يقال إن لكل إنسان من اسمه نصيباً... وإن"الأسماء تنزل من السماء". هذه العبارة الأخيرة تنطبق تماماً على نجيب محفوظ. لقد اجتمع في هذا الرجل الكثير من الفضائل الإنسانية والموهبة الأدبية، فلم يكن بطلاً، بقدر ما كانت شخصياته الروائية هي البطل، فجسدت روح الشعب المصري بشخصياته المتعددة، من"سي السيد"في الثلاثية، الى الصحافي الانتهازي في"اللص والكلاب". وسّع نجيب محفوظ، في شخصياته، من مساحة الزمن، وأرّخ للحياة الاجتماعية في مصر، فقدمها كالفسيفساء الجميلة، أخذنا عبرها الى دهاليز"الحارة"المصرية، التي كانت قبله معتمة، وعبّد أمامنا الطريق لفهم الشخصية المصرية، فكانت حياته كلها مصروفة في الابداع والعطاء. كان مجبولاً على التفتح الفكري، وحاول من خلال كتاباته ايقاظ الهمم وبعث الحركة في المجتمع المصري، وبسلوكه الاخلاقي أصبح قدوة وأسوة حسنة لمن يريد الكمال. أذكر في جلسة جمعتنا معه وآخرين، في"فرح بوت"، حيث كان يلتقي أصدقاءه ومريديه مساء كل ثلثاء، وكانت المناسبة في اعقاب عقد قيمته مليون جنيه مصري، نظير موافقته على نشر اعماله على شبكة المعلومات العنكبوتية الدولية"الانترنت". قال بعد أن استلم المبلغ:"عارفين يا جماعة أنا بفكر في إيه، بعدما حطيت الشيك أبو مليون في جيبي".. طبعاً.. نظرنا اليه متسائلين ومنتظرين. وفجأة قال محفوظ ساخراً: "با فكر اهرب برّه..."تلميحاً لظاهرة هروب رجال الأعمال من مصر. فانفجر الجميع بضحكة من الأعماق، عاجلها جليسنا الشاعر عبدالرحمن الابنودي، بتصفيق حاد، صائحاً:"الله... الله يا استاذ نجيب".