على رغم كل المآخذ السلبية التي يمكن تسجيلها على"روتانا - طرب"تظل هذه القناة من أفضل"الفضائيات"الغنائية في العالم العربي. فهي أخذت على عاتقها مهمة إحياء الذاكرة الغنائية الجماعية عبر بثها أغنيات تعود الى العصر الذهبي للأغنية العربية الذي يبدو أنه ولّى الى غير رجعة. أم كلثوم، أسمهان، نجاة الصغيرة، فيروز، محمد عبدالوهاب، عبدالحليم حافظ، فريد الأطرش وسواهم من رواد الطرب العربي ومن أصحاب الأصوات البديعة... يشاهدهم الجمهور الفضائي في أغنيات منفردة وفي حفلات جميلة تذكّر بذائقة الجمهور السابق وثقافته ولطافته وتهذيبه... وأحياناً تكون الحفلات استثنائية جداً فتقدم أم كلثوم مثلاً في اداء مجهول لإحدى أغانيها، وهو طبعاً اداء حيّ تتفاعل المطربة الكبيرة مع الجمهور مباشرة. أتحدث عن"روتانا - طرب"ليس لأنها القناة المثالية، فهي تقدم أحياناً أصواتاً رديئة تقلّد الأصوات العظيمة وفي ظن القناة أن الطرب طرب أياً كان المطرب أو المطربة، وهذا مأخذ سلبي جداً يمكن تسجيله على هذه المحطة التي قد يبدو أرشيفها ناقصاً على مستوى الأغنيات القديمة والحفلات، ما يحملها على تقديم الأصوات الجديدة مقلّدة - ومشوّهة في أحيان - أصوات المطربات والمطربين الكبار. أتحدث عن"روتانا - طرب"لأنني شاهدت قبل أيام المطربة سميرة توفيق تؤدي باقة من أغنياتها الجميلة. وكانت تلك الإطلالة تحية الى هذه المطربة الأصيلة التي غابت عن الشاشات الصغيرة والحفلات منسحبة الى عزلتها، بعدما أدركت أنها لن تضيف أي جديد الى تراثها الذي رسّخته بموهبتها وصوتها وأدائها الرائع. تذكرت - ومثلي الكثيرون من المشاهدين - هذه المطربة التي تحترم نفسها وتحترم فنها وقد آثرت التواري عن أنظار الجمهور حرصاً منها على صورتها الجميلة التي يملكها هذا الجمهور عنها. مطربة حقيقية، وحضورها الذي كان لها طوال سنوات، سيظل على إشراقته وستظل أغنياتها على أصالتها ورواجها. بل ان الجمهور سيتوق اليها أكثر فأكثر، لأنها رفضت أن تظهر في صورة تختلف عن الصورة السابقة. تستحق فعلاً سميرة توفيق، هذه المطربة التي عرفت متى تعتزل الفن وكيف تعتزله، تستحق ألف تحية من جمهورها اللبناني والعربي الكبير الذي يفتقدها ويفتقد من خلالها صوتاً واداء ومدرسة في الطرب، نادرة وراسخة.