لماذا رفعت الحكومة العراقية أسعار المشتقات النفطية ولمصلحة من؟ ولماذا في هذه الظروف؟ وما هي آثار الدعم على أداء الحكومة في مجال الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية على سبيل المثال؟ هل تشمل سياسة الدعم دول الجوار وتثري المهربين؟ وهل أمنت الدولة الحماية للفقراء من تداعيات ارتفاع أسعار المشتقات النفطية؟ هذه الأسئلة التي تتداولها فئات واسعة من الشعب العراقي، أجاب عنها وكيل وزارة المال العراقية كمال البصري، في حديث شامل مع"الحياة"، استهله بالقول، ان سياسة دعم أسعار المشتقات النفطية التي اخذت بها الحكومة السابقة، جزء من نهجها القائم على التخطيط المركزي لموارد الدولة. ولا شك في ان التجارب أثبتت عدم قدرة هذا النهج على تحقيق المصلحة العامة، على رغم انسانية ونبل منطلقاته، حيث لجأت دول كثيرة إلى استبداله بنهج يعتمد على آلية السوق في تخصيص الموارد. وعلى رغم قدرة آلية السوق في تحقيق كفاءة الإنتاج، الا أنها لا تضمن عدالة توزيع الدخل الوطني، ما يتطلب تدخل الدولة من حين إلى آخر لمعالجة الوضع. وأوضح ان سياسة الدعم هذه، تغلغل فيها الفساد فحصلت عمليات تهريب المشتقات النفطية إلى دول الجوار، بسبب فارق السعر والتوزيع غير العادل للدخل الوطني حيث الطبقة الغنية نسبياً هي الأكثر استفادة، وتشوه هيكل الأسعار، ومن ثم تعطل مؤشر الجدوى الإقتصادية بمعنى ان الأسعار لا تعكس الكلفة الحقيقية، وغياب سياسة ترشيد استخدام المشتقات النفطية، وبالتالي زيادة الطلب على إمكانات الإنتاج المحلي، ما أدى إلى استيراد المشتقات النفطية من دول الجوار. 500 مليون دولار شهرياً لاستيراد المنتجات وأضاف أن المعدل الشهري لانفاق العراق على استيراد المشتقات النفطية بلغ خلال عام 2005، نحو 500 مليون دولار،پإضافة إلى الإسراف في موارد الدولة على حساب دعم الخدمات الأساسية للمجتمع كالصحة، ومن ثم حدوث عجز في موازنة الدولة، فأصبح التوسع في تلبية حاجة المواطن في مجال الخدمات العامة أمراً شبه مستحيل. وتفاقم الوضع مع غياب الحافز الاقتصادي لدى القطاع الخاص، للتصدي لمشكلة النقص في المشتقات النفطية الذي تعاني منه السوق. وعرض البصري رسوماً إحصائية تعكس المشكلة، أوضحت التباين الحاد في أسعار البنزين لمجموعة من الدول المجاورة، الأمر الذي يفسر حالة النهب التي يعاني منها الاقتصاد العراقي. كما تتضح في رسم آخر، نسبة الدعم الحكومي المكلف، ونسبة ما يدفعه المستهلك إلى كلفة الإنتاج.پوقال ان التفاوت في النسب يشجع على زيادة الطلب، ومن ثم الإسراف والتهريب، الذي يترتب عليه مخصصات مالية كبيرة، تشكل عبئاً مالياً على حساب الخدمات الرئيسة، التي ينبغي على الدولة القيام بها والمتمثلة في خدمات البنية التحتية. وعليه فلا عجب ان تكون نفقات استيراد المشتقات النفطية تشكل 24 في المئة من إجمالي النفقات التحولية والدعم الكلي للمشتقات هو بحدود 12 تريليون دينار، ويشمل دعم أسعار المشتقات المنتجة داخلياً والمستوردة، إضافة إلى القيمة العالمية للنفط الخام، كما يترتب على هذا الإسراف عجز في موازنة الدولة، في وقت يصعب على العراق معالجته من طريق الديون. وغالباً ما يسدد من طريق سحب المخصصات الاستثمارية، وهذا ما حصل فعلاً عندما اضطرت وزارة النفطپ عام 2005 الى تمويل استيراد المشتقات النفطية. تزايد نفقات الدعم وشدد على ضرورة معالجة هذه المشكلة، لأن آثارها بليغة على الفرد والدولة، وتمنع تطوير الاقتصاد العراقي، وتعمق معاناة المواطن اليومية في الحصول على الخدمات الضرورية، مشيراً إلى ان الدولة خصصت عام 2005 نحو 12 تريليون دينار لدعم أسعار المشتقات النفطية، وأربع تريليونات للبطاقة التموينية وترليونين للقطاع الصحيپوالتربية والتعليم، واقل من 0.5پترليون لقطاع البلديات والأشغال. ولفت إلى ان ضعف المخصصات المالية للقطاعات الخدمية الأساسية سببه محدودية موارد الدولة، حيث 90 في المئة منها من عائدات النفط الخام، فيما قدرة العراق التصديرية لا تتجاوز 1.6 مليون برميل يومياً. ومن هنا ضرورة زيادة الاستثمار في قطاع النفط، بهدف زيادة الإنتاج والتصدير. وقال ان ضرورات الإصلاح تتجلى اكثر، عند النظر إلى حصة المواطن من المخصصات الحكومية، مع حرصها على إعطاء أولوية للإنفاق على المشتقات النفطية، حيث تبلغ حصة الفرد 477 ألف دينار عام 2005،پ وبدرجة اقل في الحصة التموينية حيث تبلغ 144 ألف دينار، و70 و58 و18 ألف دينار لكل من التربية والتعليم والصحة وقطاع البلديات، متسائلاً عما إذا كان هذا التوزيع يرضي تطلعات الفرد العراقي. خيارات وبدائل ورأى ان الدولة والمجتمع أمام خيارين لا ثالث لهما:پ إما الاستمرار على نمط الإنفاق الحالي،پأو البحث عن بديل آخر."ولا شك في ان البديل الذي اختارته الدولة برفع الدعم بشكل تدريجي، هو خيار صائب وخطوة شجاعة لتصحيح أخطاء الماضي". كما ان هذه السياسة الإصلاحية تتوافق مع دعوة صندوق النقد الدولي حول متطلبات إصلاح الاقتصاد العراقي، ودمجه مع الاقتصاد الدولي. وأشار إلى ان نادي الدول المدينة اشترط، لإلغاء 80 في المئة من الديون العراقية، نيل العراق ثقة صندوق النقد الدولي، من خلال توقيع اتفاقات المساعدة والدعم المتمثلة باتفاقپ"يبكا"، الذي أبرم في تشرين الثاني نوفمبر 2004،پواتفاق الترتيبات الجاهزة الذي دخل حيز التطبيق في 23 كانون الاول ديسمبر 2005. وأوضح ان الاتفاقين مكنا من خصم الديونپالعراقية المتصلةپبدول نادي باريس وبمقدار 30 في المئة، عند توقيع الاتفاق الاول و30 في المئة في الاتفاق الثاني. أما إلغاء ال 20 في المئة الباقية فيحصل عليه العراق بعد 15 شهراً من الاتفاق الثاني، بشرط استمرار الحكومة العراقية في إصلاحاتها الاقتصادية وتطبيق آليات الاقتصاد الحر، وإلغاء السياسات المرتبطة بالتخطيط المركزي، وفسحپالمجال أمام القطاع الخاص ليحل محل القطاع العام، وتقليل العجز في موازنة الدولة من خلال ربط الإنفاق بالإيرادات، واتباع أساليب وضع الحسابات وفق المعايير الدولية. وأشار إلى بعض الصعوبات في الوفاء بتلك التعهدات الدولية. ولفت إلى ان تحرير الأسعار له منافع أخرى للاقتصاد العراقي، لكن الإقدام عليه يتطلب مقدمات ضرورية، لضمان نجاح برنامج الإصلاح، أهمها كيفية الحفاظ على القوة الشرائية للفقراء في مواجهة ارتفاع أسعار المشتقات النفطية. وأضاف:"لا شك في ان تعديل أسعار المشتقات النفطية، سيؤدي إلى رفع أسعار السلع والخدمات في شكل مباشر أو غير مباشر، ما يؤثر في القوة الشرائية للأفراد، ومن ثم ينبغي على الدولة معالجة الأمر بالنسبة الى الفقراء واصحاب الدخل الضئيل. لذلك، وبالتعاون مع المنظمات الدولية المهتمة بالوضع الاقتصادي، صمم برنامج يتعامل مع مسألة الفقراء والعاطلين من العمل، سمي برنامج"شبكة الحماية الاجتماعية"، يتوقع ان يشمل نحو مليون عائلة، خصصت لها وزارة المال في موازنة عام 2006، 500 بليون دينارپ340 مليون دولار، يبدأ العمل بها في كانون الاول ديسمبر المقبل. ويتضمن البرنامج أيضاً تقديم خدمات أخرى مثل التدريب المهني والمساعدة في الحصول على فرص العمل، كما يتضمن مدفوعات نقدية للعائلة تصل إلى 120 ألف دينار، على ان يعاد النظر في قيمة المساعدات النقدية، كل ثلاثة شهور، وفقاً لمعدلات التضخم.