مع تصاعد الاتهامات الى الجيش الأميركي بقتل مدنيين في العراق، خصوصاً ما بات يعرف بمجزرتي حديثة والاسحاقي، جاءت تبرئة جنود أميركيين من مذبحة الاسحاقي لتزيد من قلق حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي وتضعها في مأزق بعد تعهدها بتحقيق العدالة للضحايا، إذ وصف أحد مساعدي المالكي التحقيق الأميركي في حادث الاسحاقي بأنه"غير منصف". وفي غضون ذلك أبلغ قائد كبير في"المارينز"صحيفة"نيويورك تايمز"ان قادة عسكريين كباراً كانوا يعرفون حقيقة مقتل المدنيين في حديثة بالرصاص. وأعلن عدنان الكاظمي، أحد مساعد رئيس الوزراء العراقي، ان تبرئة الجنود الأميركيين من اتهامات بقتل مدنيين في الاسحاقي في 15 آذار مارس"غير منصفة للاطفال الذين قتلوا وللشعب العراقي"وان"الحكومة ستفتح تحقيقها الخاص في القضية". وقال ان الحكومة علمت من اكثر من مصدر ان عمليات القتل في الاسحاقي وقعت في ظل ظروف مثيرة للشك، مشيراً الى مقتل أطفال في الحادث. واضاف ان الحكومة"ستطلب اعتذاراً من الولاياتالمتحدة وتعويضاً للضحايا في عدد من القضايا، بما في ذلك مجزرة حديثة". وكان الجيش الاميركي برأ في بيان اصدره في بغداد أمس عناصره من قتل مدنيين في الاسحاقي شمال العراق حيث اتهم جنود اميركيون بأنهم قتلوا بدم بارد اكثر من 11 مدنيا عراقياً، بينهم عدد من الاطفال. وقال الميجور جنرال وليام كالدويل، المتحدث باسم القوات الاميركية في العراق ان"تحقيقا فتح في اليوم التالي للقصف مباشرة ... واظهر ان القوات عملت وفق الضوابط العسكرية التي تحكمها في العراق". واوضح ان"الجيش الاميركي وبناء على معلومات استخباراتية مؤكدة داهم بلدة الاسحاقي في 15 آذار الماضي واعتقل ارهابياً ... هو احمد عبد الله محمد العتيبي بينما قتل آخر يدعى عدي فارس الطوافي". وأكد الضابط ان"القوات الاميركية تعرضت لدى وصولها الى المنزل لاطلاق نار من داخله ... واستمر العدو في اطلاق النار على القوات الاميركية ما استوجب استدعاء قوات اسناد جوي للسيطرة على الموقف". وأوضح ان"القوات الاميركية قامت بعمليات تكتيكية داخل المنزل وتم العثور على جثث المدعو ابي احمد وثلاثة اشخاص غير مقاتلين"، مشيراً الى ان ضابط التحقيق"رجح ان يكون الاشخاص التسعة قتلوا نتيجة اضرار جانبية نجمت عن الاشتباك". وأكد الضابط ان"اتهام جنود اميركيين باعدام عائلة تعيش في منزل آمن باطلاق النار على افرادها مباشرة وقتلهم بدم بارد، ثم قصف المنزل بعد ذلك لاخفاء الجريمة لا اساس له من الصحة". لكن رواية الشرطة العراقية للواقعة كانت مختلفة، اذ اتهمت في تقريرها الجنود الاميركيين بجمع 11 شخصاً في المنزل وقتلهم عبر اطلاق النار على رؤوسهم، وكان بينهم خمسة اطفال واربع نساء، قبل ان ينسفوا المنزل. في غضون ذلك، أبلغ مسؤول رفيع في مشاة البحرية الاميركية صحيفة"نيويورك تايمز"ان قادة من قوات"المارينز"في العراق كانوا يعرفون خلال يومين من سقوط المدنيين العراقيين في حديثة في تشرين الثاني نوفمبر الماضي ان عيارات نارية، وليست قنبلة، زرعت على جانب الطريق، تسببت في مقتلهم، لكنهم لم يروا سبباً يستدعي اجراء مزيد من التحقيق في هذا الشأن. وأضاف المسؤول الذي رفض كشف اسمه، ان القادة ابلغوا المحققين انهم لم يعتبروا ان التناقضات السابقة في الروايات في شأن مقتل 24 عراقياً غير معتادة، ولم تكن لديهم معلومات في هذا الوقت تشير الى مقتل اي من المدنيين العراقيين بشكل متعمد. لكن جنرالاً رفيعاً في"المارينز"، اطلع على التحقيق، قال للصحيفة"من المستحيل تصديق انهم لم يعرفوا"في اشارة الى القادة البارزين في"المارينز". وقال الجنرال للصحيفة انه لم يتضح بعد الى اي مستوى في سلسلة القيادة يتعين توجيه اللوم بشأن سقوط القتلى. وأشار الى وجود شكوك قوية في ان بعض الضباط كانوا على علم بوجود ثغرات وتناقضات في رواية الجنود بشأن الحادث كانت تستوجب اجراء مزيد من الاستجواب والتحقيق بشأنها. وكانت هيئة محلفين عسكرية قررت الجمعة عدم سجن السرجنت الاميركي سانتوس كاردونا 32 عاماً الذي دين باساءة استخدام وظيفته اثناء خدمته في سجن ابو غريب في العراق عامي 2003 و2004. وكان كاردونا حكم بالاشغال الشاقة تسعين يوماً وخفض رتبته العسكرية واقتطاع 7200 دولار من راتبه السنة المقبلة. ودانت هيئة المحلفين، تضم اربعة ضباط وثلاثة جنود، الخميس كاردونا باساءة استخدام وظيفته، لكنها برأته من 7 تهم اخرى مرتبطة بوقائع اكثر خطورة مثل استخدام كلبه لترهيب معتقلين في اطار لعبة يمارسها مع زميل له. ومع الاتهام الوحيد بحقه، كان السرجنت يواجه عقوبة السجن ثلاثة اعوام ونصف العام كحد اقصى وتسريحه من الجيش او كسر رتبته. من ناحيتها، أعربت منظمة العفو الدولية عن"قلقها الشديد كون العقوبات التي اعلنت في هذه القضية لا تعكس خطورة الاتهامات". وقال لاري كوكس، المدير التنفيذي للمنظمة في الولاياتالمتحدة ان المنظمة"قلقة لكون ضباط كبار حصلوا على الحصانة للادلاء بشهادتهم بدل محاسبتهم على جرائم ارتكبت تحت اشرافهم". ومحاكمة كاردونا هي الاخيرة لجندي اميركي ضالع في فضيحة سوء معاملة السجناء العراقيين في سجن ابو غريب التي وصفها الرئيس جورج بوش الاسبوع الماضي بأنها"اكبر خطأ"ارتكبه الاميركيون في العراق. وسانتوس كاردونا هو الجندي الاميركي الحادي عشر الذي يصدر حكم بحقه في اطار هذه الفضيحة التي كشف النقاب عنها مطلع 2004 عندما نشرت الصحف صوراً التقطها جنود في السجن ظهر في بعضها سجناء وهم يحاولون الاحتماء من كلاب غير مكمومة. وكان حكم على السرجنت الآخر مايكل سميث 24 عاماً في آذار الماضي بالسجن لمدة ستة شهور وخفض رتبته الى جندي عادي. ولكن حتى الآن لم يحاكم اي مسؤول كبير في اطار هذه الفضيحة. وكان وزير الدولة العراقي للشؤون الخارجية رافع العيساوي أبلغ"الحياة"ان مجلس الوزراء العراقي قرر الطلب الى الاميركيين تقديم اعتذار رسمي وتعويضات لضحايا مجزرة حديثة، ولفت الى انه"بسبب تكرار الاخطاء الاميركية يجب وضع آليات محددة لضبط اداء الجيش الاميركي خصوصاً في المناطق الغربية التي يقطنها السنة حيث يسيطر الاميركيون على الملف الامني في هذه المناطق بالكامل". وطالب العيساوي ب"تشكيل لجنة عراقية - أميركية لتحديد طبيعة تحرك القوات الاميركية وتحقيق مستوى عال من التنسيق على الارض". وأضاف انه"يجب الحديث بعد مجزرة حديثة عن جدول زمني لرحيل القوات الاميركية، مع التأكيد بأن هناك اجماعاً عراقياً على ان مغادرة هذه القوات الآن غير ممكنة لحاجة القوات العراقية الى التأهيل". الى ذلك، طالب عدنان الدليمي، زعيم"جبهة التوافق"السنية بتشكيل لجنة تحقيق دولية في"الاخطاء الاميركية العسكرية ضد المدنيين العراقيين". وقال ان"العمل المشين الذي ارتكب في كل من حديثة والاسحاقي يجب ان يقابل برفع الصوت العراقي الرسمي عاليا لإدانته وايقافه". وطالب الحكومة العراقية ب"تشكيل لجنة سياسية - قضائية للتفاوض مع الاميركيين بهدف وضع حد لهذه الاخطاء التي لا تنتهي بحق العراقيين". واتهم القوات الاميركية بانتهاج سياسة متعمدة ضد مناطق السنة"التي خرج منها المقاومون ضد الاحتلال".