تناولت الحلقة الأولى من قصة صعود وانهيار العائلة التي ورثت الاتحاد السوفياتي، قضية وصول بيريزوفسكي الى قمة هرم السلطة السياسية والمالية وعلاقته بالرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، في حلقة اليوم تفاصيل أخرى عن علاقة البليونير الروسي برؤوس النظام الجديد في روسيا وصولاً الى فراره الى بريطانيا، وعلاقته بحرب الشيشان. مع حلول عام 1997، اي بعد مرور اقل من عام واحد على انتخابات الرئاسة التي فاز فيها يلتسن بصعوبة بعدما اضطر الى خوض جولة انتخابية ثانية مع منافسه غينادي زيوغانوف زعيم الحزب الشيوعي، كانت الاوضاع الاقتصادية في روسيا بلغت اسوأ مراحلها. وشهدت الفترة اللاحقة تصاعد الحملة من جانب المعارضتين اليسارية والقومية في روسيا ضد نشاط"العائلة"الذي بات يوصف بانه"مدمر لروسيا". واورد زيوغانوف في حديث الى"الحياة"تفاصيل بالارقام حول ما وصفه بانه"سياسة موجهة لتدمير مقدرات روسيا". وفي الوقت نفسه بدأت حركة محمومة لاطاحة يلتسن الذي وجهت اليه الغالبية البرلمانية المعارضة اتهامات ب"ابادة الشعب الروسي"وايصال روسيا الى حافة الانهيار والتمزق. وبحسب الارقام التي اوردها زيوغانوف، فإن 80 في المئة من الروس عانوا خلال النصف الثاني من عقد التسعينات من نقص حاد في ابسط متطلبات الحياة، ووصلت مستويات الفقر الى معدلات قياسية، اذ ان ثلثي سكان روسيا كانوا غير قادرين على تأمين دخل كاف لابسط مقومات الحياة او ما يعرف باسم"السلة الغذائية". وزاد مستوى البطالة على 50 في المئة في اوساط الشباب، فيما ارتفعت في شكل جنوني معدلات الجريمة العائدة لاسباب اقتصادية، اذ كانت ترتكب جريمة كل اربع ثوان في موسكو، إضافة الى جريمة فادحة قتل او اغتصاب كل 18 ثانية. ومن ضمن الارقام 4.5 مليون طفل بلا مأوى، أربعة مواليد من كل عشرة يموتون قبل اتمام عامهم الأول، 38 مليون روسي تحت مستوى خط الفقر، و... مليون نسمة ينقص عدد سكان روسيا سنوياً بسبب تفشي الامراض والتفاوت الحاد بين معدلات الولادة والوفاة، 90 في المئة من المجمعات الصناعية السوفياتية فككت وبيعت لعدد محدد من الاشخاص"، هذا على المستوى الاقتصادي. على الصعيد السياسي كان المركز الفيديرالي يدخل مواجهة ساخنة في عدد من الاقاليم التي سنت قوانين منفردة حملت عملياً اعلاناً مباشراً بالانفصال عن روسيا. وفقد الكرملين سيطرته في غالبية مناطق الوسط والشمال الروسي، ناهيك بمنطقة القوقاز في الجنوب التي دخلت في تلك الفترة حربها الثانية في الشيشان. باختصار كانت روسيا تقف على حافة انفجار شامل. فولوشين صانع القوانين و... الحروب كان الرئيس المقبل للديوان الرئاسي في روسيا قليل التحدث الى الصحافة. ومنذ تعيينه في منصبه غدا الشخص الاكثر نفوذاً في الكرملين لسنوات عدة، امسك خلالها بمفاتيح القرار في روسيا، وشارك مباشرة في صوغ اهم القرارات الاستراتيجية في البلاد. باختصار كان فولوشين شخصاً"ذا طاقات لا حدود لها"بحسب الوصف الذي اطلقه عليه بيريزوفسكي ذات يوم. وتشير معطيات متطابقة الى ان علاقات تعاون وشراكة ربطت بين الرجلين منذ مرحلة مبكرة جداً. ففي عام 1993 كان فولوشين يترأس اربع شركات تتعامل بالسهم والسندات النقدية كلها تأسست بالطريقة نفسها، وهي تابعة لمجموعة"لوغوفار"التي يملكها بيريزوفسكي. وبحسب نتائج تحقيقات اجرتها مؤسسات قانونية روسية في منتصف التسعينات من القرن الماضي، فان الرجلين اسسا عشرات الشركات المماثلة التي نشطت في تجميع الأسهم والسندات من سوق المال الروسية مقابل وعود لأصحابها بتحقيق ارباح خيالية. وطبيعي أن كثيرين لم يحصلوا على الأرباح الموعودة لكن الاموال التي دخلت الى الشركات التي كانت تظهر لبعض الوقت ثم"تتلاشى"صرفت على شراء عقارات وشركات تجارية اخرى من الدولة. ومع مرور اقل من عامين ظهرت مؤسسة"فيديرالنايا فوندافايا كوربوراتسيا"الصندوق الفيديرالي الروسي التي غدت العميل الاساسي الذي يقوم بعمليات الوساطة التجارية لبيع ممتلكات الدولة. وحققت هذه المؤسسة ارباحاً خيالية خلال فترة وجيزة لأن"البضاعة كانت جاهزة والزبائن جاهزون"بحسب وصف اقتصادي روسي ذكر ان فولوشين راكم خلال سنوات في منصبه ثروة تقدر بنحو خمسة بلايين دولار. في هذا الوقت كانت معدلات تأييد يلتسن في تراجع مستمر وبلغت ادنى مستوياتها مع حلول عام 1998 اذ لم تعد تزيد في افضل الاحوال على 2.5 الى 3 في المئة. وعلى برغم ذلك يشير مسؤول روسي آخر هو بوريس ميرونوف الذي شغل منصب وزير الاعلام عام 1995 لفترة قصيرة، الى ان"العائلة"كانت تعيش في عالم بعيد من الواقع الروسي، اذ تواصلت عمليات التخصيص العشوائية وطاولت مختلف قطاعات الاقتصاد الروسي. وتحولت روسيا بحسب تعبير ميرونوف، الى عدد من الاقطاعيات التي قُسّمت وفقاً لمناطق نفوذ المجموعات المالية الكبرى، في حين كان جنوبروسيا يعيش حال فوضى منقطعة النظير، بعدما تم التوصل الى اتفاق في عام 1996 لوقف اطلاق النار في الشيشان اعتبره الجنرالات الروس مخزياً، اذ نص عملياً على حصول الشيشانيين على استقلال اداري ومالي عن المركز الفيديرالي. وبدأت الادارة الشيشانية نشاطاً محموماً لاستغلال وضعها الجديد، فيما اتجهت الانظار الى قطاع النفط في الجمهورية الذي يشكل عموداً فقرياً للاقتصاد الروسي في منطقة القوقاز، وفي تلك الفترة ازداد نشاط"العائلة"في الجمهورية على نحو واسع، اذ قام بيريزوفسكي بسلسلة زيارات التقى خلالها القيادة المحلية، وبحسب ميرونوف فان مصير النفط الشيشاني وخطوط الامدادات الروسية التي تعبر العاصمة غروزني كانا العنصر الاساسي للبحث. ومع ان الموقف كان يزداد احتقاناً يوماً بعد يوم وبدأت تقارير روسية تتحدث عن احتمال تجدد القتال في كل لحظة، فإن"زيارات العمل"لم تنقطع في هذه الفترة التي شهدت مقتل عدد من الصحافيين الروس الذين فتحوا ملفات ساخنة تتعلق باستثمارات النفط في الشيشان ودور بوريس بيريزوفسكي في العلاقات مع المقاتلين الذين حصلوا جزئياً بعد توقيع اتفاق السلام على حرية الحركة. وتبع ذلك سلسلة اغتيالات طاولت برلمانيين روس وسياسيين كشفوا عن معارضتهم لما يجرى في الجمهورية. والمثير انه على رغم غموض الدور الذي قام به بيريزوفسكي في تلك الفترة وبرغم توجيه اتهامات جنائية مباشرة له في وقت لاحق بأنه أشرف بنفسه على سلسلة اعمال تصفية جسدية أجريت في الجمهورية، فإن يلتسن اصدر في آذار مارس 1997 مرسوماً بتعيينه في اللجنة الفيديرالية المكلفة البحث عن تسوية نهائية للوضع في الجمهورية. وحصل بيريزوفسكي بذلك على تفويض رسمي للقاء قادة المقاتلين وبينهم شامل باسايف وأصلان مسخادوف الذي انتخب لاحقاً رئيساً للجمهورية. ويقول ميرونوف ان بيريزوفسكي ضخ اموالاً طائلة في الجمهورية الشيشانية في تلك الفترة واقام علاقات وثيقة مع المقاتلين الشيشان تحدثت تقارير عن وجود علاقات وثيقة بين بيريزوفسكي وباسايف منذ الحرب الاولى 1994-1996. لكن أهم حدث لفت الانظار هو فضيحة التسجيلات الصوتية التي اعلن عنها مع بداية الحرب الشيشانية الثانية 1999، اذ كشفت النيابة العامة الروسية ان في حوزتها تسجيلات اجرتها اجهزة امنية يدور فيها حديث هاتفي بين بيريزوفسكي وباسايف حول دفعات مالية سددها الاول سابقاً، والأكثر إثارة ان تقارير ظهرت فجأة في تلك الفترة تحدثت عن لقاء سري جمع فولوشين الذي تسلم آنذاك منصب رئيس الديوان الرئاسي مع الزعيم الشيشاني شامل باسايف بتكليف من بيريزوفسكي. والواقع ان دور بيريزوفسكي وبقية افراد"العائلة"في الحرب الشيشانية يثير اسئلة كثيرة حتى يومنا هذا، وقد تعاملت السلطات الفيديرالية بحذر مبالغ فيه مع هذا الملف على رغم ان النيابة العامة كررت اكثر من مرة في ما بعد توجيه اتهامات مباشرة بضلوع بيريزوفسكي في تمويل الانفصاليين الشيشان. كما تحدثت اجهزة الاستخبارات الروسية عن توافر معلومات دقيقة في حوزتها حول هذا الموضوع، والأكيد ان كثيراً من التفاصيل المتعلقة بزيارات بيريزوفسكي المتتالية الى الشيشان"ما برحت حبيسة ادراج سرية، ولا ترغب السلطات حتى الان على الأقل في كشفها"، كما قال ميرونوف. المهم ان يلتسن استدرك سريعاً قراره السابق واصدر أمراً باقالة بيريزوفسكي من اللجنة الفيديرالية للمسألة الشيشانية، وحمل نص القرار الرئاسي صيغة غامضة اذ تحدث عن"تكليف بيريزوفسكي بمهمة اخرى"من دون ان يحدد طبيعتها. الشيشان : حرب تحت الطلب في آب أغسطس 1999 فجرت صحيفة"فيرسيا"الروسية فضيحة كبرى بعدما نشرت تفاصيل حول لقاء سري جرى في فيللا مملوكة لرجل اعمال عربي في فرنسا بحضور رئيس الديوان الرئاسي الروسي الكسندر فولوشين والزعيم الشيشاني المتطرف شامل باسايف"الارهابي الرقم واحد في روسيا"كما تصفه الاجهزة الامنية. ولم تكد تمضي ايام حتى اتضحت تفاصيل اللقاء الغريب، اذ تبين ان اجهزة الامن الفرنسية رصدت تحركات غريبة تجرى داخل الفيللا التي تقع في ضاحية بوليو في مدينة نياس. وبحسب المعطيات المنشورة فان عدداً من الاشخاص المعروفين للامن الفرنسي ترددوا اليها خلال ايام في شكل مكثف وبينهم رجال مال كبار من فنزويلا يشتبه بتورطهم في تزويد ثوار كولومبيا بالسلاح، وبليونير اسرائيلي الجنسية هو ياكوف كوسمان الذي اصطحب في احد الايام الى الفيللا ستة اشخاص عبروا الاراضي الفرنسية بجوازات سفر نمسوية وتعرف الامن الفرنسي على احدهم وهو معروف باسم تسفيبو ومتهم بالقيام بعمليات ابادة جماعية خلال الحرب الجورجية الابخازية التي انتهت عام 1992. ولفتت هذه التحركات انظار الامن الفرنسي ما دفعه الى وضع الفيللا تحت رقابة صارمة خلال ثلاثة أسابيع وتصوير زوارها خصوصاً بعدما اتضح ان اثنين من الضيوف الستة هما وزير دفاع ابخازيا السابق سلطان سوسنانييف ومستشار مدير مجمع"ميغا"لتصنيع الطائرات الحربية انطون سوريكوف. لكن المفاجأة الكبرى وقعت بعد ذلك بايام وخصوصاً في 3 تموز يوليو اذ وصل شخصان على متن يخت آتيين من يالطا ويحملان جوازي سفر بريطانيين، وتم التعرف فوراً الى احدهما واسمه محمد وهو مستشار سابق في تركيا ومعروف بانه من قيادات المجموعات الاسلامية المتطرفة فيها، اما الثاني فكان... شامل باسايف نفسه. ودعا هذا التطور الى تشديد الرقابة حول الفيللا بعدما كانت الاجهزة الخاصة تمكنت من زرع اجهزة تصوير داخلها. وفي اليوم التالي وصلت طائرة خاصة من موسكو خرج منها راكب واحد هو فولوشين الذي توجه فوراً الى الفيللا نفسها وقضى فيها بضع ساعات ثم غادر فرنسا عائداً الى موسكو. وعلى رغم توافر المعلومات حول اللقاء السري عند اجهزة الامن الفرنسية والروسية والاسرائيلية بحسب تأكيدات الصحيفة آنذاك، فإن الموضوع لم يطرح في شكل علني الا بعد مرور سنوات على اللقاء الذي بقيت تفاصيل المناقشات التي دارت خلاله مجهولة. لكن الأهم انه لم يكد يمر شهر بعد ذلك حتى شن المقاتلون الشيشان هجوماً مباغتاً في المناطق الجبلية من داغستان واحتلوا اجزاء منها في تطور اثار استغراب كثيرين لأنه شكل استفزازاً مباشراً لموسكو التي لم تتدخل في شؤون الجمهورية الشيشانية منذ توقيع اتفاق وقف اطلاق النار قبل نحو عامين من ذلك. واسفر هذا التطور عن توجيه حملة عسكرية روسية قوية الى شمال القوقاز حملت اسم"حملة مكافحة الارهاب"او بعبارة اخرى: الحرب القوقازية الثانية التي ما زالت تداعياتها متواصلة الى الآن. ويربط بعضهم في موسكو بين هذا التطور واستقالة سيرغي ستيباشين رئيس الوزراء الروسي انذاك بعد اسابيع، وتعيين فلاديمير بوتين الذي كان رئيساً لهيئة وزارة الأمن الفيديرالي خلفاً له، ما فتح المجال بعد اقل من عام لاستقالة يلتسن وظهور الرئيس الروسي الجديد بقوة. والمثير في كل هذا ان بيريزوفسكي، الذي يحمل الجنسية الاسرائيلية ويعيش في بريطانيا بصفة لاجئ سياسي، تعمد في وقت لاحق بعدما فر من موسكو وبدأ مواجهة قوية مع الكرملين ان يكرر في لقاءات صحافية عدة انه"ساعد بوتين على الوصول الى السلطة"وان الاخير تنكر له. بوريس بيريزوفسكي ... لاجئ سياسي بدأت الانظار تتجه بقوة الى نشاط بيريزوفسكي في نهاية عام 1997 على رغم ان اتهامات بالفساد عدة كانت تتردد على السنة كثيرين قبل ذلك من دون ان تجد لها صدى لدى الدوائر القضائية، والمثير ان اول الاتهامات وجهت الى الرجل لم تكن على خلفية نشاط مالي بل سياسي. ففي الشهر الأخير من عام 1997 وجه مجلس الفيديرالية الشيوخ الروسي رسالة الى الرئيس طالب فيها بإقالة بيريزوفسكي من منصبه كنائب لسكرتير الأمن القومي بسبب"التحركات المشبوهة التي يقوم بها في القوقاز"، وخصوصاً ما يتعلق باستغلال منصبه لتوجيه دعوات"بتسليح ابناء مناطق قوقازية وتحريضهم ضد الشيشانيين". ولم يكد يمضي شهران حتى اتخذت لجنة الأمن في مجلس الدوما البرلمان توصية تدعم رأي"الشيوخ"وتضيف سبباً آخر يقضي بتنحية بيريزوفسكي، كونه يحمل الجنسية الاسرائيلية. واللافت ان بيريزوفسكي كان حصل على جنسية الدولة العبرية منذ العام 1993 واعتبر كثيرون بعد ذلك انه كان يسعى الى ضمان حصانة من الملاحقة في حال جرت الأمور كما لا تشتهي السفن. لكن طوال السنوات المقبلة لم يثر استغراب أحد ان نائب سكرتير مجلس الأمن يحمل جنسية دولة أخرى! اما بداية الملاحقات القضائية فقد جاءت بعد فضيحة غسيل الأموال في المصارف الغربية التي أثارتها أجهزة أمن في الولاياتالمتحدة، وفتحت النيابة العامة الروسية أول ملف ضد الرجل في نيسان ابريل العام 1999 لكنها أخفقت في ملاحقته اذ لم يلبث ان اغلق التحقيق مرات عدة قبل ان يوجه في عام 2002 اتهام رسمي للرجل بالسرقة واختلاس أموال الدولة والنصب والاحتيال ولاحقاً بالتورط في عمليات اغتيال. لكن بيريزوفسكي كان في هذا الوقت حصل على حق اللجوء السياسي في بريطانيا بصفته"معارضاً للنظام الديكتاتوري"كما أعلن بنفسه عندما أسس من منفاه حزب"روسيا الليبرالية"وغدا اسمه بيريزوفسكي بلاتون يلينين وهو الاسم المسجل في جواز سفره الاسرائيلي. وقاد"يلينين"نشاطاً سياسياً واسعاً من مقر إقامته في لندن وظهرت أصابعه في كل تحرك كبير شهدته روسيا ومحيطها بدءاً بتوسيع رقعة المعركة في القوقاز عبر تزايد هجمات الانفصاليين في جمهوريات قوقازية محيطة بالشيشان، وصولاً الى"الثورة البرتقالية"في اوكرانيا، اذ كشف انشقاق بين القوى"البرتقالية"ان الرجل موّل عدداً من أطراف الثورة بحسب اتهامات تبادلتها اجنحة السلطة في وقت لاحق. والمثير ان الرجل الذي تفاخر بأنه جاء ببوتين عام 1999، ركز حملة قوية ضده وسعى الى إعادة تجميع أركان"العائلة"لمواجهة نفوذ بوتين المتصاعد، إذ وجه رسالة العام الماضي الى يلتسن دعاه فيها الى"الخروج من صمته"و"توحيد الجهود الديموقراطية من أجل مستقبل روسيا". ما الذي بقي من "العائلة" ؟ جاءت الاستقالة المفاجئة للرئيس يلتسن في اليوم الأخير من عام 1999 بمثابة هدية رأس السنة الميلادية بالنسبة الى كثيرين في روسيا، فالرئيس استبدل التهنئة التقليدية بأن"قدم اعتذاراً ورحل"بحسب تعبير مسؤول روسي. وتحدث كثيرون عن صفقة عقدها يلتسن مع"خليفته"تضمن بألا يقوم الاخير بأي تغيرات جذرية خلال السنوات الأربع المقبلة على الأقل، وألا يتعرض الرئيس السابق وأفراد عائلته لأي نوع من الملاحقة. والأكيد ان بوتين حافظ على وعده لفترة معينة اذ على رغم شروعه في برامج إعادة الإصلاح وبناء هياكل الدولة، والملاحقات القضائية التي طاولت خلال ولايته الأولى عدداً من"حيتان المال"، لم يتعرض لاركان السلطة السابقة. لكن نفوذ افراد"العائلة"تراجع على نحو ملموس بدءاً من العام 2002. تاتيانا دوتشينكو ابنة يلتسن وأحد أقطاب"العائلة": اضطرت الى خوض صراع مرير من اجل الحفاظ على بعض مكتسباتها ونشطت رسمياً بدءاً من العام 2002 في مجال البرامج التلفزيونية الدعائية، مستغلة علاقاتها الوثيقة مع أحد أفراد"العائلة"السابقين وهو وزير الإعلام ميخائيل ليسين، لكن الأخير لم يلبث ان تخلى عنها في مسعى لتثبيت مواقعه مع السلطة الجديدة. وتدور إشاعات في روسيا حالياً حول نشاط تاتيانا في مجال دفن المخلفات النووية ويربط بعضهم بين هذا النشاط وتعاونها مع وزير الطاقة الروسي السابق يفغيني اداموف الذي كان جزءاً من تركيبة السلطة السابقة وسجل عهده"انجازاً"تمثل في إقرار قانون يسمح باستيراد النفايات النووية ودفنها في روسيا. وأقيل من منصبه عام 2001 بعدما تزايدت الضغوط ضده، وتلقى تهديدات بإحالته الى المحاكمة بتهم مختلفة بينها استخدام السلطات بطرق غير مشروعة. رومان ابراموفيتش: ابرز"حيتان المال"في روسيا حالياً وصُنّف أخيراً كأغنى اغنياء البلاد متفوقاً على البليونير ميخائيل خودوركوفسكي الذي يمضي فترة عقوبته في أحد سجون روسيا لتهم فساد وسرقة. وتمكن ابراموفيتش من تحقيق نجاحات عدة خلال السنوات الأخيرة فهو ضاعف ثروته مرات عدة وغدا ح اكماً لإقليم كامتشاتكا أحد أغنى الأقاليم في روسيا بثرواته، وحافظ على علاقات تعاون مع السلطة الجديدة مكنته من مواصلة نشاطه المالي من دون التعرض لمضايقات. وهو يملك حالياً شركة"سيب نفط"العملاقة ويسيطر على غالبية اسهم مؤسسة"ايروفلوت"إضافة الى عدد من الشركات الكبرى. ميخائيل كاسيانوف: انتقل الى مرحلة الترقب السياسي في بداية عام 2004 بعد اقالته من رئاسة الحكومة، وشكل حزباً يمينياً معارضاً يسعى الى توحيد"القوى الديموقراطية"في روسيا لمواجهة النظام الحالي. ويعتبر كثيرون ان كاسيانوف يمكن ان يكون مرشح القوى الليبرالية لانتخابات الرئاسة المقبلة عام 2008. واللافت ان محاولات أجريت بعد مغادرته منصبه لفتح تحقيق قضائي ضده بتهم استغلال سلطاته للاستيلاء على اموال الدولة، لكن ملف التحقيق لم يلبث ان اغلق بعد اسابيع على تحريك الدعوة القضائية. اما الكسندر فولوشين ابرز زعماء"العائلة"، فلم يعد اسمه يذكر في استطلاعات الرأي العام حول الشخصيات النافذة في روسيا، ويرجح كثيرون ان الرجل الذي كان يفضل دائماً العمل من وراء الستار، انصرف الى إدارة مشاريع مالية بصمت بعيداً عن الإضواء. وعلى رغم ان وجوهاً كثيرة من أصحاب النفوذ في السابق غابت عن شاشات التلفزة في شكل شبه نهائي، فإنها ما برحت تظهر بين الحين والآخر في مناسبات مختلفة من بينها مثلاً الاحتفال بعيد ميلاد الرئيس يلتسن الذي يقضي وقته في أحد قصور الدولة الذي مُنح له بعد تقاعده.