عندما رأيت روايات نجيب محفوظ لأول مرة في طبعتها المصرية الشهيرة، وبأغلفتها المثيرة والنمطية، تساءلت ما الذي سيفرق هذا الكاتب عن مختلف الكتاب المصريين الذين نقرأهم ليعبر الوقت، ولنترك النسيان يلفهم بسرعة، شأنه شأن غيره، ولكن ما ان قرأت أول رواية، أظن أنها"السراب"حتى تغير موقفي بسرعة، أحسست بمذاق مختلف، وبلون مميز في الكتابة، شعرت بأن لنجيب سمة تميزه عن غيره، سمة الجدية، تصوير الشخصيات، وصف الأمكنة، إعادة نسج الواقع بلمسة فيها من السخرية والشعر الكثير، كل ذلك حوله عندي إلى الكاتب الأول في العالم العربي، الكاتب الذي يطيب الجلوس إليه ومحاورته من خلال نصوصه، التوقف معه عند التفاصيل الدقيقة، وحتى في اللحظات المكثفة التي يحاول أن يرتفع بها إلى مستوى عال من التجريد الفلسفي، يخيل إلي دائماً أن نجيب محفوظ هو النموذج الوحيد للكاتب المحترف في عالمنا العربي، كل الروائيين العرب تقريباً ينظرون لأنفسهم على أنهم هواة في الكتابة في شكل أو بآخر، أما هو فكان مؤمناً بأنه كاتب، منتظماً في كتابته، وفي إصدارها بعد ذلك في وقت دقيق ومبرمج مسبقاً، رحل محفوظ، لكن هل يرحل الكتاب حقاً؟ أحياناً تبدأ حياة الكاتب الحقيقية بعد وفاته، وميزة محفوظ أن أسطورته عاشت معه، وعاش معها، ولن تموت حتماً بعد مماته، إنه سيبقى حياً بيننا، حياً إلى الأبد.