بعدما وضعت الحرب أوزارها في لبنان، اصبح لزاماً على الفلسطينيين الاستعداد لمرحلة ما بعد الجندي الاسرائيلي الاسير غلعاد شاليت. وتماما كما اصبح 11 ايلول سبتمبر عام 2001 حدا فاصلاً لما سبقه وما لحقه في الولاياتالمتحدة والعالم، اصبح 12 تموز يوليو منعطفاً مفصلياً في تاريخ لبنان الحديث، كما سيتحول 25 حزيران يونيو، تاريخ خطف شاليت، على ما يبدو الى حدث تاريخي سيكون فيه ما سبقه مختلفاً عما لحقه، ان كان سلباً او ايجاباً لصالح الفلسطينيين. وما زاد من التأكيد ان مرحلة ما بعد خطف شاليت ستكون مختلفة تماما عن المرحلة التي سبقت أسره، هو ما حصل في لبنان، اذ ان التشابه بين الحالين اللبنانية والفلسطينية كبير، خصوصا في هذه المرحلة بالذات. ومنذ أن بدأ العدوان الاسرائيلي على لبنان، غداة اسر مقاتلي"حزب الله"الجنديين الاسرائيليين، تبين للفلسطينيين في الرئاسة والحكومة والفصائل، وحتى في الشارع الفلسطيني، ان انتصار"حزب الله"او هزيمته ستحدد ملامح"مرحلة ما بعد غلعاد". فالفلسطينيون خلال الفترة التي اعقبت اسر شاليت وسبقت أسر مقاتلي"حزب الله"للجنديين الاسرائيليين، درسوا خياراتهم وتوصلوا الى اتفاق داخلي يقضي بإابرام صفقة مع اسرائيل عملت مصر على انضاجها على نار هادئة، كانت تشتد احيانا تبعاً للشروط والمواقف الفلسطينية والاسرائيلية. وبعد اسر الجنديين في جنوبلبنان وبدء دوران عجلة العدوان الاسرائيلي الشامل على لبنان، عاود الفلسطينيون درس خياراتهم، فتعززت لديهم قناعات وتخلخلت قناعات أخرى. الفلسطينيون وفي كل هذه المراحل اتفقوا على ضرورة اطلاق شاليت في اطار صفقة شاملة تشمل ايضا وقف اطلاق الصواريخ من الفصائل الفلسطينية من قطاع غزة والعودة الى حال التهدئة التي سادت طوال العام الماضي، في مقابل توقف اسرائيل عن سياسة الاغتيالات والاعتقالات والعدوان على القطاع ورفع الحصار عنه. ومن ضمن المخارج تشكيل حكومة وحدة وطنية في مرحلة ما بعد شاليت بالتوافق مع المجتمع الدولي، ما يتيح للولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والدول العربية واخيرا اسرائيل، القول ان هذه الحكومة ليست حكومة"حماس"، وبالتالي رفع الحصار المالي والسياسي عنها. وفي هذا الاطار، تم اتفاق بين الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء اسماعيل هنية وحركة"حماس"وبقية الفصائل الفلسطينية على ارجاء تشكيل حكومة الوحدة الواردة في وثيقة الوفاق الوطني وثيقة الاسرى التي تم التوقيع عليها على عجل في اعقاب خطف شاليت، الى ما بعد انتهاء قضية الجندي الاسير. ورفض الرئيس عباس اعتبار الحكومة غير دستورية واقالتها بعدما اعتقلت اسرائيل ثمانية وزراء منها، خصوصا ان القانون ينص على انه في حال استقالة ثلث اعضائها 8 وزراء تصبح الحكومة مستقيلة حكماً. ورأى الرئيس عباس في استجابة من هذا النوع لمطالب بعض قياديي حركة"فتح"شكلا من اشكال الانتهازية السياسية. والآن بعد انقضاء اكثر من 50 يوماً على اسر شاليت، عاد الرئيس عباس امس الى غزة ليبحث مع هنية والفصائل الفلسطينية سبل حل قضية الجندي الأسير، في ظل التباين الواضح بين موقفي الخاطفين واسرائيل. ففي الوقت الذي يصر الخاطفون على عدم اطلاق شاليت الا بالتزامن مع اطلاق اسرى فلسطينيين، ترفض اسرائيل مبدأ التزامن او التبادلية. وبعدما تبين للرئيس عباس واسرائيل ومصر ان الامر المتعلق بالجندي ليس في أيدي قادة"حماس"السياسيين في الداخل او الخارج، بمن فيهم رئيس المكتب السياسي خالد مشعل، أصبح الامر أكثر تعقيداً. واكتشف هؤلاء، خلافا لما تدعيه اسرائيل في وسائل الاعلام وتصريحات قادتها ومسؤوليها، ان"الحل والربط"في قضية الجندي ليس في يد"حماس"وحدها، بل في يد شركائها في لجان المقاومة الشعبية وجيش الاسلام. وعلمت"الحياة"من مصادر موثوقة انه ليس فقط لا يستطيع القادة السياسيون او العسكريون في الحركة"التصرف"في قضية الجندي الاسير من دون موافقة"الشركاء"الآخرين في لجان المقاومة وجيش الاسلام، بل ان هؤلاء ما زالوا يفرضون رأيهم على"حماس"التي يرى بعض قادتها السياسيين والعسكريين اهمية اطلاق الجندي وفق صفقة تمكنت مصر من التوصل الى تفاهمات مع اسرائيل على معظم ملامحها ومن ضمنها وقف العدوان والعودة الى التهدئة واطلاق مئات الاسرى الفلسطينيين من ضمنهم القادة وغيرهم. وعليه تصبح مهمة الرئيس عباس في غزة خلال الايام المقبلة صعبة في الحوارات مع هنية و"حماس"، خصوصا ان شركاء الحركة لا يظهرون في صورة هذه الحوارات. لكن الفلسطينيين سيجدون انفسهم مضطرين الى الاسراع في التوصل الى تفاهم سريع وخلاّق لحل قضية الجندي، بعدما وضعت الحرب في لبنان اوزارها، وبدأت اسرائيل تتفرغ للصراع معهم، علماً ان كل يوم يمر من دون ان تتمكن الاستخبارات الاسرائيلية من معرفة مكان احتجاز الجندي يشكل انجازاً كبيرا للفلسطينيين. ومع ذلك، فثمة مخاوف من ان تتوصل اسرائيل الى معرفة مكانه وتهاجمه بغية تحريره او حتى قتله، كما حصل في مرات سابقة، حينها ستصبح الصفقة كأنها لم تكن.