حدثان واكبا العدوان الإسرائيلي على لبنان. الأول: مشروع"الفيديراليتين"الذي طرحه عبدالعزيز الحكيم في جنوبالعراق ووسطه، وما آثاره من ردود فعل. والحدث الثاني: افتتاح خط انابيب جيهان - تبليسي - باكو بي تي سي الذي يربط بحر قزوين بشرق المتوسط، ولكن السؤال الذي يطرحه المراقبون هو: ما علاقة هذا الحدث بپ"الاشتباك"السياسي القائم بين ايرانوالولاياتالمتحدة الأميركية وحلفائها؟ وهل تهيأت مجموعة الدول الصناعية لحالة حصول حرب اميركية - ايرانية؟ وما هي الخطة التي وضعتها هذه الدول لمواجهة عملية إغلاق مضيق هرمز وقطع إمدادات النفط إليها خصوصاً إذا نفذت ايران تهديداتها في إيقاف كلي لإمداداتها؟ دفعت هذه المخاوف الدول الصناعية الى تخصيص اجتماعها بين 15 وپ17 تموز يوليو الماضي في سان بطرسبورغ في روسيا لمناقشة موضوع"الأمن الطاقوي"، ووضعته في اعلى سلم اولوياتها. صحيح ان واحدة من هذه الدول، وهي روسيا، مصدرة صافية للطاقة، نفطاً وغازاً، وغير معنية بأي قلق مباشر في هذا المجال، لكن عضويتها في المجموعة وعلاقاتها التصديرية جعلتها واحدة من المعنيين، ولو في شكل غير مباشر بالموضوع. وفي محاولة للحد من الهيمنة الروسية على نقل النفط من أراضي الدول التي كانت تدور في الفلك السوفياتي الى أوروبا، دعمت الولاياتالمتحدة الأميركية بشدة خط أنابيب "جيهان - تبليسي - باكو" الذي يربط اذربيجانبتركيا عبر جورجيا لنقل نفط قزوين الى الأسواق العالمية من دون المرور بالأراضي الروسية. المحلل الاستراتيجي الروسي ميشيل تشودفسكي يرى ان قبل يوم من بدء العدوان الإسرائيلي، كان الشركاء والمساهمون الرئيسيون في مشروع انابيب"بي تي سي"، وبينهم بضع رؤساء دول ومديري شركات نفطية، في اجتماع عقد في ميناء جيهان في تركيا، قبل ان يسارعوا الى حفل استقبال فخم في اسطنبول، اقيم بدعوة من الرئيس التركي احمد نجدت سيزر، مقدمة لحفل افتتاح خط الأنابيب. وشارك في الحفل لورد براون مدير شركة النفط البريطانية"بريتيش بيتروليوم"التي تتصدر اتحاد"بي تي سي"، وكبار المسؤولين في بريطانياوالولاياتالمتحدة وإسرائيل، وبينهم وزير الطاقة والبنى التحتية الإسرائيلية بنيامين بن أليعازر. كما شارك فيه عدد من رؤساء وممثلي الشركات المساهمة المهمة مثل"شيفرون"وپ"كونوكو - فيليبس"الأميركيتين وپ"توتال"الفرنسية وپ"إيني"الإيطالية. غير ان هناك مقياساً آخر يربط النفط بالحرب على لبنان، وهو توكيل إسرائيل أداء دور استراتيجي كبير في المنطقة، عبر حماية ممرات النفط والنقل في منطقة البحر المتوسط. يمكن القول ان الولاياتالمتحدة هي المستفيدة الأكبر من خط أنابيب باكو - جيهان، وتركيا التي باتت تملك من خلال ميناء جيهان اكبر منصات تصدير النفط في العالم، وكازاخستان التي انضمت الى المشروع الشهر الماضي، وتعتبر كازاخستان منتجاً كبيراً للنفط في قزوين، ومن المتوقع ان يرتفع إنتاجها الى ثلاثة أمثاله تقريباً ليصل الى 3.5 ملايين برميل يومياً بحلول العام 2015. لكن التحدي الذي يواجهها هو تأمين طرق يعتمد عليها لنقله الى الأسواق الرئيسة، وكان ماضي كازاخستان السوفياتي وعدم إطلالها على أي منافذ مائية، جعلها تعتمد على روسيا في طرق التصدير، مما دفع الحكومة للبحث عن بدائل. وتبقى إسرائيل التي تريد مد خط الأنابيب الذي ينقل النفط والغاز من اذربيجان الى تركيا حتى يصل الى إسرائيل، وتطمح"اسرائيل"الى نقل النفط والغاز الأذربيجاني من ميناء جيهان الى إسرائيل، عبر خط أنابيب عسقلان، ايلات الإسرائيلي البالغ طوله 254 كلم ومنها الى أسواق كبيرة مثل الصين والهند. فالجزء غير المرئي من المشروع، هو ان هذا النفط المنقول من بحر قزوين، سيتم تحويله مباشرة الى إسرائيل، ومن اجل ذلك، تم تصور مشروع انابيب إسرائيلية - تركية تمر عبر مياه البحر المتوسط لتربط مرفأ جيهان التركي بمرفأ عسقلان في فلسطينالمحتلة، ومن هناك عبر نظام الأنابيب الإسرائيلية الرئيس، وصولاً الى البحر الأحمر. والهدف من ذلك، ليس فقط منح إسرائيل حاجتها من الاستهلاك النفطي من بحر قزوين، بل ايضاً تحويل إسرائيل الى المفتاح الرئيس لإعادة تصدير نفط بحر قزوين الى الأسواق الآسيوية عبر مرفأ ايلات في البحر الأحمر. ومن المتصور ان يتم ربط انابيب"بي تي سي"بتلك التي تربط عسقلان بإيلات. ويعمل هذا المخطط على إضعاف دور روسيا في آسيا الوسطى، وعزل كل من الصين وإيران عن مصادر النفط فيها. يظهر ذلك اكثر في واقعة إعلان تركيا وإسرائيل، عشية قصف لبنان، عن مشاريع أنابيب نفط تمر عبر مياه البحر وعلى رغم ان هذه المشاريع لا تمس السيادة اللبنانية او السورية، إلا ان ممرات أرضية تمر عبر لبنان وسورية. ظلت تصوراً بديلاً يتطلب سيطرة إسرائيلية - تركية على الخط الساحلي لغرب المتوسط، وهذا الأمر الذي يتعارض مع مشروع الأنابيب المائية، سيقتضي عسكرة الخط الساحلي لشرق المتوسط امتداداً من مرفأ جيهان مروراً بسورية ولبنان وصولاً الى الحدود اللبنانية - الإسرائيلية. هل يكفي هذا المخطط للقول إنه يشكل واحداً من الأهداف المخفية وراء الحرب على لبنان، الذي يتمثل بفتح المجال أمام إسرائيل للسيطرة على أرض واسعة تمتد من الحدود اللبنانية مروراً بسورية الى تركيا. في هذه الأثناء، ردت روسيا على المخطط الأميركي - التركي - الاسرائيلي لعسكرة الخط الساحلي لشرق المتوسط، عبر مخطط تأسيس قاعدة بحرية في مرفأ طرطوس، يعززها نظام دفاع جوي. كما اتفقت مع سورية على مشروع تعاون عسكري يشمل تحديث أنظمة الدفاع الجوي والبحري والبري. والحقيقة أن هناك أهدافاً استراتيجية تكمن وراء مقولة"الحرب الطويلة"التي أعلن عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي"ايهود أولمرت، في الوقت الذي سرعت الولاياتالمتحدة شحن الأسلحة الى اسرائيل. هذه الأهداف بدورها ترتبط بالنفط وأنابيب النفط، حيث لا يمكن فصل الحملة الجوية على لبنان عن الأهداف الأميركية - الاسرائيلية الاستراتيجية في الشرق الأوسط الأوسع، بما في ذلك سورية وإيران. وهو ما يظهر بوضوح في تصاريح وسياسات الولاياتالمتحدة، والتي كان آخرها تصريح وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس لصحيفة"دايلي تلغراف"في 22 تموز يوليو الماضي، بأن الغاية الرئيسية من مهمتها في الشرق الأوسط ليست في الدفع من أجل وقف إطلاق النار في لبنان، بل في عزل سورية وإيران. ويعتقد الخبراء بأن مشروع الخط الذي كلف أربعة بلايين دولار، لحمل نفط بحر قزوين الى البحر المتوسط في إطار معبر للطاقة، يمثل أهمية كبيرة للمصالح الاستراتيجية للغرب وتركيا: إذ هذا المشروع الذي يحظى بتأييد أميركي ويتخطى روسيا، أحد أكبر منتجي النفط في العالم. يهدف كذلك الى الحد من اعتماد الغرب على النفط من الشرق الأوسط، كما يتخطى المشروع اختناقات الشحن في المضايق في غرب تركيا، حيث تتعطل شحنات الخام في الشتاء لأسابيع، بسبب الأحوال الجوية والتكدس، وترى تركيا أن خط الأنابيب الجديد سيؤدي الى خفض عدد ناقلات النفط في المضائق التركية التي تكاد تصل الى طاقتها القصوى. وقد نجحت الولاياتالمتحدة بتوجهها بعدما أبدت اهتماماً متنامياً حيال كازاخستان وقيرغيزيا وطاجكستان وأوزبكستان وجمهوريات آسيا الوسطى، التي كانت تدخل في عداد الاتحاد السوفياتي السابق قبيل انهياره في العام 1991، من أجل الوصول الى حقول النفط والغاز في تلك المنطقة التي تملك ثالث أكبر احتياط نفطي في العالم، ويقول المعلق في وكالة نوفوستي الروسية بوريس بتروف"إن الولاياتالمتحدة إذ تسعى الى فرض سيطرتها على حقول النفط والغاز في آسيا الوسطى، فإنها ترمي الى الحصول على إمكانات، اقتصادية ضخمة، تمكنها في ما بعد من التأثير بشكل قوي في الوضع الجيوبوليتيكي، ليس في تلك المنطقة فقط، وإنما على كامل مساحة آسيا في شكل عام. ويرى بتروف ان ممارسات الولاياتالمتحدة في آسيا الوسطى لا يمليها السعي الى القضاء نهائياً على الأصوليين الأفغانيين إنما المقصود إنشاء بنية تحتية في مجالي النقل والطاقة مرتبطة بالثروات الطبيعية للمنطقة. وإضافة الى أهميتها التجارية، يتمتع الخط الذي لا يتجنب الأراضي الروسية فحسب، انما الأراضي الإيرانية أيضاً، بأهمية جيواستراتيجية، اذ هو سيفقد روسيا نقطة قوة كانت تملكها من خلال سيطرتها على نفط بحر قزوين، كما يضعف موقف ايران في حال قرر المجتمع الدولي عزل الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تعتبر من أكبر منتجي النفط في العالم، وكانت الولاياتالمتحدة استعملت الى حد بعيد ما يعرف بديبلوماسية الأروقة"التي تستعملها للضغط على المشاركين باستثناء ايران من المشروع، علماً ان اشراك طهران كان ليقصر مسافة خط الأنابيب، وفي الوقت ذاته دعمت المشروع مالياً وفنياً وسياسياً للحد من النفوذ الروسي، وتثبيت اقدامها في المنطقة التي دخلت اليها بداعي مكافحة الارهاب الدولي في أفغانستان عقب اعتداءات 11 أيلول سبتمبر. هذه العوامل الخطيرة هي التي دفعت طهران الى اعتبار النفط وليس روسيا أو الصين، الحليف الرئيسي لإيران في أزمتها النووية الحالية، ففي مقدورها وبكل سهولة رفع أسعار النفط العالمي، وها هي شرعت في ذلك بالفعل، بقصد احداث هزة عامة في الغرب. ومع تصاعد الأزمة واشتداد توترها، تتصاعد معها ترمومترات قلق شركاء واشنطن على إمداداتهم ووارداتهم النفطية. وعليه فليس مستبعداً ان تنجح ايران بورقة النفط وحدها، في كسر شوكة الديبلوماسية الغربية، وإن كان هناك من يشكك في صحة هذا التحليل، فله ان ينظر بعينيه الى ما يجرى الآن: فقد أطلقت طهران بالوناً مفرقعاً منذ ايام بتدشينها مصنعاً لإنتاج المياه الثقيلة مما يثبت قدرتها على المناورة والمبادرة في ما يتعلق بملفها النووي، موجهة رسالة قوية الى الغرب في انتظار ما سيلي مهلة وفق التخصيب التي يمنحها اياها الغرب في كل مرة. كاتب سوري