«حسان» ليس قصة يتيمة، هو مجرد إطار ضيق وأنت ترسم المشهد، قصة عنوانها الخارجي «شاي على الحطب»، و ثلاثة ريالات نثرية تتذوق بها ألذ ما في البؤس، ولقاء كوب شاي منعش لبائع متجول، تجد وسمات حروق صغيرة في كفيه من يد الإبريق الساخن، أو من ألسنة الحطب التي لفحت وجهه بشيء من الاسمرار والحمرة. «حسان اليمني» ذو ال30 عاماً، والتعليم الذي لم يكمله لظروفه الصعبة، هارباً من بلاده، يعمل خفية ليحصل على حفنة من الريالات التي ربما لا تكفي لسد جوع عائلته في وطنه، وفوق هذا هو عامل مخالف لنظام الإقامة والعمل، إذ دخل متسللاً بطريقة غير شرعية للبلاد، و لا يحمل شهادة صحية تؤكد خلوه من الأمراض، وجودة ما يقدمه من مواد غذائية، يباشر عمله من الساعة الثانية ظهراً كل خميس ليعانق «لهيبين» حرارة الشمس الساقطة، ودخان الحطب المتصاعد. و يستفتح إبريق الشاي بكوب من الرضا محلى بقليل من سكر الصبر، لتكون القناعة أول زبائنه، ويطول وقوفه ملبياً لرغبات زبائنه المطلين من سياراتهم المتنوعة بين الفارهة والعادية، مراقباً بعينيه مذاق الرضا بعد أول رشفة من كوب الشاي، ليضمن عودتهم إليه بعد ذلك. وأضاف حسان في الأيام الأخيرة رفيقاً ثالثاً لكفاحه وفقره، فبعد أن كان الحطب وإبريق الشاي هما مؤنساه في غربته أصبحت الصحيفة رفيقاً ثالثاً ثقيلاً، مقتصاً من دخله اليومي ل«صحيفة ورقية» التي أصبح وجودها عادة يومية لا يتخلى عنها، حتى يتسنى له متابعة الأخبار، وإضافة شيء من الترفيه لرتابة الوقت لديه، ومتابعة سير حملة وزارة العمل في تصحيح أوضاع العمالة المخالفين للنظام. يقول حسان بلهجته اليمنية البسيطة: «أحببت هذه الأرض وأصبحت جدة هي كل شيء فأنا لا أعرف وطناً غيرها، ففي كل مكان أذهب إليه أجد أبناء جلدتي يعملون في شتى المجالات، والآن وبعد سبعة أعوام من الحياة والكفاح للقمة العيش، في أي لحظة سأعود إلى وطني بسبب وجودي الغير قانوني هنا والذي لن يشمله التصحيح المنتهي في شهر محرم»، ويشغل تفكيره الطريقة التي يكسب من طريقها قوت أسرته في بلاده التي يصعب إيجاد ما يؤمن له مستقبل أبنائه هناك. وتغادر «الحياة» كشك «حسان» بكوب من الشاي بلا مقابل كرد لجميل الاستماع لمعاناته.