أغنية واحدة أو أغنيتان فقط لا غير من كل كاسيت... ويكتفي الفنان لنفسه بهما، أما بقية الأغاني فإلى الجحيم! هذه هي القاعدة المتبعة لدى معظم المطربين والمطربات في العالم العربي، الى درجة ان الجمهور الذي لا يقتني الكاسيت لا يكاد يعرف ما هي الأغاني الجديدة لهذا الفنان أو تلك الفنانة، حتى لو كان من متابعي برامج التلفزيون أو الاذاعات... لأن هذه البرامج لا تذيع ولا تعرض إلاّ الأغنية أو الأغنيتين اللتين طلبت جهة الانتاج أو الفنان التركيز عليهما. ولا يسمح حتى للمذيعيين باختيار ما يرونه جميلاً بأنفسهم، بعدما تحوّل الذوق الفني الى مسألة إجبارية تفرض فيها أنواع معيّنة أو أشكال معينة من الغناء، وبالثمن المطلوب. قد يسأل، قياساً إلى هذه القاعدة، جمهور كل فنّان: لماذا إذاً انتاج أكثر من الأغنيتين؟ ويأتي الجواب البديهي: لأن الجمهور اعتاد أن يسمع في كل كاسيت سبع أو ثماني أغان، ولا يجوز اختراق هذه العادة! فالقضية روتينية تماماً. أما الاعتماد الأساسي فعلى أغنيتين لا أكثر، تصوّران في "فيديو كليب"، وتغزوان البيوت والسهرات والأماكن العامة. والمعروف ان عدداً من المطربين والمطربات يحاول التنويع في نتاجه الغنائي، فتجد في شريطه الأغنية الشعبية الايقاعية، الى جانب الأغنية الرومنسية، الى جانب الكلاسيكية، الى آخره. لكن اهتمامه ينحصر في أغنية أو اثنتين، يجد هو - من البداية - انهما الأجمل في الكاسيت... وذلك قبل ان يسمعهما أحد، وقبل ان يسمع غيرهما أيضاً أحد. وهذه العملية تشبه القمع والمصادرة سلفاً. فمن قال لهذا المطرب أو تلك المطربة ان هذه الأغنية، دون غيرها، ستكون الأنجح؟ وإذا كان الفنان يعتمد على نسبة الانتشار، فإن رواج الأغنيات اليوم لا يتحكم به الذوق العام الحرّ، بل تتحكم به وسائل الإعلام التي تتلقى أوامر الفنان نفسه أو شركة الانتاج. وبالتالي يأتي الحكم على هذا الانتشار مغلوطاً. كاسيت نوال الزغبي الأخير "اللي تمنيته" لا يشذّ عن هذه القاعدة الغريبة. كأن كل الكاسيت أغنية "اللي تمنيته" التي تعرض على الشاشات، وتبث في الاذاعات، منفردةً وحيدة دون غيرها، مع انها من حيث مستوى كلماتها واللحن ليست أفضل من الأغاني الأخرى التي يتضمّنها الشريط. بل أن هناك ما هو أجمل منها شكلاً ومضموناً. ليس الجمهور عايز كده... الفنان عايز كده، ومعه شركات الانتاج. عبدالغني طليس