حاولت الولاياتالمتحدة دوماً، ولأسباب استراتيجية، إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز مستبعدة روسيا عن المشاركة فيه، وذلك لمنع أوروبا من الاعتماد على الغاز الروسي الذي يغطي في الوقت الحاضر ثلث مجموع احتياجاتها من الغاز. ونظراً الى تواجد حقول نفطية وغازية مهمة في دول بحر قزوين، دعمت حكومة الولاياتالمتحدة مجموعة شركات في بناء أنبوب النفط باكو - جيهان، وأنبوب الغاز العابر لبحر قزوين. وقد أدى المشروعان إلى تقارب إيرانوروسيا نظراً الى اهتمامهما المتزايد برغبة كل من أذربيجانوجورجيا في التعاون الوثيق مع حلف الأطلسي. أدت تلك الرغبة في 18 تشرين الثاني نوفمبر 1999 الى أن تقرر"منظمة الأمن والتعاون الأوروبي"OSCE في اجتماعها في اسطنبول، المضي ببناء أنبوب نفط يربط حقول بحر قزوين بالبحر الأبيض المتوسط باكو - جيهان. وأعقب ذلك قرار آخر يدعو إلى إنشاء أنبوب للغاز يعبر تركمانستان إلى باكو وبعدها تركيا. وفي 13/7/2006، تم افتتاح الأنبوب من أذربيجان باكو عبر جورجيا تبليسي الى تركيا جيهان بطول 1760 كيلومتراً لنقل أكثر من مليون برميل يومياً من حقول بحر قزوين النفطية إلى البحر المتوسط. حضر حفلة الافتتاح ممثلو الشركات المساهمة في تمويل الأنبوب، كما حضره ممثلان عن إسرائيل. وتستورد إسرائيل من الأنبوب حوالى 20 في المئة من احتياجاتها النفطية المتوقع أن تزداد من منطقة بحر قزوين في المستقبل. إضافة الى ذلك، فإن إسرائيل تقوم بلعب دور استراتيجي رئيسي يتمثل في"حماية"مناطق مرور أنبوب النفط خارج جيهان. بمعنى أن دورها يتلخص في السيطرة على المنطقة العليا لشرق البحر الأبيض المتوسط. من هنا نجد أن أنبوب نفط باكو ? جيهان ، الذي تديره شركة النفط"بي بي"قد غيَّر الوضع الجيوسياسي لمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط المرتبطة بممر حوض بحر قزوين. إن أنبوب تحويل نفط وغاز وسط آسيا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط تحت حماية إسرائيل العسكرية صمم في الأساس بهدف إضعاف دور روسيا في وسط آسيا وعزل الصين عن المصادر النفطية لوسط آسيا، كما يساعد في تحويل جزء من العرض عند تعرض مصادر التجهيز في منطقة الشرق الأوسط للانقطاع . وهو يهدف أيضاً إلى عزل إيران إضافة إلى وضع إسرائيل كلاعب جديد قوي في سوق الطاقة العالمية، من خلال التحالف الجديد بين أذربيجانوجورجياوتركيا وإسرائيل. فإسرائيل الآن جزء من المحور العسكري البريطاني ? الأميركي، الذي يخدم مصالح شركات النفط الغربية العملاقة العاملة في الشرق الأوسط ووسط آسيا، وجزء من النفط المنقول عبر هذا الخط يذهب إلى إسرائيل. إن هدف إسرائيل لا يتحدد في الحصول على جزء من نفط بحر قزوين لغرض الاستهلاك فقط، وإنما تفكر في أن تلعب دوراً رئيساً في إعادة تصدير نفط بحر قزوين وإرجاعه إلى الأسواق الآسيوية من خلال مينائها على البحر الأحمر. وما يعزز ذلك، التنسيق والمفاوضات الجارية بين تركيا وإسرائيل حول ربط ميناء جيهان في تركيا - بميناء أشقلون في إسرائيل من خلال إنشاء مشاريع لنقل النفط والغاز الطبيعي والماء والكهرباء، بواسطة أربعة أنابيب تحت البحر متخطية الأراضي السورية واللبنانية. يتم نقل نفط باكو إلى ميناء أشقلون وإلى الهند والشرق الأقصى من خلال البحر الأحمر. أما نقل الماء إلى إسرائيل فهناك اتفاق تعاون عسكري موقّع بين تل أبيب وانقرة يدعم تزويد إسرائيل بالماء. وسيتم هذا من أعالي نهري الفرات ودجله في الأناضول. وهو هدف استراتيجي بعيد المدى هدفه تحجيم سورياوالعراق وتعظيم تأثير إسرائيل فيهما. الى ذلك، تشير التقارير الى مفاوضات سرية قائمة بين رئيس وزراء إسرائيل ايهود أولمرت والرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال صديق أولمرت الملياردير بيني ستينمتز، من أجل ضمان تجهيزات الغاز الطبيعي إلى إسرائيل بواسطة أنبوب تحت البحر الأبيض المتوسط يربط تركيا بإسرائيل. وسيتم تحويل الغاز الروسي بواسطة أنبوب روسيا - تركيا الذي أنشأته روسيا قبل سنتين عبر البحر الأسود من أجل زيادة التأثير الروسي في تركيا. ويسعى الرئيس بوتين الى الحصول على بعض التأثير في إسرائيل من أجل موازنة تأثير أميركا الأحادي على السياسة الإسرائيلية. لم تعد الطاقة في عالمنا اليوم قضية وطنية فقط. إذ يصعب اليوم قيام دولة وحدها بالسيطرة على المشاكل الناجمة عن الطاقة ونحن نعيش عالماً أصبحت السياسة فيه تدار في شكل متزايد من خلال معارك على مصادر الطاقة لا تستبعد استخدام القوة. فهناك وثائق كثيرة تؤكد استعداد الولاياتالمتحدة لاستخدام القوة العسكرية في حرب أو حروب من أجل النفط. فغزو العراق، مثلاً، حوّل منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الاقتصادية الدولية إلى محمية عسكرية أميركية. إن هدف السياسة الأميركية هو العمل على منع خضوع المنطقة الجنوبية الشرق الأوسط، الهند، إيران، باكستان ودول جنوبروسيا لسيادة لاعب واحد. وأن تمنع توحدها تحت أي شكلالتحالفات يعمل على إزاحة أميركا من قواعدها الموجودة على سواحل الجنوب حيث تتصف المنطقة بأنها تجمع بين الفوضى السياسية ومصادر الطاقة الغنية وتتطلع إلى الهيمنة الإقليمية. ولتحقيق كامل السيادة الأميركية على المنطقة، تعمل أميركا وبكل الوسائل على منع سيطرة وفرض سيادة روسياوالصينوالهند واليابان على الجنوب. وهو سلوك الهيمنة الذي يقضي بأنه كلما ازدادت قوة الدولة العسكرية والاقتصادية والسياسية، اتسعت دائرة مصالحها الجيوبوليتيكية وتأثيرها وتورطها إلى ما هو أبعد من جيرانها المباشرين. وقديماً قال نابليون"إن معرفة جغرافية الدولة تعني معرفة سياستها الخارجية".