كأس الموت حق على كل مخلوق أن يتجرعه، وهو الحق (الوحيد) الذي لم يستطع أحد أن ينكره، ولم يدفعه عن نفسه مخلوق، نحن نؤمن بذلك _ ولله الحمد_ تمام الإيمان، لكن مرارة فقد القريب القريب أو الصديق العزيز، تعلك في النفس حزناً رغم هذا الإيمان. وصدق الشاعر وهو يصور حتمية الموت، وحال الفقد على محيطيه معاً حين قال: سبيل الموت غاية كل حي فداعيه لأهل الأرض داع ومن لا يعتبط يسأم ويهرم وتسلمه المنون إلى انقطاع بالأمس القريب تداعت الأنباء بوفاة الصديق العزيز، والزميل النبيل عليان بن منصور الكودري، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جنانه. وكل من عرف الفقيد لابد أنه بكاه بدمع ثخين، فقد كان رجلا خلوقا وصديقا صدوقا، اجتمعت فيه كل الخصال الحميدة. وقد عرفته عن كثب في الحياة العامة، كما هو في الحياة العملية، إذ زاملني في العمل إبان كنت وكيلا مساعدا لإمارة منطقة عسير للشؤون الأمنية، وكان هو مديرا لإدارة الأسلحة التابعة للوكالة، فكان على أعلى درجة من الانضباط في عمله وفي خلقه وتعامله مع زملائه ومع المواطنين، مثاليا في أدائه وسلوكه وتعاملاته، يحبه الجميع ويقدرونه. ولم تنقطع صلتنا بعدما انتهت علاقة العمل، وذهب كل منا في طريقه بعد التقاعد، فكان دائما هو هو الإنسان الذي ترى منه كل ما يسرك: صداقة ووفاء ونبلا. وإذا كان كل إنسان يخط بعمله في صفحات عمره، منذ التكليف وحتى يغادر هذه الفانية ما يخلد في ذاكرة الناس عنه، فإني أشهد الله _سبحانه وتعالى_ أنك يا "عليان" كنت واحدا ممن يعتز الإنسان بمعرفته، ويحزن لفراقه الوقتي في الدنيا، ويزداد حزني وأساي اليوم برحيلك، لكن مع هذا الأسى فإننا نودعك إلى رب كريم، ونسأله -جل وعلا- أن يثيبك خير الجزاء على ما بذلت في حياتك من خير عميم، إنه نعم المولى ونعم المثيب، ولا نملك إلا أن نقول "إنا لله وإنا إليه راجعون".