} من تحت أنقاض مانهاتن المنكوبة بدأت ترتسم معالم سيناريو أميركي لإعادة صوغ التوازنات الاستراتيجية في العالم وتحديداً في مناطق آسيا الوسطى التي تفصل بين الصين شرقاً وأوروبا غرباً. وبعد اليوم التالي لضربة 11 أيلول سبتمبر أطلقت واشنطن شعار "أفغانستان أولاً" وتحدثت عن لائحة تطاول عشرات الدول ترى ادارة البيت الأبيض انها تؤوي أو تساعد أو تحتضن منظمات عملت سابقاً في "الارهاب" ولا بد من محاصرتها سياسياً وتجفيف مصادر دخلها المالي. وتشمل لعبة "الأكورديون" الكثير من الدول بدءاً من أفغانستان وجوارها الجنوبي باكستان امتداداً الى الغرب والشمال دول آسيا الوسطى وخصوصاً دول حوض بحر قزوين نزولاً الى العراق ومنه بالتتابع الى فلسطين. وتقوم نظرية "الأكورديون" على مبدأ الضغط، ثم التفاوض الترهيب والترغيب وعلى فكرة تقديم صفقة واحدة متكاملة تعرض خلالها الحلول المشتركة لتشمل كل الدول الواقعة بين أفغانستان وفلسطين. ويذكر ان استراتيجية ادارة بوش الابن تختلف عن سلفه بيل كلينتون. فالأخير اعتمد استراتيجية تفكيك القضايا الساخنة وعزلها بعضها بعض وتركيز الانتباه على نقطة واحدة والانتقال بعدها الى أخرى، بينما تميل الادارة الجديدة الى ربط القضايا الساخنة ببعضها وحلها دفعة واحدة وفق تصور كوني للتوازنات الدولية يبدأ من رفع التنافس على الأرض الى مستوى "درع الصواريخ" وينتهي بإلغاء المعاهدات الموقعة سابقاً مع الاتحاد السوفياتي واستبدالها بمنظومات اقليمية تحجِّم روسيا وتضعها في دائرة صغرى لا تستطيع من خلالها الخروج من عزلتها الحالية الى فضاء سياسي أرحب. وحين أعلن بوش الابن عن استراتيجيته المذكورة لاقت خطواته اعتراضات روسية وصينية وأوروبية وآسيوية اضافة الى ملاحظات نقدية تقدم بها خصمه الداخلي الحزب الديموقراطي مدعوماً باتجاهات معتدلة في البيت الأبيض وغيره من هيئات ومؤسسات اميركية ترى في تلك السياسة مغامرة كبرى قد تدفع واشنطن الى الانزلاق الى عالم مجهول فيه الكثير من العقبات والصعوبات. ولم تقتصر الاعتراضات على مشروع درع الصواريخ حرب النجوم والغاء المعاهدات القديمة مع الاتحاد السوفياتي المتعلقة بالحد من الصواريخ النووية، بل شملت الاعتراضات، الى الجانب الدولي، مختلف الملفات الاقليمية ودور الولاياتالمتحدة المقبل في البلقان ودول آسيا الوسطى الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفياتي السابق. وأبرز تلك الملفات تركزت على النقاط الآتية: أولاً، سباق التسلح النووي في جنوب غربي آسيا الهند، باكستان، وايران. ثانياً، تطوير منظومة الدفاع الصاروخي واحتمال استخدامها في حروب اقليمية كبرى في المنطقة برامج الصواريخ الهندية والباكستانية والايرانية. ثالثاً، التعاون العسكري الروسي - الايراني وتبادل التقنيات بالمال واحتمال تطوره الى مرحلة أعلى في ظل برنامج الدرع الصاروخي. الى هذه النقاط الساخنة وما تجره تلك الملفات من توتر اقليمي ظهرت قضية ساخنة أثارت جدلاً بين دول منطقة آسيا الوسطى وتحديداً تلك الواقعة على بحر قزوين. إذ أسفرت التنقيبات عن وجود احتياطات استراتيجية ضخمة من النفط والغاز فاقت كل التصورات. فقزوين بحيرة من النفط والغاز. وأظهرت الاكتشافات وجود ثروات هائلة ستغير معالم المنطقة في حال أحسن استثمارها من جانب الدول الخمس الواقعة على بحر قزوين وهي: روسيا، ايران، كازاخستان، تركمانستان، وأذربيجان. وأثارت العينات المستخرجة من البحر شهية شركات النفط فاندفعت الدول الكبرى المالكة الى المنطقة للتنافس على مصادر الطاقة التي يتوقع البدء في استثمارها في العام 2004، في وقت اندفعت الدول الخمس لفرض نفوذها على أكبر نسبة من مياه البحر. لم تكن الولاياتالمتحدة بعيدة من دائرة التنافس في آسيا الوسطى وحوض بحر قزوين. فهي، منذ عهد كلينتون، تراقب تطور الأوضاع وتتحين الفرص للدخول على خط الصراع لعزل الصين عن الدائرة، والحد من استفادة روسيا من الثروة، واثارة الخلافات بين الدول الخمس بغية تبرير وجودها العسكري من خلال صلتها بتركيا عبر الحلف الأطلسي الناتو وتأثير أنقرة في أذربيجان. وحين جاء بوش الابن الى ادارة البيت الأبيض اتضحت صورة الموقف الاميركي اكثر من السابق واتخذت التحركات السياسية ابعاداً استراتيجية اقليمية تمثلت في الضغط على تركيا لاقناع باكو باقامة قاعدة عسكرية في أذربيجان للوصول الى بحر قزوين، الأمر الذي أثار مخاوف ايران لوجود خطة تعزلها وتمنعها من الشراكة في التنقيب والانتاج مضافاً اليها مخاوف روسية من ان تنقل اميركا قواتها الى حدودها الجنوبية للضغط عليها من خلال دول آسيا الوسطى. إذاً، كانت كل المواد الأولية القابلة للاحتراق متوافرة على طول خطوط خط الحرير القديم... وكان الكل يتخوف من إقدام "جهة ما" على اشعال "عود الثقاب" فيعطي المبررات الكافية للتدخل بذرائع مختلفة. وجاءت ضربة 11 أيلول سبتمبر في نيويورك وواشنطن وهي أكثر من كافية لتبرير كل السيناريو الأكورديون الموضوع لمختلف دول المنطقة. فالولاياتالمتحدة الآن مستفيدة من التعاطف الدولي وتوحد الموقف الاميركي الحزبي والشعبي والاداري في وضع يسمح لها بإعادة رسم خريطة آسيا الوسطى وتحويل خط الحرير من طريق اتصالات ومواصلات التجارة القديمة الى حد فاصل بين الشمال والجنوب والشرق والغرب. فما يحصل الآن في آسيا الوسطى وجوارها أكبر من أفغانستان، وابن لادن. فالبطة السمينة ليست في تضاريس جبال الأفغان، بل هي هناك في بحر قزوين. كيف تداعت الحوادث وصولاً الى اللحظة الراهنة، وما هي أبرز المحطات التي أوصلت منطقة آسيا الوسطى الى حافة الهاوية؟ هنا بعض يوميات لعلها تلقي الضوء على خفايا الصراعات الدولية الكبرى. في 8/1/1998 إيران تبدأ التنقيب عن النفط والغاز في بحر قزوين ويقدّر احتياطه بنحو 15،5 بليون برميل من النفط ونحو 8،3 تريليون متر مكعب من الغاز. * وفي 12/5/1998 عقدت قمة كازاخستان وهي الخامسة لمنظمة التعاون الاقتصادي وتضم الجمهوريات الآسيوية السوفياتية سابقاً، اضافة الى إيران وتركيا وأفغانستان وباكستان . واتفق رؤساء الدول على تأسيس بنك للتجارة والتنمية وتطوير شبكة للمواصلات طرق للسيارات، وسكة حديد، وخطوط جوية تذكّر بطريق الحرير الذي يربط الصين شرقاً بأوروبا غرباً. وتبلغ نسبة مساهمة المنظمة في التجارة العالمية 4،1 في المئة، ويرجح ان ترتفع النسبة بعد استثمار ثروات بحر قزوين. ويذكر ان عدد سكان دول المنظمة الآسيوية يقارب 300 مليون نسمة، وتشترك خمس دول منها في ملكية بحر قزوين وهي: كازاخستان وإيران وتركمانستان وأذربيجان، اضافة الى روسيا. * وفي 5/6/1998 دخلت أذربيجان مع ايران في مفاوضات حاسمة بشأن نفط قزوين وتصديره عبر انابيب تمر في ايران ويمكنها نقل 6،1 مليون برميل يومياً من ميناء نيقا قزوين الى مصاف في طهران وتبريز. ويذكر ان اكثر من 120 شركة نفط تنافست لمدّ خط الأنابيب. وتشكل كونسورتيوم للتنقيب ضم شركات بريطانية وأوروبية شمالية. * وفي 6/7/1998 وقّعت روسيا وكازاخستان على اتفاق لتقاسم الاحتياط النفطي في شمال بحر قزوين، وهو أمر أزعج ايران وتركمانستان وأرضى أذربيجان. ويذكر ان تركمانستان في نهاية 1997 دشّنت خط انابيب ينقل الغاز التركماني من كوربيجي تركمانستان الى كورد-كوي شمال شرقي ايران بكلفة 195 مليون دولار. ويقدر الاحتياط النفطي في قزوين بين 13 و15 بليون طن وهو الثالث في العالم بعد سيبيريا ودول الخليج. * وفي 7/7/1998 اتفقت ثلاث دول كازاخستان، أذربيجان، تركمانستان على تقسيم بحر قزوين الى قطاعات قومية واعترضت ايرانوروسيا على الأمر وطالبت بأن تتقاسم الدول الخمس كلها موارد البحر. إلا ان روسيا تراجعت عن موقفها وتفاهمت مع كازاخستان على تقسيم الجزء الشمالي من قزوين الى قطاعين مستقلين: روسي وكازاخي. * وردّت ايران في 3/8/1998 على التفاهمات الثنائية بفتح محادثات مع شركات بريطانية وفرنسية وإيطالية للتنقيب عن النفط والغاز في الجزء الإيراني من قزوين لمدة تستغرق 18 شهراً. * وفي تشرين الثاني نوفمبر 1998 عقدت تركمانستان وأذربيجان قمة لتسوية النزاع في شأن تقسيم حقول النفط والغاز في بحر قزوين. ووجهت الدعوة الى وزير الطاقة الاميركي بيل ريتشاردسون وكبار مسؤولي شركات النفط لحضور لقاء تركمانباشي ميناء في غرب تركمانستان. * وفي 16/2/1999، أعلنت أذربيجان انها ستطلب الانضمام الى الحلف الاطلسي الناتو او السماح بإقامة قاعدة أطلسية اميركية او تركية في أراضيها، ما يعني عملياً امتداد الحلف الى بحر قزوين وبالتالي اعادة رسم الخريطة السياسية والتوازنات الاستراتيجية في المناطق المحيطة بالبحر من القوقاز الى الشرق الاوسط. اعلان أذربيجان عن عزمها اقامة قاعدة للحلف الاطلسي اثار مخاوف روسيا التي ردّت بتزويد حليفتها أرمينيا أسلحة حديثة وطوّرت برنامج تحديث السلاح الإيراني الصاروخي والنووي. وازدادت مخاوف روسيا من بدء خسارة مواقعها في آسيا الوسطى حين جددت أذربيجان رغبتها في الانضمام الى الحلف الاطلسي ورفضت اوزبكستان تمديد عضويتها في "اسرة الدول المستقلة" التابعة للهيمنة الروسية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. * وفي 20/2/1999 أعلنت ايران عدم قبولها الاتفاق الذي وقّعته تركمانستان مع كونسورتيوم للإشراف على مشروع بناء خط انابيب بتكلفة 2،5 بليون دولار لنقل الغاز الطبيعي عبر بحر قزوين في اتجاه اوروبا وتركيا وذكرت انه يخالف المبادئ التي اعلنتها الدول المطلّة على بحر قزوين. ويذكر ان الولاياتالمتحدة عارضت بناء خط انابيب يمر عبر ايران وأيّدت خيارات اخرى مثل انشاء خط انابيب اطول يمتد من باكو عاصمة اذربيجان الى جيهان على ساحل البحر المتوسط في تركيا. * وفي 14/8/1999 باشرت كازاخستان التنقيب عن النفط والغاز في بحر قزوين بإشراف كونسورتيوم يضم شركات إيطالية وبريطانية ونروجية وأميركية وهولندية وفرنسية وبلجيكية. وتوقعت المصادر ان تظهر النتائج الأولية للحفر خلال اربعة او خمسة اشهر. وجاء الاعلان عن بدء التنقيب بعد اعلان كازاخستان عن توقيع اتفاق مع روسيا لترسيم حدود الدولتين في شمال بحر قزوين. * وفي 25/1/2000 اتفقت أذربيجان وجورجيا على مشروع مدّ خط الأنابيب لنقل النفط من بحر قزوين الى ميناء جيهان التركي. * وفي 23/3/2000 اعلنت كبرى شركات النفط الروسية لوك اويل انها أنهت حفر اول بئر في اطار عمليات التنقيب في شمال بحر قزوين. وقال بيان الشركة ان الاكتشاف يكتسب اهمية كبرى اقتصادية وجيو - سياسية. وأظهرت تقديرات الشركة وجود احتياط يمكن ان يبلغ 300 مليون طن 3،2 بليون برميل. وتوقعت الشركة ان يبلغ الحد الاقصى للانتاج السنوي 15 مليون طن في السنة الثامنة من تحقيق المشروع الذي يغطي مساحة 8500 كلم مربع تشمل 220 بئراً. ويذكر ان شركة "لوك اويل" وقّعت على حق استغلال النفط في كانون الاول ديسمبر 1997. * وفي 21/4/2000، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى تحرك في حوض بحر قزوين لمواجهة النشاط المتزايد للولايات المتحدة ودول اخرى في هذه المنطقة. وجاءت الدعوة في اجتماع لمجلس الأمن القومي الروسي الذي وافق على "العقيدة العسكرية" لبوتين وطالب بتصحيح الاوضاع لمنع تحويل بحر قزوين الى منطقة نزاعات اخرى. * وفي 1/6/2000 أعلنت واشنطن رفضها التعاون مع ايران في المجال النفطي وجددت دعمها لمشروع خط أنابيب باكو-جيهان من قزوين الى تركيا المقرر ان يبدأ تشغيله في عام 2004. وردّت طهران بأنها ستبدأ حفر آبار في بحر قزوين خلال شهور بالتعاون مع روسيا وأربع جمهوريات آسيوية. * وفي 19/10/2000 تفاهمت أذربيجان وجورجيا وتركيا على توقيع خط باكو - تبليسي - جيهان، بإشراف الولاياتالمتحدة وبريطانيا والنروج واليابان وسط مخاوف روسية وانزعاج موسكو من احتمال عزلها عن الاستثمارات النفطية في المنطقة. * وفي 28/11/2000 حذّرت ايران من اخطار الوجود العسكري الاميركي - الاسرائيلي في بحر قزوين، ودعا وزير دفاعها علي شمخاني الى تطوير شبكة صواريخ من طراز أرض - بحر. ويذكر ان البرنامج الصاروخي الايراني تطور في السنوات العشر الاخيرة وأثار مخاوف اسرائيلية، مدعومة بتصريحات اميركية، من امكان تعديل طهران موازين القوى العسكرية في المنطقة. وكانت ايران اعلنت مراراً عن اجراء تجارب ناجحة لمنظومة صواريخ ارض - ارض مجموعة "شهاب" 1 و2 و3 و4 بعيدة المدى تطاول بعض المدن والمستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة. * وفي 23/7/2001 حذرت وزارة النفط الايرانية شركات النفط الأجنبية من العمل مع دول أخرى في مناطق من بحر قزوين، واستدعت طهران القائم بأعمال اذربيجان للاحتجاج على خطط باكو للتنقيب عن النفط. وجاء التحذير بعد مباشرة شركة البترول البريطانية نشاطها في المياه المتنازع عليها. * وفي 3/8/2001 اتهمت اذربيجانايران باختراق مجالها الجوي وذكرت باكو ان طائرة ايرانية حلقت فوق مياهها الاقليمية. وجاء الاتهام على خلفية قيام قطعة من الاسطول الحربي الايراني بارغام سفينتين اذربيجانيتين استأجرتهما شركة النفط البريطانية على وقف اعمالهما في 23 تموز يوليو الماضي. وزاد اكتشاف النفط في قزوين بكميات ضخمة تتراوح بين 200 بليون برميل و600 بليون متر مكعب من الغاز من توتر الدول المطلة على البحر ودفع ببعضها الى عقد اتفاقات ثنائية رفضتها ايران. * وفي 5/8/2001 أعلن الرئيس الأذري حيدر علييف عن اجتماع رباعي سيعقد في الخريف المقبل لدرس تقسيم ثروات قزوين برعاية روسيا ومن دون مشاركة ايرانية. وأكد علييف ان اذربيجان وتركمانستان وكازاخستان تملك تصوراً مشتركاً بموافقة روسية لتقاسم ثروات البحر. وجاء اعلان علييف بعد كلام صدر قبل اسبوع عن الرئيس الروسي بوتين هدد باللجوء الى القوة لتسوية مسألة تقاسم الموارد النفطية، منتقداً الموقف الايراني الذي يصر على تنفيذ اتفاقات موقعة في العامين 1921 و1940 مع الاتحاد السوفياتي في وقت ترى الدول المستقلة عن الاتحاد السابق انها تلتزم اتفاق 1970 الذي يوزع الحصص لا بالتساوي وإنما كل بحسب مساحته المطلة على البحر. ويذكر ان طهران تطالب بحصة 20 في المئة بينما تعرض اذربيجان نسبة 14 في المئة فقط. * وفي 8/8/2001 طلبت طهران من موسكو توضيحات في شأن تصريحات منقولة عن الرئيس الروسي بوتين وموافقته على قمة رباعية للدول المطلة على بحرقزوين تستثنى منها ايران. وكان الرئيس الأذري أشار في تصريح عنيف الى ان رابطة الدول المستقلة ستتولى حماية حدودها الخارجية بجهود مشتركة. * وفي 24/8/2001 أعلن ان الدول الخمس المطلة على قزوين باشرت مشاورات ثنائية استعداداً للقمة التي تقرر عقدها في العاصمة التركمانستانية عشق آباد في تشرين الأول اكتوبر المقبل تحضرها روسياواذربيجانوايران وتركمانستان وكازاخستان. وجاء الاعلان في وقت بدأ حوض قزوين يشهد تنافسات ثنائية وتحالفات. فموسكو نسقت مواقفها مع كازاخستان، وايران تفاهمت مع تركمانستان، وتركيا دعمت اذربيجان. واستغلت واشنطن الفوضى فأعلنت دعمها لموقف اذربيجان في خلافها الحدودي مع ايران، بينما اتهمت باكو طهرانوموسكو بتأخير عمليات التنقيب بذريعة انها قد تجر الى تدخل اجنبي في المنطقة. وجاء الموقف الاميركي على خلفية ارسال ايران سفنها الحربية في 23 تموز لوقف أعمال التنقيب. * وفي 29/8/2001، توقعت مصادر روسية الا تتوصل الدول الخمس الى اتفاق مشترك حول وضع قزوين في قمة عشق آباد بسبب تضارب المصالح الاقتصادية وتدخل تركيا والولاياتالمتحدة لمصلحة اذربيجان، وهو أمر أثار مخاوف موسكووطهران من تدويل الأزمة. وترافق الأمر مع دخول اسرائيل على خط الأزمة حين قرر رئيس الحكومة آرييل شارون تأجيل زيارته لموسكو، من دون التشاور معها، كانت مقررة في 3 أيلول سبتمبر بذريعة تفاقم الوضع في المنطقة. * وفي 30/8/2001، أعلنت ايران انها كثفت اتصالاتها الديبلوماسية مع موسكو لاحتواء الأزمة مع باكو، في وقت اتفقت طهران مع الكرملين على ضرورة معارضة التدخل الاميركي - التركي الداعم لأذربيجان خوفاً من تدويل أزمة قزوين. وعلى خلفية التفاهم الروسي - الايراني التقى المبعوث الروسي فيكتور كاليوجني مع وزير الخارجية كمال خرازي لتنسيق المواقف ومعارضة وجود أي قوات أجنبية في البحر حتى يبقى واحة سلام وصداقة. وجاء التحذير بعد أن مارست واشنطن ضغوطها، فتم تأجيل قمة رؤساء الدول الخمس المطلة على بحر قزوين التي كان مقرراً عقدها، والاستعاضة عنها مبدئياً باجتماع لوزراء خارجية الدول الخمس في عاصمة كازاخستان استانة في 20 أيلول سبتمبر تمهيداً للقمة المنتظرة في العاصمة التركمانية الخريف المقبل. ويذكر ان الطرف الروسي حاول تخفيف حدة التوتر الايراني - الأذري حتى لا يشكل الخلاف ذريعة لتدخل الولاياتالمتحدة في المنطقة، فأقنعت موسكو الرئيس الأذري بالقيام بزيارة الى طهران حدد موعدها في 17 الجاري. * وفي 31/8/2001 ذكرت مصادر الكرملين ان موسكو تنتظر زيارة وزير الدفاع الايراني علي شمخاني لتطوير التعاون العسكري وتوقيع اتفاقات تشتري بموجبها طهران اسلحة تصل قيمتها الى 1،5 بليون دولار في خمس سنوات. وسيتولى الروس تحديث الأسلحة الايرانية، اضافة الى تزويدها صواريخ مضادة للصواريخ س 300، متقدمة على منظومة باتريوت الاميركية، الى صواريخ مضادة للسفن من طراز بوسكيت وباخونت. * وفي 3/9/2001، أعلنت ايران تأجيل زيارة وزير دفاعها لتزامنها مع وجود رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون في موسكو. وكان شارون أجل زيارته ثم عاد وتراجع عن التأجيل، الأمر الذي أحرج طهران فطلبت من روسيا تعديل موعد الزيارتين فاعتذر الكرملين واضطر شمخاني الى تأجيل زيارته الى موعد لاحق. وعلى الفور سارعت موسكو الى احتواء الأزمة، مؤكدة ان الرئيس الروسي سيزور طهران مطلع السنة المقبلة تلبية لدعوة الرئيس الايراني محمد خاتمي لتجديد البحث في تعزيز التعاون الاقليمي والحد من التدخل الاميركي في قزوين وآسيا الوسطى. وأبدت طهران انزعاجها من توقيت زيارة شارون واحتمال تأثيرها في التعاون العسكري مع موسكو. * وفي 4/9/2001 شددت موسكو على تطوير تعاونها مع اسرائيل في مجالات التكنولوجيا والزراعة المتقدمة والصناعة، ولكنها لم تستجب طلبات شارون المتعلقة بوقف بيع الأسلحة لبغداد وطهران. إلا أن زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي تركت آثارها السلبية على ايران وخصوصاً بعد تأجيل زيارة وزير دفاعها الى روسيا وانتقاد سفير موسكو في طهران خطوة شمخاني التي عطلت، كما قال، احتمال توقيع اتفاق عسكري ثنائي. * وفي 6/9/2001 استغل شارون فرصة وجوده في موسكو فأطلق تصريحات، قبل مغادرته العاصمة الروسية، دعا فيها الى استبدال القيادة الفلسطينية وممارسة المزيد من الضغوط لوقف الانتفاضة. * وفي 7/9/2001 ردت موسكو على كلام شارون مؤكدة التزامها تأييد الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، مشيرة الى رفض بطريرك الكنيسة الارثوذكسية ألكسي الثاني لقاء شارون بسبب انتهاكه المقدسات الدينية في القدس، وصعوبة الحديث عن السلام مع وجوده على رأس السلطة الاسرائيلية. وتزامن الكلام الروسي مع تصريحات لرئيس الحكومة الاسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو اتهم فيها ايران بالتوصل الى تطوير سلاحها النووي، مشيراً الى فشل تل ابيب في اقناع موسكو بوقف نقل التكنولوجيا النووية الى طهران. * وفي 8/9/2001 جددت طهران رفضها اي تدخل اجنبي في قزوين منتقدة محاولات واشنطن لعزلها عن دول حوض البحر. واحتجت ايران على مشاركة طائرات تركية من طراز أف 16 في عرض عسكري جرى في باكو في نهاية آب اغسطس الماضي. إلا أن الرئيس الايراني محمد خاتمي أبدى ارتياحه لتحسن العلاقات مع أذربيجان، متوقعاً نتائج ايجابية لزيارة الرئيس الأذري حيدر علييف في 17 أيلول سبتمبر. * وفي 10/9/2001 أطلقت ايران تصريحات في شأن الخلاف على قزوين، وقبل اسبوع من زيارة الرئيس الأذري، ذكّرت فيها بمطالبها في البحر وحقها في امتلاك نسبة 50 في المئة من مياهه. إلا أنها أكدت قبولها نسبة 20 في المئة كبادرة حسن نية لتعزيز التعاون بين دول المنطقة الخمس التي تتنافس على ثروات قزوين. * وفي 11/9/2001 شنت طائرات مدنية عمليات انتحارية على مواقع أميركية مالية في مانهاتن وعسكرية في واشنطن، اضطرت الرئيس الأذري الى تأجيل زيارته للمرة الرابعة الى ايران وتوجيه البيت الأبيض أصابع الاتهام لأسامة بن لادن في أفغانستان وطلب الولاياتالمتحدة من دول المنطقة السماح لقواتها بالتمركز لتسديد ضربة للارهاب الأفغاني وامتداداته في آسيا الوسطى وتحديداً في دول حوض بحر قزوين. تشير المحطات المذكورة أعلاه الى أهداف كبرى تتجاوز الرد على "الارهاب" وتطاول أكثر من مكان. فالحديث عن تنظيم "القاعدة" وانتشاره في نحو 60 بلداً والتزام 3000 مقاتل اسلامي بأفكاره بتمويل من ثروة اسامة بن لادن الخاصة التي يقدرها الخبراء ب300 مليون دولار يدل على أن الحرب طويلة وممتدة جغرافياً دول آسيا الوسطى ومالياً مراقبة الأرصدة وكشف الحسابات والغاء بعض قوانين سرية المصارف. أفغانستان هي المدخل الأول لإعادة صوغ توازنات المنطقة وتحديداً الدول المطلة على بحر قزوين. وفلسطين هي المدخل الثاني للبدء في استراتيجية التطويق الأكورديون. فالاعلان عن وقف اطلاق النار من جانب واحد تجميد الانتفاضة في مقابل الفصل الحدودي العنصري من جانب اسرائيل في 24 أيلول الجاري لا يعني عودة القوات الاسرائيلية الى الثكنات بل تفريغها لنشاطات اخرى تبدأ بتركيز الانتباه على الجبهة اللبنانية حتى لا تنشغل حكومة شارون بمشكلات داخلية. و"الأكورديون" حتى ينتظم عمله الضغط والتفاوض لا بد له من أوتاد قواعد ارتكاز يستند اليها لضمان نجاحه... وهو أمر يبدو ان واشنطن توصلت اليه من باكستان وطاجيكستان دوشانبه شرقاً واذربيجان وتركيا غرباً. فالبطة السمينة ليست أفغانستان انما هي دول حوض قزوين. * كاتب لبناني من أسرة "الحياة".