تضاربت التكهنات حول أسباب وفاة الثري اليهودي الروسي بوريس بيريزوفسكي في منزله في بريطانيا نهاية الاسبوع الماضي. وراوحت الترجيحات بين تورط للإستخبارات الروسية في ذلك، باعتبار ان بيريزوفسكي من ألد أعداء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبين احتمال وفاته بأزمة قلبية او انتحاراً بعد خسارته دعوى قضائية بملايين الدولارات. لكن تقارير لمّحت أمس، الى حياة بيريزوفسكي الصاخبة، واستقدامه بشكل متكرر غانيات مراهقات لإشباع شهواته، ما أتاح ترجيح نظرية وفاته بنوبة قلبية. وعلى أي حال، فإن موت الثري اليهودي الذي حكم روسيا لسنوات من وراء ستار، تكون الأبواب احكمت على مستودع كامل من أسرار واحدة من أعقد حلقات التاريخ الروسي المعاصر، ذلك ان بوريس ابراموفيتش بيريزوفسكي، لم يكن فقط العدو الشخصي اللدود للرئيس بوتين، بل كان اكثر الشخصيات قوة ونفوذاً وإثارة للجدل في مرحلة ما بعد انهيار الدولة السوفياتية، وصنع من العداوات والصداقات ما جعل كثيرين يتمنون موته، وآخرين يتحسسون رؤوسهم بعد الإعلان أخيراً، عن وفاته الغامضة في أحد قصوره قرب لندن. والرجل الذي قال عنه ل «الحياة» ذات يوم، وزير الإعلام السابق بوريس ميرونوف بأنه كان لا يهاب في جلساته المغلقة من المفاخرة بأنه قادر على خلع رئيس وتنصيب آخر، مات بعيداً عن امبراطوريته المالية، ومحبطاً وملاحقاً من الدائنين وخائفاً من عيون رجال الاستخبارات. لم يكن كثيرون في روسيا يتوقعون تلك النهاية ل «العراب»، وهي الصفة التي لازمته خلال حكم «العائلة» لروسيا. والمقصود المجموعة الصغيرة من المقربين إلى الرئيس السابق بوريس يلتسن التي حكمت روسيا لسنوات، تقاسمت فيها خيرات البلاد في ظروف الخصخصة العشوائية والفوضى التي كادت أن تؤدي إلى انهيار الدولة وتفكيكها قبل وصول ضابط الاستخبارات السابق فلاديمير بوتين إلى الحكم، في العام 2000 وبدء مرحلة تصفية نفوذ الأوليغارشية وملاحقة نفوذها. قبل ذلك كان بوريس بيريزوفسكي صاحب السلطان والتأثير على كل مفاتيح القرار في البلاد. وتنقل الرجل الذي بدأ مشوار صعوده الصاروخي بنيل الجنسية الإسرائيلية في العام 1993 بين عدد من المناصب الرسمية الحساسة، مستخدما وجوده في كل موقع لتعزيز مشروع بناء امبراطوريته المالية الضخمة من وراء ستار. فهو أطلق في العام 1994 مشروع «آفا» المعروف بإسم «السيارة الشعبية للمواطن» الذي شكل حجر أساس لثروة خرافية جمعها خلال سنوات بعد ذلك. وفي العام التالي ساهم في تأسيس اضخم مؤسسة تلفزيونية روسية: «أو آر تي» وانطلق منها ليمتلك امبراطورية اعلامية ضخمة. ودخل عالم النفط مالكا لأسهم شركة صغيرة ما لبثت أن تحولت إلى عملاق نفطي. ولم يبتعد عن السياسة لحظة، فهو في الكرملين «راسبوتين» العصر، وخارجه تنقل بين مناصب بينها نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، ثم مديرا تنفيذيا لرابطة الدول المستقلة. ولعب دورا غامضا في الحرب الشيشانية فهو من جانب تولى مسؤولية الملف في مجلس الأمن الروسي، ومن جانب آخر اتضح أن له أصابع في تمويل المتمردين الشيشانيين، بحسب تسجيلات سربها النائب العام الروسي تظهر محادثات له عن مسألة التمويل مع أمير الحرب شامل باسايف. وكانت النتيجة بعد التسريب أن دفع النائب العام وظيفته ثمنا، وكاد أن يدفع رأسه. ومن بين الأسرار التي قد تكون صفحتها طويت إلى الأبد مع موت الرجل، الخلاف الحاد مع بوتين الذي أدى إلى فرار بيريزوفسكي من البلاد وطلبه اللجوء السياسي في بريطانيا. إذ لا يمكن لأحد أن يعرف بدقة متى ولماذا اتسعت هوة الخلاف بين الرجلين إلى هذه الدرجة، خصوصاً ان بيريزوفسكي ردد أكثر من مرة مقولة تفيد بأنه لعب الدور الأساس في وصول بوتين إلى الكرملين، قبل ان ينقلب الطرفان في مواقفهما، لدرجة وصلت إلى قيام بيريزوفسكي بتمويل عميل جهاز الاستخبارات الروسي السابق الكسندر ليتفينينكو الذي قتل بعد ذلك في لندن بمادة مشعة، تاركاً الكتاب الذي دفع حياته ثمناً كما يقول مقربون والمقصود كتاب «الاستخبارات فجرت روسيا» الذي يتهم بوتين مباشرة بتدبير سلسلة التفجيرات التي استهدفت مباني سكنية في مدن روسية عدة بين 1990و2001 وأسفرت عن تعزيز قبضة الأمن على البلاد. في المقابل غدا بيريزوفسكي ملاحقاً قضائياً في روسيا بعد ادانته بعدد من جرائم السرقة والاختلاس والاحتيال، ثم تدبير مؤامرة لقلب نظام الحكم بطريق استخدام القوة. ومع الأسرار التي طويت ذهبت تفاصيل الانقلاب الذي شهدته علاقات بيريزوفسكي مع صديقه السابق وحليف بوتين اللاحق الثري رومان ابراموفيتش الذي تمكن من الفوز بنصيب الأسد من ثروة بيريزوفسكي بعدما ربح قضية شركة النفط العملاقة «سيب نفط» أمام المحاكم البريطانية دافعاً بيريزوفسكي نحو حافة الافلاس. مات «الإمبراطور» ملاحقاً ومحبطاً وشبه مفلس في بريطانيا. ومهما حاول مقربون منه الإيحاء بأن أصابع الاستخبارات الروسية كانت تحوم حول قصره، لكن إثبات فرضية اغتياله تبدو مهمة صعبة أمام رجال الشرطة البريطانية.