قبل نحو ثلاثة أشهر، أعلن محرك البحث على الانترنت "غوغل"، شراء شركة "يوتيوب انك" للفيديو عبر الانترنت في مقابل 1.65 بليون دولار في صورة أسهم. لفت الخبر أنظار الاعلام الغربي، لأسباب متعددة، بعضها اقتصادي وبعضها الآخر سياسي واجتماعي وأمني. وترددت أصداء الصفقة في العالم العربي، حيث تدور لعبة "القط والفأر" بين النُظُم السياسية المهتمة بالسيطرة والانضباط، والمنغمسين في عالم الإنترنت والمدونات. وغالباً ما تنتهي تلك اللعبة عربياً، كالحال في مصر، بتطبيق مبدأ"القبضة الحديدية"على من يخرج عن المسموح به للمعارضة، ليدخل في حقل الانتقاد للثوابت السياسية. فبين الحين والآخر، يذاع نبأ القبض على هذا المدون أو ذاك"بسبب أفكاره المثيرة للفتنة"أو"الملتوية"أو"المحرضة"أو أي من هذه الاتهامات التي باتت رتيبة ومضجرة. ومع تزايد استعماله، حمل موقع"يوتيوب"مسألة الحرية الالكترونية الى أفق جديد. إذ انطلق الموقع في شباط فبراير عام 2005، وسرعان ما أصبح أحد أكثر المواقع التي يقصدها جمهور الإنترنت. ولدى اطلاقه، صُنّف هذا الموقع كخدمة ترفيهية إعلامية لمستخدمي الانترنت وللمعلنين. وفي أشهر قليلة، تحوّل إلى موقع يحتوي ما يزيد على مئة مليون مقطع فيديو يومياً ويزوره نحو 72 مليون زائر شهرياً. وأخيراً، وصفت صحيفة"نيويورك تايمز"الموقع بأنه متخصص في نشر الأشرطة التي يصنعها الجمهور. وأوردت أن عدد زواره يبلغ نحو 34 مليون زائر شهرياً. كما يتلقى قرابة 65 ألف شريط فيديو جديد يومياً. ورأت الصحيفة عينها أن الصُنّاع الرئيسيين لتلك الأشرطة هم المراهقون، الذين تتناول أفلامهم تفاصيل صغيرة في الحياة اليومية. وفي المقابل، يصنع هؤلاء أيضاً أشرطة تتناول مسائل خطيرة وجدية. وإذ يرفع موقع"يو تيوب"شعار"بث ذاتك"، فإنه يذيع الأشرطة التي تصنعها جماعات الارهاب، وناشطو حقوق الإنسان والجنود الأميركيون في العراق. وتقدر الصحيفة أن آثار ظاهرة"يوتيوب"سياسياً قد تذهب الى أبعد ما يتخيله كثيرون. إذ توثّق أشرطة الموقع انتهاكات حكومية، وبراهين عن ظاهرة ارتفاع حرارة الأرض، والهجرة غير الشرعية والفساد وغيرها. وتكشف بعض الأشرطة أسراراً حكومية، فيما لا يزيد بعضها الآخر على كونه أفلاماً مزيفة. وخلصت الصحيفة الى القول إن أثر"يوتيوب"ربما فاق ما أحدثته شبكة"سي ان ان"من آثار عند انطلاقتها في أواخر القرن الماضي. فقد أثبتت أحداث مثل كارثة التسونامي والتعذيب في سجن أبو غريب وحوادث التفجير في باصات لندن ومحطات القطار في مدريد، ان غرف الأخبار العالمية تعجز عن منافسة كاميرات هواتف ملايين الأشخاص الرحل. وتسعى حكومات عدّة لفرض رقابة على موقع"يوتيوب". فقد أمر الجيش الأميركي جنوده بالكف عن عرض أعمالهم المصوّرة عبر الشبكة. وحدتّ الحكومة الإيرانية سرعة الاتصال بالانترنت لمنع مواطنيها من الوصول إلى لقطات الفيديو عبر الشبكة. ولكن هذه الإجراءات لم توقف انتشار لقطات فيديو الجنود الأميركيين في العراق، ولم تفلح في منع الإيرانيين من مشاهدة ما يشتهون. الحرية الرقمية على جناح أشرطة الخليوي في مصر، نال موقع"يوتيوب"جانباً غير قليل من اهتمام مجتمع الإنترنت. وفي البداية، لم يثر الأمر قلق الجهات الأمنية ولا انتباهها. وسرعان ما بثت الكاميرات الرقمية المصرية أشرطة الى ذلك الموقع تحمل عناوين مثل"فظائع أو قسوة الشرطة في مصر". وسارت كاميرات الهواتف النقالة على المسار نفسه، فصار الموقع مقصداً لكل من يود التعبير عن نفسه أو بث مشاهد يرغب في إطلاع الآخرين عليها. وقبل أيام قليلة، تدفقت الى الشبكة العنكبوتية، وعبر موقع"يوتيوب"، أشرطة خليوي رقمية لضباط شرطة يعذبون مواطنين داخل أقسام الشرطة. وساهمت الرسائل القصيرة على الهواتف النقالة وحلقات النقاش بين الجماعات الافتراضية على الانترنت، في رفع معدل تداول تلك الاشرطة. وتولّت ألسنة الموالين للنظام شن حملة مضادة وصفت فيها تلك الأشرطة بأنها"أكاذيب"وپ"صور ملفقة"أو"مركبة". ولم تمنع تلك الالفاظ من تحوّل أشرطة الجمهور على موقع"يوتيوب"إلى توثيق ل"جرائم الشرطة". ومن الأمثلة عن تلك الأشرطة التي صنعتها خليويات الجمهور، فيلم سائق الميكروباص عماد الكبير الذي أذيع فيلم"تعذيبه"في أحد أقسام الشرطة. ومالت الجهات الرسمية إلى الإنكار، متذرعة بضروة الانتظار لحين إجراء التحقيقات اللازمة. وملأت الفضيحة صفحات الصحف المستقلة والخاصة ومواقع الإنترنت والمدونات، كما وضعت مصطلح"شرطة كليب"قيد التداول مصرياً. وفي مثال آخر، عرض موقع"يوتيوب"أشرطة مصرية حملت عناوين لافتة مثل"مقدم شرطة يضرب الباعة"وپ"تعذيب متهمة بالقتل في قسم شرطة"وپ"تدريب طلاب كلية الشرطة على مهنة المستقبل"وغيرها من الكليبات التي تحظى بشعبية بالغة لدى جمهور الشبكة العنكبوتية في بلاد النيل. وانتقلت لعبة"القط والفأر"إلى موقع"يوتيوب". فعندما يتعرض أحد الأشرطة المرغوبة للحذف، يتبرع أحد المستخدمين بإعادة تحميله وتشغيله بطريقة أو بأخرى. صحيح أن الأشرطة المعروضة على"يوتيوب"لا يمكن التأكد من صدقيتها، إلا أن المعايشين للأوضاع يميلون إلى تصديق الكثير منها. وحالياً تشهد منتديات الشبكة العنكبوتية نقاشات متشنجة عن مدى صدقية تلك الأشرطة. إذ يميل بعضهم إلى التشكيك فيها، فيما يطالب كثيرون بفتح ملفات التحقيق في ما يحدث في أقسام الشرطة. وفي خضم هذا الصراع، أعلنت وزارة الخارجية المصرية عن مبادرة هدفها التغلب على المشاكل التي تتيح استخدام الإنترنت في مجال الإرهاب. ووصف حقوقيون ومعنيون بالحرية على الشبكة العنكبوتية المبادرة بأنها"محاولة جديدة لتقويض حرية الإنترنت وتحجيم المعارضة". وفي سياق متصل، أصدرت"الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"تقريراً مفصلاً قبل أيام، عنوانه"خصم عنيد: الإنترنت والحكومات العربية". وجاء فيه أن الحكومة المصرية لا تمارس"الحجب الشامل"على شبكة الانترنت، لكن هناك حالات تتعرض فيها مواقع بعينها للحجب، ما وصفته بأنه"إجراء عادي في مصر، يتم بصمت ومن دون إعلان أو إجراءات واضحة". وفي هذا المجال، يُذكر أن وزارة الداخلية أنشأت، في العام 2002، وحدة خاصة أطلق عليها اسم"إدارة مباحث مكافحة جرائم الحاسبات الآلية وشبكة المعلومات الدولية". ويسميها مستخدمو الانترنت في بلاد الكنانة"شرطة الانترنت". وتتولى هذه الوحدة رصد ومتابعة جرائم التطور التكنولوجي وتتبع مرتكبيها من خلال"أحدث وأدق النظم الفنية والتقنية الحديثة". وينقل تقرير"الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"عن مساعد وزير الداخلية ومدير الإدارة العامة للمعلومات والتوثيق اللواء سامى بهنساوي قوله:"بعضهم استغل التقدم العلمي والتكنولوجي استغلالاً سيئاً، وبدأ ارتكاب أفعال ترقى لمستوى الجريمة... وقد ظهرت جرائم الانترنت وأنشأ بعضهم مواقع تسيء لأشخاص آخرين أو تنال من شكل الدولة ومظهرها... هناك مجموعات عمل في الإدارة لمتابعة مشاكل الانترنت يومياً على مدى اليوم لمراقبتها وفحص التعاملات والمعاملات التي تتم من وإلى الخارج، وإذا ما ظهرت أية مخالفات أو أعمال تمثل خروجاً على القانون والشرعية أو تهديد أمن واستقرار الوطن يتم التدخل فوراً بالتنسيق مع الأجهزة النوعية الأخرى".