياسي وعسكري في حربه ضد ايران. ما بني على خطأ لا يمكن الا أن يقود الى مزيد من الخطأ والى كارثة، والاخبار الأميركية من العراق هي ان محافظة الأنبار افلتت من تحت نطاق السيطرة، والأخبار من افغانستان أن رجال طالبان عادوا بقوة ويسيطرون على مساحات شاسعة من البلاد. والرئيس بوش لا يقرأ، ويبدو أنه لا يسمع أيضاً، لذلك لا يزال يردد أنه انتصر أو سينتصر.