لا يفرّق بعض الفنانين بين ما يعتقده"نجاحاً"لأغنية معينة أو لكليب، والمستوى الفني لتلك الأغنية أو ذاك الكليب. فما أن تذاع الأغنية في أكثر من إذاعة بپ"دعم"إعلاني مدفوع الأجر طبعاً من الفنان نفسه، أو ما أن يُعرض الكليب ليوم أو يومين في فضائية أو أكثر، حتى يبدأ الكلام عن أن الأغنية"مكسّرة الأرض"بالتعبير الحرفي في"الشارع"الفني اللبناني والعربي، وأن الكليب يحتل أرفع المراتب في"ما يطلبه المشاهدون"تلفزيونياً، ويصبح تناول تلك الأغنية بالتشريح النقدي - هذا إذا احتملت تشريحاً - نوعاً من"الاساءة"الى الجمهور الذي أحبها في نظر الفنان! هذا هو بالضبط ما يحصل حالياً حيال أغنية"من تكون"وهي في الأصل للراحل عبدالحليم حافظ وقد أعادت تسجيلها المغنية نوال الزغبي ودفعت بها الى الاذاعات لم تصل بعد الى الكليب و"أكرمتها"إعلانياً في وسائل الإعلام اللبنانية وبعض العربية بحيث يمكن الاستماع اليها، من إذاعة واحدة، مرات عدة في اليوم الواحد. وهذه القاعدة ليس جديدة ولا هي مناختراع نوال الزغبي، بل تقليد إعلامي - فني بات من المسلّمات التي"لا يجوز"لفنان أن يتجاهلها عند كل جديد له، وألاّ فإن رفوف النسيان هو النتيجة الحتمية له. ومن"يدفع"أكثر تذاع له الأغاني أكثر، وهكذا... على المستوى الإعلاني تستطيع نوال الزغبي، طالما انها مقتنعة بأن أغنية"من تكون"تُعتبر اضافة الى رصيدها، أن تفعل ما تريد، بل أن تفرض الأغنية على الأسماع الإذاعية. لكن على المستوى الفني لا تستطيع الحملات الإعلانية - الإعلامية أن تغير من واقع رداءة الأداء الغنائي فيها شيئاً، ولا أن تبدل في حالات الضعف والوهن في تعامل نوال مع الأغنية كنص ولحن يرتبطان بالذاكرة. فالأغنية الآتية من الذاكرة تصبح أكثر حراجة وتطلباً إذا ما جاء بها صوت جديد قادر، فكيف إذا كان الصوت غير قادر على إيفائها حقها إن لجهة مستلزماتها كأغنية تحتاج إمكانات معينة في أصل الصوت"الجديد"الذي يؤديها، أو لجهة ما تستدعيه من الإحساس العاطفي الحار. ومعروف ان اداء عبدالحليم حافظ كان غاية في التعبير الجيّاش من حنجرة اعتمدت الرقة والعذوبة سبيلاً الى الوجود في زمن كانت الحناجر تعتمد القوة والصلابة، وغاية في الأمانة للحن المؤدى وللنوتات الموسيقية كما هي، أي كما ينبغي أن تكون. أما مع نوال الزغبي فإن نظرة متأنية لطريقة أدائها اغنية"من تكون"تكشف ببساطة مدى تحوّل الأغنية من شيء الى شيء آخر، بل من أغنية لعبدالحليم حافظ الى أغنية لنوال الزغبي. وإذا كان ضرورياً للفنان الجديد ان يعطي ما عنده هو عندما يؤدي اغنية لغيره من الأغاني القديمة، فإن نوال لم تستطع اعطاء أغنية"من تكون"متطلباتها اللحنية الأساسية فكيف بها تستطيع اعطاءها ما عندها هي كمغنية، أي اعطاءها ما يشكل شخصية جديدة أو نكهة جديدة عليها؟! لقد أنشدت نوال الزغبي أغنية"من تكون"بمزاج لا يناسب الأغنية أصلاً. ويمكن تبيُّن هذا الأمر بوضوح في مكان ما من الأغنية عندما تصل نوال الى مقطع"أخفي هواكِ عن العيون"فإنها تصرخ صوتاً"هاي..."كذاك الذي تصرخه في أغانيها بل يصرخه معظم الفنانين"الشباب"في أغانيهم عندما يريدون اثارة حماسة الجمهور الإيقاعية، وهذا المزاج الغنائي لا يمت الى عبدالحليم حافظ بصلة، ولا الى مستوى صورة عبدالحليم لدى الجمهور العربي. كما يمكن ملاحظة فارق المزاج العاطفي الأدائي بين حليم ونوال في الطبقات الصوتية المنخفضة في الأغنية"فحرصي عليك كحرص نفسي على الحياة لكي تطول..."، وفي بعض الحشرجات الأدائية التي أرادت بها نوال على ما يبدو إظهار قدرة على التصرف فإذا به تصرُّف أدائي ركيك ومهتز وسلبي، في وقت كانت نوال ربما قادرة على ان ترحم نفسها لو تفادت ذلك"حرصاً على نفسها"كما تقول كلمات الأغنية، بأن اجتهدت في ابقاء الأغنية بلا إضافات - حشرجات وقامت بواجباتها لا أكثر ولا أقل. أغلب الظن ان مقطع"أخفي هواكِ عن العيون"بلحنه الشعبي الجميل هو الذي دفع نوال الزغبي لأدء"من تكون"كاملة، ففي هذا المقطع بالذات يبرز جمال صوتها أكثر من أي مقطع آخر، بل أفضل من أي مقطع آخر. وأحسب انها لو اعتمدت الطبقة الصوتية التي أدت بها هذا المقطع في أي أغنية خاصة جديدة فسيكون ذلك مفيداً، وستكون لأغنية"من تكون"حسنة وحيدة هي انها دلت نوال على جملة لحنية تناسبها ويمكن"الاستفادة"منها. وليس أكثر من"الاستفادات"الجديدة من الأغاني القديمة"يفعلها"شباب الغناء والتلحين معتبرين انهم يفعلون من عنديّاتهم!