بعد أيام من افتتاح عيادته في ضيعة نائية جاءته أم ومعها ولدها البالغ من العمر 7 سنوات. الطفل يبكي متألماً وواضعاً يده على عينه اليسرى. عاين الطبيب عين الطفل فوجدها متكدمة، متورمة ولكنها ليست نازفة. ما القصة؟ سأل الطبيب الذي عرف أن أحد المعلمين في المدرسة هو الفاعل. والقصة أن الأستاذ طلب من التلميذ أن يرسم منزلاً وحوله حديقة، فرسم الطفل الحديقة باللون الأحمر، فاغتاظ منه وأفهمه بضرورة تلوين الحديقة باللون الأخضر، فما كان من الطفل إلا أن أجابه: اني رسمت الحديقة باللون الأخضر! ما أثار غضب المعلم فكان ما كان... بعد سماع هذه الحكاية، شرع الطبيب فوراً بفحص نظر الولد، فجمع له أشياء عدة ملونة وطلب منه أن يسمي كل شيء بلونه، وكانت المفاجئة ان الطفل لا يميّز بين اللونين الأحمر والأخضر... فهو مصاب بعمى الألوان، والمسكين لا ذنب له عندما لوّن الحديقة بالأحمر. وعمى الألوان داء وراثي يطال الذكور أكثر من الإناث، ويطلق على هذا الداء اسم"الدالتونية"نسبة الى العالم جون دالتون الذي كان مبتلياً به، وكان عبر عن مصابه في مقال نشره وذكر فيه أنه يعاني مشكلة التمييز بين الألوان. والمعروف أن الإنسان يبصر الأشياء التي ينظر اليها نتيجة وقوع الضوء عليها، ومن ثم انعكاسها في العين لتعبر من البؤبؤ الى الشبكية. فتحوّل الطاقة الضوئية الى إشارات كهربائية يتلقاها المخ عبر العصب البصري، وعندها تقوم الخلايا الدماغية بترجمة ما رآه الإنسان وبالألوان. وتحتوي شبكية العين نوعين من الخلايا: العصيات، وهي مسؤولة عن رؤية اللون الأسود واللون الأبيض وهي تستعمل أكثر ما تستعمل في الظلام، والأقماع، وهي مسؤولة عن رؤية الألوان. إن عمى الألوان ينتج من خلل وراثي يصيب الخلايا البصرية التي تتولى مهمة رؤية الألوان أي الأقماع وبحسب نوع الخلل فإنه يمكن أن نشاهد 3 أنواع من عمى الألوان: 1 - عمى الألوان الكامل، وفيه تغيب الأقماع كلياً من شبكية العين، والمصاب بهذا النوع يرى الحياة كلها بلونين فقط، هما الأسود والأبيض. 2 - عمى الألوان الأحمر - الأخضر، وينتج من غياب الأقماع الحساسة على اللون الأحمر أو الأخضر. ويعد هذا النوع من أكثر أنواع عمى الألوان مشاهدة. 3 - عمى الألوان الأزرق، وهذا ينشأ عن فقدان الخلايا الحساسة للون الأزرق. ينتقل مرض عمى الألوان من طريق الصبغيات الجنسية بصفة وراثية متنحية، ولهذا يشاهد الداء عند الذكور أكثر من الإناث. والأم الحاملة للموروثة قادرة على نقل الداء لأطفالها الذكور فقط. ولا تصاب الإناث الا اذا كان الخلل الوراثي موجوداً عند الأب والأم معاً. لقد ذكرنا سابقاً أن عمى الألوان الأحمر - الأخضر هو الأكثر مشاهدة، وهذا قد يكون بسيطاً أو شديداً، والأول هو الغالب. ويجهل معظم المصابين مرضهم، ولا يدركونه حتى يواجهون مشكلة مع الآخرين، أو عند إجراء اختبار الألوان المعروف باسم فحص"اشيهارا"، نسبة للطبيب الياباني الذي وضعه في العام 1917. وفي هذا الفحص تُعرض لوحات مدهونة ببقع ملونة تتسبح فيها أرقام مكتوبة بشكل بقع ملونة أيضاً. عمى الألوان شائع، وكشفه منذ الصغر مهم جداً، لأن الطفل ينشدّ أكثر الى عالم المرئيات منه على عالم الشكليات. واذا كان الطفل يعاني في رؤية أحد الألوان فإنه سيؤثر في مستقبله الدراسي والمدرسي، ومما لا شك فيه، سيكره دروس الرسم لأنه لن يستطيع، كما أقرانه، تمييز هذا اللون من ذاك، كان الله في عونه.