وضعت هاتفي الجوال جانبا بعد ان اعطاني الرقم الذي اطلبه نغمة المشغول، وامسكت مقود سيارتي بكلتا يدي حين بدا أمامي تكدس للسيارات بين حاجزي الاسمنت على جانبي الطريق. كانت شمس أوائل الصيف تلهب ظهور السيارات العابرة لطريق الدمام.. الخبر السريع والاسفلت يحرق اقدامها. التململ يطل من حركات واعين السائقين والراكبين المتقلصة تفاديا لنور الشمس الباهر. نظرت الى ساعة السيارة الرقمية. خمس دقائق انقضت من استراحة الغداء وبقي 40 دقيقة. اعتدت، لكي اهرب من روتين العمل ووقته الطويل، الذهاب لتناول وجبة الغداء في الخبر التي لا تبعد سوى دقائق من مكان عملي. احيانا كنا نذهب معا. دلني على بعض المطاعم ذات النكهة الأوربية الرائعة، وبدوره احب طعم كبسة الكنعد التي تعدها زوجتي. قال عندما تذوقها اول مرة وقد جلس متربعا امام الصحن تماما كما نفعل: هذه افضل كبسة أكلتها في حياتي ثم في حركة من اكتشف انه وقع في ورطة قال مازحا: ما عدا كبسة (جانيت) طبعا. مشيرا الى حيث تجلس زوجته على احدى كنبات صالون شقتهم في سكن الشركة المخصص للموظفين الأجانب، تتناول بدورها من طبق صغير قطعة من الكنعد. لاحظت ان السيارات في المسار الذي اسلكه تهرب الى المسارين اللذين على اليمين، حيث يسد حاجز الطريق الأسمنتي الجهة اليسرى، فاعلنت بالاشارة رغبتي في الانعطاف يمينا. منذ 3 سنوات عرفته بعد ان انتقل للعمل في فرع الشركة في الشرقية بينما قضى وزوجته اكثر من 10 سنوات متنقلين بين مختلف مناطق المملكة في فروع الشركة. سأرفض أي انتقال من هذه المنطقة. كان هذا احد قراراته الحاسمة بعد رحلة اصطحبته و(جانيت) فيها الى قرى المنطقة وسوق الخميس. كان مقتنعا ان الشرقية اقل صخبا من غيرها. اقتربت سيارتي من بداية الطابور. استطعت ان اشاهد من مكاني سبب التكدس المضاعف في المسار الثالث الذي كنت اسير فيه. سيارة ذات طراز قديم يبدو، من خلال غطاء محركها المفتوح والبخار الذي يتصاعد من جوفها، انها لم تحتمل الحرارة الشديدة والى جوارها وقف، من يبدو انه صاحبها، ينتظر. على مبعدة، في المقدمة كان يقف اكثر من رجل أمن عند نقطة تفتيش لابسين دروعا واقية يدققون في هويات العابرين. النقاش معه كان ذو نكهة مختلفة.. تدهشني بساطة طرحه لقناعاته.. يقولها في جمل قصيرة وفي اوضاع غير رسمية.... انها سحابة صيف لا اكثر، هذه البلاد اكثر امنا من أي مكان في العالم. كان يوشك ان يدخل ملعقة مليئة بالطعام في فيه عندما قال تلك العبارة. ثم اخذ يمضغ الطعام بهدوء. كان هذا رده على النداءات العديدة التي وجهت الى الأجانب لمغادرة المملكة. استمر رجل الأمن الشاب الذي امسك ببطاقة الأحوال يتفرس في وجهي.. انزلت نظارتي الشمسية لأتيح له المزيد من الرؤية. التقت عيوننا دون مرشحات. كان ينظر إلى اعماقي ولم اكن بحاجة الى الغوص في عينيه لأشعر بان ثقة قديمة بيننا اخذت تتسرب. 20 دقيقة تبقت من وقت استراحة الغداء حين انعتقت من نقطة التفتيش. زدت من سرعتي لأعوض الوقت الذي خسرته. لم يعد باستطاعتي الأكل بالمطعم وتصفح الجريدة.سندويش وبطاطا مقلية كانت ترقد في الكيس في مقعد الراكب على يميني في عودتي المسرعة الى العمل. في صباح الأول من شهر يونيو قال لي ونحن نحتسي شاي الصباح: تريد ان تغادر في اقرب فرصة بعد الذي حصل السبت الماضي*... وتلح علي ان اصحبها. ثم في لهجة متوترة لم اعهدها فيه عندما يتلو قناعاته. الحقيقة.. لا استطيع البقاء دونها. هززت رأسي دون ان اتفوه بكلمة وواصلنا التحديق كل في كوب الشاي الذي امامه. كانت مغادرتهما سريعة جدا. لم ينتظرا مكافأة نهاية الخدمة. كلفاني بان أحولها الى حسابيهما بعد ان اعطياني كلمتي السر. وكان قد تضاعف لدي، بعد الحادثة، شعور دفعني لأن اعمل كل مافي وسعي لأجلهما. حين رن الهاتف الجوال كنت قد اوشكت على الوقوف في مواقف الشركة. كان رقمه الذي طلبته آنفا.. اخبرني بعد حديث قصير سأل فيه عن الشرقية ان النقود قد وصلت في امان قبل أن يغلق الخط بعد وعد بالتواصل قال: شكرا، كل شيء على ما يرام، شكرا قال الكلمة الاخيرة باللغة العربية