عند الساعة الواحدة والنصف ظهراً، وفي ذروة الزحام المروري في شوارع عدة من مدينة جدة تحيداً المشاريع الإنشائية بالتحديد، ترى العامل محمد مشرف وزملاءه في ميادين عدة في شوارع جدة يعملون بجد وكد رغم مشقة الصوم، فلهيب الشمس ينبعث من جديد بفعل أسفلت الطريق، والسراب ينتشر في ميدان العمل، وسط ركود للرياح ودرجة حرارة مرتفعة بلغت 41 درجة مئوية ونسبة رطوبة قاربت ال38 في المئة بحسب الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة. «العمل مرهق في حرارة الجو»، يقول العامل محمد مشرف (بنغالي الجنسية) الذي قطع آلاف الأميال قادماً من دكا إلى جدة لطلب الرزق منذ سنوات وبراتب لا يزيد على 1000 ريال، يبدأ عمله في رمضان يومياً في تمام التاسعة والنصف صباحاً، وطوال الوقت يقبل مشرف على العمل إلى حين استراحة الإفطار التي تمتد حتى التاسعة مساءً، ليعود بعدها مع زملائه العمال إلى عملهم الميداني إلى الثانية بعد منتصف الليل وربما تزيد أحياناً بحسب ضرورات العمل. ويؤكد مشرف أن أول سؤال تسأله له والدته المسنة عن صحته، ثم عن كيفية عمله تحت درجات الحرارة المرتفعة المعروفة في منطقة الخليج، خصوصاً في شهر رمضان حيث تزيد المشقة والتعب بسبب الإمساك عن الطعام والشراب. ويضيف: « في بداية الأمر عانيت كثيراً، لكنني تأقلمت بعد فترة وجيزة»، مشيراً إلى أنه يلجأ إلى سكنه الموجود في نفس موقع العمل مع زملائه العمال لينهوا قصة متاعب يومهم الطويل ويستقبلوا عمل الغد بذهنية صافية. ويختلف محمد إرشاد ( باكستاني الجنسية) عن نظيره البنغالي في الالتزام بوقت معين في دوامه، مؤكداً أن عمله على معدات النقل (البوب كات) يجبره على المكوث طويلاً تحت أشعة الشمس الحارقة، إذ يبدأ عمله بعد الظهر حين ترتفع الشمس، وهو يمكث طويلاً منذ ساعات الصباح الأولى في حراج (العمال) في انتظار زبون للعمل عنده، وتكون فترة انتهاء أعماله غالباً قبيل أذان المغرب بلا توقف ولا هوادة، ويتقاضى مبالغ متفاوتة حسب العمل المؤدى، ويبلغ معدل ما يقبضه يومياً 100 ريال فقط. محمد إرشاد الذي قدم قبل أربع سنوات يصف حرارة الشمس في جدة ب «الحارقة» نظراً للجو المعتدل في بلده، مضيفاً أنه حين قدم إلى جدة كانت لديه معلومات عن حرارة الطقس نقلها إليه أقرباؤه العاملون في السعودية، ويقول إن العمل تحت غطاء «البوب كات» الحديدي أهون من العمل مباشرة تحت أشعة الشمس. وفي فترة العمل يكون منظر تحدي العامل لأشعة الشمس جلياً قبيل العصر، ويحتمي كثير من العمال الميدانيين بأشمغة سعودية يحيطون بها رؤوسهم ليتجنبوا صدمة أشعة الشمس ويضطروا إلى تبليل الشماغ بين كل فترة وأخرى بماء بارد ليحد من شدة الحرارة التي يتعرضون لها. تموت الشمس فيختفي العمال من الشوارع، لتضاء قناديل الغرف الموقتة وسط ابتهال وأدعية بالقبول والغفران لتنتهي نصف القصة من جهد مضن بدأ منذ ساعات الصباح الأولى، وبعد انشطار الليل ينادي المنادي بانتهاء عملهم في اليوم الطويل الشاق، فينتظرون اليوم الجديد بروح متفائلة وآمال كبيرة وهمم عالية وخيالات مختلفة، وتمر ساعات الليل حتى ينجلي الظلام بشمس بدت لطيفة في أول إشراقها، لكن وطيس حرارتها يحتمي ساعة بعد ساعة، فتبدأ القصة نفسها من جديد.