لم تبتعد المغنية نوال الزغبي في ألبومها الأخير "عينيك كذابين" عن النهج الذي اعتادت عليه، واعتاد الجمهور عليه أيضاً. وهي بعد الغيبة الطويلة نسبياً، والتي حفلت بالكثير من الاشاعات الصحية والفنية والشخصية، آثرت ألاّ تغادر منطقة الأمان التي يحرص عليها الفنانون عادة عندما يعثرون على أغنية ناجحة فيسعون في استمرار الى تكرارها في صيغ أخرى، وأحياناً في الصيغة ذاتها مع بعض التعديل علّهم في ذلك يحافظون على ما عثروا عليه. في "عينيك كذابين"، نوال الزغبي هي نوال الزغبي، وأغانيها هي أغانيها، على رغم ان الصوت ربما دخل مرحلة جديدة بدءاً من الألبوم السابق امتداداً الى الألبوم الحالي، وقد ظهر ذلك في بعض الأغاني، أو في بعض مقاطع الأغاني حتى الايقاعية منها، إذ ان النضج في الصوت لا يحتاج أحياناً كثيرة الى أغان صعبة حتى يظهر أو يعلن نفسه، ويكفي فقط بعض الجُمل اللحنية الجميلة أو بعض اللحظات الغنائية التي تنتمي الى التقنية الصوتية حتى تخرج الى ما تحت الشمس، مهارة الأداء. انها الخبرة المكثفة، والتمارين الغنائية الآتية من تكرار الحفلات والوقفات التلفزيونية، ونوال الزغبي في هذا المعنى حاضرة ومؤثرة. إذا كان المستمع يبحث عن جديد كامل في ألبوم "عينيك كذابين"، فهو بالتأكيد لن يحظى بالكثير، شيء من الجديد فقط، لكنه في لبوس قديم، أي في لبوس معروف عن نوال ذات الصوت "الشعبي" مع ان هذه التسمية ليست دقيقة لكنها الأقرب الى ايصال المعنى في سهولة. فالصوت "الشعبي" هو في معنى من المعاني الصوت الذي يستجيب مزاج الناس أو الذي يصنع مزاجهم احياناً، ونوال لم تصنع مزاج الناس، انها تستجيب ما يحب الناس قياساً بالمعادلات الفنية الرائجة. ومع انها قادرة على أكثر من ذلك، تراها تكتفي احساساً بالخشية ربما من التغيير، وهي تتحدث في استمرار عن التغيير كأنه هدفها الاستثنائي ويبدو في حديثها انها وصلت اليه! لقد تمكنت نوال الزغبي من ايجاد شخصية فنية لها على مدى عشرة "ألبومات" غنائية، الى درجة يمكن القول ان بعض المغنيات اللواتي ظهرن بعدها ونلن شهرة كبيرة تأثرن بها، وقدمن أغاني من فئة الأغاني التي تقدمها هي، بل بأسلوب الأداء الذي تؤدي به، وهي تعلم ذلك، وهذا كان ينبغي ان يشجعها على المغامرة لا على الاستقرار، ولا سيما ان امكانات صوتها مفتوحة، لكن ذلك لم يحصل. وفي حين استفادت نجمات غناء في السنتين الأخيرتين من تجربتها، لم تستفد هي من منطق الأمور الفنية الذي يقول ان الفنان مهدد اذا استقر ولم يركب الخطر الذي تحدث عنه أبو القاسم الشابي في قصيدته الشهيرة. ألبوم "عينيك كذابين" هو ركض في المساحة المعروفة من حياة نوال الزغبي الفنية. من يحبها كما هي، يحبه. من يطلب أكثر من ذلك قد يُفاجأ.