بعد مشهد الطفلة هدى غالية 12 عاما وهي تصرخ وتبكي أسرتها التي قتل معظم افرادها في مجزرة شاطئ بيت لاهيا التي قتل فيها ثمانية اشخاص الجمعة الماضي، سعت اسرائيل بكل الوسائل للتنصل من مسؤوليتها عن هذه الجريمة التي هزت العالم وأثارت غضبه واشمئزازه. واعتمدت وسائل اعلام اسرائيلية امس تسريبات من لجنة الفحص العسكرية التي شكلها وزير الدفاع عمير بيرتس غداة المجزرة، تقول ان الاستنتاجات تقود الى ان اسرائيل ليست مسؤولة عن مقتل المدنيين، وانهم قتلوا في انفجار لغم زرعته حركة"حماس"تحسباً لعمليات انزال محتملة لفرق كوماندوس اسرائيلية. لكن خبيراً عسكرياً يعمل لصالح منظمة حقوقية اميركية دولية مرموقة فند المزاعم وأكد بالدليل القاطع أن الدولة العبرية وجيشها مسؤولان عن هذه المجزرة. وقال الخبير الذي فضل عدم ذكر اسمه، على الأقل في الوقت الراهن، ان الانفجار ناجم عن قذيفة مدفعية اسرائيلية. ونقل مدير مؤسسة"الضمير"لحقوق الانسان خليل ابو شمالة عن الخبير الذي زار المكان وأجرى فحوصاً على الشظايا المستخرجة من أجسام الشهداء واستمع الى شهادات الشهود، تأكيده ان"استشهاد الأسرة غالية ناتج عن قصف من المدفعية الاسرائيلية". واضاف ابو شمالة ل"الحياة"ان الخبير العسكري الذي يزور قطاع غزة منذ أيام أكد ان"القذيفة التي قتلت عائلة غالية هي من عيار 155 ملمترا ويصل مداها الى 22 كيلومتراً". ورجح أبو شمالة ان تكون القذيفة اطلقت من الدبابات او منصات المدافع المنصوبة على حدود قطاع غزة الشمالية او الشرقية التي لا تبعد مسافة تزيد عن كيلومترات قليلة تتراوح بين كيلومترين الى ستة أو سبعة كيلومترات. وكان تردد ان القصف تم من البوارج الحربية الاسرائيلية كون القذيفة وقعت على الشاطئ. لكن الخبير العسكري اكد ان القذيفة ليست من البحر او الجو بل من قذيفة مدفعية. ودان ابو شمالة ما وصفه"محاولة التضليل التي تتبعها الحكومة الاسرائيلية الساعية دوماً لتبرير جرائمها في حق الاطفال والنساء والرضع الفلسطينيين". كما دان"موقف الحكومتين الاميركية والبريطانية اللتين تبديان دوماً تفهماً للجرائم الاسرائيلية، وتجدان مبررات لما يطلقون عليه دفاع اسرائيل عن نفسها"، في اشارة الى تصريحات اميركية وبريطانية في هذا الشأن. وطالب المجتمع الدولي بالتدخل من أجل وقف الانتهاكات الجسيمة ضد الفلسطينيين، وتشكيل لجنة تحقيق دولية في جرائم الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال الاسرائيلي، وهو ما طالب به ايضا الناطق باسم الحكومة الفلسطينية غازي حمد الذي دعا في تصريح الى"معاقبة اسرائيل على ما ترتكبه من مجازر متكررة يندى لها الجبين". وعلى رغم ان نتائج لجنة الفحص التي شكلتها اسرائيل لكشف ملابسات الانفجار، سُلمت الى قائد الجيش الجنرال دان حالوتس في ساعة متقدمة من ليل الاثنين - الثلثاء، الا ان الصحف العبرية ذكرت ان اللجنة استنتجت اعتماداً على شظايا أخرجت من أجساد ثلاثة مصابين فلسطينيين في الحادث عولجوا في اسرائيل،"ليست شظايا اسرائيلية"وأن الحفرة التي خلفها الانفجار ناجمة"على الأرجح"عن انفجار لغم وليس عن سقوط قذيفة. لكن وعلى رغم هذه الادعاءات، اشارت الصحف الى أن استنتاجات اللجنة"غير حاسمة"بل انها لا تستبعد تماماً احتمال ان تكون قذيفة اسرائيلية اطلقتها المدفعية تسببت في المأساة. وقال بيرتس أمس انه في حال اتضح ان مقتل المدنيين لم ينجم عن قذيفة اسرائيلية،"فسننتقل الى مرحلة حملة اعلامية على الصعيد الدولي بعد الاضرار التي ألحقها الحادث بسمعة اسرائيل"، مضيفاً انه يتوقع ان لا تصدق جهات دولية الرواية الاسرائيلية. وكانت الحكومة الاسرائيلية في جلستها الاحد الماضي تبنت موقفاً اعلامياً يشكك بأن تكون اسرائيل مسؤولة عن مجزرة الشاطئ، ما حدا برئيس الحكومة ايهود اولمرت الى رفض تقديم اعتذار للفلسطينيين، بل وجه تحية"كل الاحترام"لقادة الجيش الاسرائيلي وجنوده. وكانت صحيفة"هآرتس"وسيلة الاعلام العبرية الوحيدة التي شككت في نجاح"الحملة الاعلامية المضادة"التي تعد لها اسرائيل بهدف تبرئة ساحتها، وأشارت الى عدم"حزم"لجنة الفحص في استنتاجاتها والى ان الحديث هو عن"تقديرات"وليس عن"استنتاجات قاطعة". وكتبت ان لا مكان للمبالغة في أهمية هذه التقديرات"فكالعادة، الجيش هو الذي يفحص نفسه ويبرئ نفسه وليس لجنة تحقيق دولية أو حتى لجنة مدنية خارجية برئاسة قاض". وزادت ان الحكومة الاسرائيلية ستحاول استغلال ما سيصدر عن اللجنة اعلامياً على الساحة الداخلية، حيث يميل معظم الاسرائيليين الى تبني رواية اللجنة، وايضا على الساحتين الدولية"المنشغلة أكثر بمباريات المونديال"والفلسطينية. وكتب الأديب الاسرائيلي المعروف ب. ميخائيل في صحيفة"يديعوت احرونوت"يقول انه في غابة الكذب والمكائد التي تورط الجيش الاسرائيلي بها في السنوات الأخيرة"يجوز لنا أن نتعاطى مشككين ومتهكمين مما سمي تحقيقاً في مجزرة الشاطئ يراد منه تبرئة الجنود من تهمة قصف أرواح عائلة غالية. هذا ليس تحقيقاً بقدر ما هو كاريكاتير تحقيق لا يختلف كثيراً عن التحقيقات الأخرى التي حقق فيها الجيش مع نفسه أو لم يحقق بعد مقتل مئات المدنيين".