يشهد المغرب اليوم ولادة الجيل الجديد من القنوات التلفزيونية. واستعداداً لهذا الحدث تواصلت الإجراءات داخل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون لوضع آخر ترتيبات البيت الداخلي التنظيمية والهيكلية، لمواجهة المنافسة، خصوصاً ما يتعلق بسوق الإعلان. فطيلة عقود خلت، لم تكن الشركة تستفيد من عائدات الإعلانات، بل كانت الخزينة العامة للدولة، هي التي تتلقى أموال الفقرات الإعلانية. أما اليوم فتغيرت الأوضاع، ما من شأنه أن ينعكس بصورة مباشرة على الأجور ووضع المؤسسة المالية. ومن أساليب العمل الجديدة، التي ستسير عليها إدارة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، وضع تصورات واضحة للمهن المزاولة، وحل مشكلة العاملين الموقوفين عن العمل. أما بخصوص المتعاملين الخارجيين مع الشركة، فاقترح إبرام عقد مهني بينهم وبين الشركة، تحت قيادة فيصل العرايشي، الذي عينه العاهل المغربي الملك محمد السادس مديراً عاماً للقطب العمومي، الذي يضم شركة صورياد دوزيم القناة الثانية المغربية، والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون القناة الأولى. على صعيد آخر، أعلنت إدارة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون عن قرب إطلاق موقع إلكتروني لها على الإنترنت للتعريف بالمؤسسة، وذلك للمرة الأولى في تاريخ التلفزيون الرسمي المغربي، بالتوازي مع إنشاء مديرية للتواصل، والإعلان عن الهيكلية الجديدة للشركة خلال هذه الأيام. فالضغط أصبح كبيراً على إدارة الشركة بعد انتهاء جلسات استماع لجنة الهيئة العليا، للدفعة الأولى من حاملي المشاريع، من المستثمرين الراغبين في دخول مغامرة الإعلام السمعي البصري. ليكون بذلك المغرب، قد انتقل نهائياً، بحسب رئيس الهيئة أحمد غزالي، من مرحلة تدبير أحادي، أي وجود رقابة ذاتية، إلى مرحلة الحرية التي ستضمن المناخ المناسب لممارستها، في إطار من الالتزام والمسؤولية. من هنا يُستبعد التدخل في خط التحرير وشبكة البرامج في المؤسسات الجديدة. ما يعني أن الهيئة العليا ستجمعها علاقة، وصفها رئيسها أحمد غزالي، بالپ"بيداغوجية"تربوية، أكثر منها زجرية. وبذلك ستواجه الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون صعوبات كبيرة، وستفقد ما بقي لها من مشاهديها، الذين هجروها قبل سنوات، عندما غزت الهوائيات الرقمية سطوح المنازل المغربية، إذا لم تعمد إلى تغيير الخطاب والصورة، قبل فوات الأوان. مراهنات إنطلاقاً من هذا الواقع، تراهن رؤوس الأموال الفرنسية والإسبانية والإيطالية، على الضوء الأخضر للشروع في إنجاز مشاريعها، إلى جانب شركائها من المغاربة. فبحسب بعض التسريبات الإعلامية، قدّمت مشاريع قنوات تلفزيونية بلغ عددها 4، هي قناة"ريتمو"تلفزيون المتخصصة في الموسيقى والغناء، وقناة"كنال 3"الجهوية التي تغطي محوراً ممتداً من محافظة الدار البيضاء، إلى محافظة مراكش، جنوباً، في حال حصولها على ترخيص الهيئة، إضافة إلى قناة"تروا تي في"فيما تبقى قناة"ميدي 1 سات"، أكبر المشاريع، المقدمة إلى الهيئة، ومديرها هو أول من مر من جلسات الاستماع، أمام اللجنة المختصة في العاصمة الرباط. ومن المرتقب أن يكون مقرها في محافظة طنجة، أقصى شمال المغرب، تحت إدارة،"بيير كازالتا"، المدير الحالي لإذاعة"ميدي 1"، الفرنسي الجنسية، الذي قاد طيلة عقود، أنجح إذاعة في المغرب، منذ انطلاقتها مع بداية ثمانينات القرن العشرين. وتستفيد"ميدي 1 سات"من دعم فرنسي مباشر، وسبق التنويه بإذاعة"ميدي 1"، من الرئيس الفرنسي شخصياً داخل قصر الإليزيه، في باريس، ما يعني أن حظوظ"ميدي 1 سات"، تبقى قوية للحصول على ترخيص. وتحدثت مصادر صحافية عن تولي مرتقب للبناني بول حتي، مديرية الأخبار باللغة العربية، في"ميدي 1 سات"، حيث باشر اتصالاته مع مجموعة من الصحافيين المغاربة والعرب، المشتغلين في قنوات فضائية عربية، للانضمام إلى فريقه، خصوصاً أن الحديث جرى عن 31 تموز يوليو المقبل، موعداً لانطلاقة المحطة الفضائية. وبهذا فإن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، الإذاعة والتلفزيون المغربي سابقاً، التي ظلت لعقود مضرب مثل في الركود والرتابة الإعلامية والاجتهاد في إبراز الخطاب الرسمي وممارسة التعتيم وعدم تبديل الوجوه، تقف اليوم أمام محك التغيير، لتقود قاطرة إعلام بصيغة جديدة، فهي تخوض آخر لحظات مخاض ميلاد جديد، قد يمحو عنها خطايا عقود.