ليس غريباً، بل فاجعاً، كان وقع نبأ موت أستاذي نجيب محفوظ، الذي كافح بالقلم، وبالجسد، وبطعنة الخنجر في رقبته، من قبل المتزمتين الغادرين، الذين يخرجون من أوكارهم، كالأفاعي، فيلدغون ويخنقون. لماذا كتب علي، أنا ابن الثانية والثمانين، أن أودع مبدعاً بعد مبدع، وأبقى شاهداً على رحيل هؤلاء الزملاء الأحبة، لأكتب عنهم، ولهم كلمات العزاء ولا عزاء، وتتحير الدموع في عيني وأنا أنظر اليهم، يرحلون في عربات الموت إلى مثواهم الأخير، وتبقى ذاكرة الأحياء وحدها، بيتهم الذي فيه يعيشون، وفيها تعتادهم الحياة، على نحو أخر، لا تغتال فيه ذكرياتهم، يد المنون، طالت أو قصرت. أمس بكيت صديقي محمد الماغوط، وبعده بكيت الصديق عبدالسلام العجيلي، واليوم أبكي أستاذي نجيب محفوظ، ومن أبكي غداً؟ متى، يا قدر، أبكي نفسي، أو يبكي الآخرون، إذا بكوا، على هذه النفس التي كواها الالتياع، لموت مبدع، بعد مبدع، بعد مبدع؟. إلا أن الأمنية لم تتحقق... إننا نصنع الأحلام، كيلا نسقط في العدم، إلا أن أحلامنا مصادرة أيضاً، وعلينا، في مواقف الفرح، ومواقف الترح، أن نمرق من بين الدوائر الحمر، كي نقول ما نريد أن نقول، أو ما يجب أن نقول، من دون خوف، وفي العلن تماماً، في هذه الصحيفة أو تلك، إلا أن الصحف، غالباً ما تمنع عن نشر أمانينا، لأنها وهي تبحث عن السلامة، لا تجازف، كرمى لأعيننا، في نشر كلام عن الحرية، التي هي أثمن من الخبز، وعن الديموقراطية، أم الحريات، وترد علينا بلباقة، أو حتى من دونها:"نحن آسفون!". نعم! إنهم آسفون، ويعرفون، مثلنا، ان الحرية تحتاج إلى وسائل ممارستها، وهذه الوسائل في يد السلطات، والإبداع، في كل أجناسه، في تعارض مع هذه السلطات، إلا ما ندر، والأدب، كي يكون أدباً صادقاً، لا مندوحة له عن هذا التعارض أستاذي الراحل نجيب محفوظ، ليس لي ما أقوله، في يوم وداعك الأخير، إلا هذه الكلمات: "يا دارجاً في الخالدين ضميره، صلت عليك الرفقة الأبرار".