في ذكرى رحيلها الثلاثين، وجهت عمّان تحية غنائية إلى روح كوكب الشرق، أم كلثوم، أحيتها المطربة المصرية ريهام عبد الحكيم والفنانة الأردنية غادة عباسي، صاحبة المركز الأول في مهرجان الأغنية الأردني في نسخته الأخيرة. والحفلة التي استمرت ساعتين تقريباً، على مسرح قصر الثقافة في المدينة الرياضية أول من أمس، اختصرت عوالم أم كلثوم الغنائية المنوعة بست أغنيات فقط، قدمتها مناصفة عبدالحكيم وعباسي اللتان أطربتا الحضور الكثيف بمرافقة نحو خمسين عازفاً ومنشداً من أوركسترا المعهد الوطني للموسيقى بقيادة المايسترو محمد عثمان صديق. وكان اختيار عباسي لمشاركة ريهام عبد الحكيم في غناء الأمسية الكلثومية، دعماً للفنانة الشابة من مهرجان الأغنية الأردني الذي نظم الحفلة بمشاركة المعهد الوطني للموسيقى. وكانت إطلالة الفنانة الأردنية التي سبق لها أن شاركت في برنامج الهواة "سوبر ستار ? 2" موفقة للغاية. بدأت الحفلة بأغنية "حكم علينا الهوا" عبد الوهاب محمد وبليغ حمدي أتبعتها بأداء أنيق لأغنية "الورد جميل" بيرم التونسي وزكريا أحمد، وختمت فقرتها بأغنية "إنت عمري" أحمد شفيق كامل ومحمد عبد الوهاب. وكان لحضور شخصية عباسي القوي في الأغنيات الثلاثة وقع السحر على الجمهور الذي تفاعل كثيراً مع أغنية إنت "عمري" بالتحديد، فكان هو المتأثر بذكريات حفلات أم كلثوم أكثر من المطربتين اللتين قدمتا شخصيتيهما الغنائيتين من دون الوقوع في فخ التقليد الذي وقع فيه الجمهور، إذ ظل يصفق عند كل هدوء موسيقي. حنين واتقان أشعلت عباسي الحنين عند الجمهور، فهدأ قليلاً عند مغادرتها المسرح، مفسحة المجال لريهام عبد الحكيم لتقول كلمتها من بعد استراحة قصيرة. بدأت ريهام وصلتها مع الأغنية التي أدتها أم كلثوم في فيلم سلاّمة بيرم التونسي وزكريا أحمد، تلتها ب"غنيلي شوي شوي" للثنائي بيرم وزكريا أيضاً، واختتمت فقرتها بقصيدة الأطلال إبراهيم ناجي ورياض السنباطي، التي تميزت بأداء لافت. أداء لا يمكن أن ينساه الجمهور الأردني الذي صفق للفنانة التي شاهدها من قبل على التلفزيون تؤدي أغنيات أم كلثوم باقتدار غير مرة. صفق الجمهور طويلاً وظل مطالباً بالمزيد، فصعدت غادة عباسي إلى المسرح، وغنت مع ريهام عبد الحكيم. كانت ريهام نجمة في ليل عمّان، تتحول معها أغنيات أم كلثوم إلى أغنيات جديدة تماماً. فتلك الرهبة التي تصيب من يغنون أم كلثوم في الغالب، لا تعرفها هذه الفنانة التي ارتبط اسمها باسم كوكب الشرق. كما كانت في ليلتها العمّانية تلك واثقة من نفسها. كانت بعيدة تماماً من التقليد. أمسية رائعة تليق باسم أم كلثوم عاشتها عمّان. صحيح أنها لم تستطع أن تقدم أم كلثوم كاملة، وإنما مختصرة، إلا أنها كانت ممتعة جداً، خصوصاً أنها وجهت إلى جمهور لم يعتد على هذا النوع من الأمسيات الغنائية في غير مواعيد مهرجانات الصيف. فالأغنيات الست التي قدمت، وإن كانت شكلياً تختصر مراحل مهمة من تاريخ أم كلثوم الغنائي، إلا أنها لم تستطع ذلك. ثلاث من هذه الأغنيات كانت للثنائي الرائع بيرم التونسي وزكريا أحمد، فيما غيبت أعمال فنانين لا يمر ذكر أم كلثوم من دون الإشارة إليهم، وفي طليعتهم أحمد رامي والقصبجي. على أن الأغنيات حملت تنوعا كلثومياً وجب تناوله، من القصيدة إلى الأغنية الخفيفة، ومن موسيقى عبد الوهاب المتجددة إلى موسيقى زكريا أحمد الخفيقة الطرب، ومن شعر بيرم التونسي السلس إلى قصيدة إبراهيم ناجي الفصيحة. كانت التحية العمّانية إلى أم كلثوم مختصرة بصوتين وست أغنيات، إلا أنها كانت ناجحة، خصوصاً أن كل الظروف ساهمت في هذا النجاح: بدءاً من الصوتين، مروراً بالموسيقى والتوزيع المريحين، وانتهاء بالجمهور الذي لم يسمع منذ زمن أغنيات كلثومية بهذا القدر من الإتقان.