انها الثانية عشرة والنصف ظهراً في دبي. الشمس، من شدة وطأتها، تبخّر شيئاً ما من الاسفلت. تلك الخطوط من الدخان تبدو لسائق السيارة كأنها الطالعة من أمام اللوح الزجاجي. ولا يكاد يفرّق ان كانت حقيقية او من وهم الرؤية. شيء من السراب. ورش البناء في أمكنتها دوماً. تزداد كل يوم بمعدلات خيالية. الصحف العالمية تتحدث عن"معجزة"."سراب"حقيقي. تشير صحيفة"ذي غارديان"البريطانية إلى أن 25 في المئة من رافعات العالم منصوبة اليوم في دبي. هناك أعلى برج، وأضخم مركز تسوق، وخليج تجاري ومترو وجسور وأنفاق ومشاريع عملاقة تبرر عناوين"ذي غارديان". وهناك أيضاً ورش لا تهدأ حتى في الليل. تحت ضوء النيون الأبيض، يسهر العمال في"ورديات"ليلية. أكثر من تسعمئة ألف عامل"أجنبي"يعملون في الورش. غالبيتهم من الهنود والبنغال والباكستانيين ومن جنسيات آسيوية أخرى. دراجة الحرارة في منتصف النهار قد تصل إلى خمسين. مؤشر حرارة السيارة قد لا يكون الوسيلة الفاعلة لكشفها. نشرات الجوّ"تكذب"في مرات كثيرة"كذباً أبيض"، ربما حفاظاً على حماسة السيّاح. لكنك لا تحتاج إلى مقياس حرارة لتعرف أنّ الشمس تلهب الإسفلت. وإن سألت أي عامل في تلك الورش، بوسعه أن يعطيك التقدير الحقيقي. العمال أصدق من مذيعي النشرة الجوية في التلفاز أو الراديو. إنهم أكثر من يعرف الشمس. لا أحد يعرف ما الذي يحمله العامل المجسّد صورة سوداء في الإعلان. كوب ماء أو كوب شاي؟ يقال إن الشاي، وعلى خلاف ما يُظن، يعدّل برودة جسم الإنسان إذا شرب وقت الحر. ربما يكون ذلك حقيقة علمية، وربما أسطورة. لكن المؤكد أنّ العامل يحمل في يده شيئاً ما. هل هو كوب بوظة؟ أو أن قدراته المالية، لا تسمح له بترف"البوظة". فعائلته في الهند أولى بثمن البوظة. يظل العامل تحت"شمسية". لا نقرأ ملامح وجهه. لا نعرف إن كان سعيداً بالقرار الوزاري الرقم 410 الذي صدر أخيراً والقاضي"بتوقف العمال عن العمل فترة تستمر من منتصف النهار حتى الثالثة عصراً". من المؤكد أنّ العامل سعيد بهذا القرار. في الشهور الماضية، شهدت شوارع الإمارات"تظاهرات"عمالية، للمرة الأولى. تخوّف بعضهم من أن تكون بداية لأعمال شغب لا أحد يريدها في بلد معروف بالأمن. اتهم بعضهم الصحافة الأجنبية ومراسليها بافتعال ضجيج"لا معنى له"، بحجة الدفاع عن قضايا العمال وحقوقهم. قال مسؤول في وزارة العمل أن في"مانشيتات الصحافة مبالغة وإثارة". عولج أمر"التظاهرات"وتم التوصل إلى أفكار وحلول من بينها بناء الدولة مدناً للعمال، وفق شروط بيئية وصحية جيدة، لئلا تفلت الأمور. وهناك مشروع لحصر مسألة توريد العمالة إلى المدينة بنشاط مؤسساتي حكومي. المهم أنّ العامل الذي في الصورة، يرتاح تحت مظلته ولا يعرف، ربما الكثير، عن مشاريع الدولة التي تنتظره. وبات بوسع العمال في دبي أن"يتصالحوا"مع الشمس مرة أخرى. قبل ذلك، كانت علاقتهم بها، يشوبها الكثير من التوتر وربما الحقد والرغبة في الانتقام. الثأر لعامل ضربته الشمس على رأسه، فداخ وهوى عن رافعة. اليوم، إعلانات في صحف دبي تقول إن العمال تصالحوا مع الشمس. "عمال يستريحون". تمر الى جانب اللافتة، وينتابك احساس بأن"تخفض"من صوت محرّك السيارة، كي لا تزعجهم، أو تركنها جانباً وتزور المكان لترى ان كانوا يغنون في وقت استراحتهم، وبأي لعبة يتسلون، وهل ينامون أم يأكلون. وماذا في يد ذلك العامل الأسود في الصورة؟