بعض المطربين يقدم اغاني غيره، وتعود الجمهور العربي أن يغني هؤلاء أغاني ذاعت وشاعت بأصواتهم. انهم، بهذه الطريقة، يدخلون الأغاني القديمة في المشهد الراهن للطرب والغناء، ويحولون غياب المطربين الراحلين الى حضور مستعاد عبر ربط جمهور الأغاني الجديدة بذاكرة طربية سابقة، والجمهور الجديد يتقبل الأغنية القديمة بأدائها الحالي وبصوت مطربيه المفضلين، وهكذا فحين يغني جورج وسوف لأم كلثوم أو حين يغني فضل شاكر لعبدالحليم حافظ أو نور مهنا لسعاد محمد... الخ. فإن المزج الذي تستعاد فيه هذه الأغاني والتوزيع الموسيقي الجديد لها يجعلانها تبدو وكأنها حديثة أو منتمية الى الجو نفسه الذي تصنعه الأغنيات الحالية. لا يحتاج هؤلاء المطربون العمالقة الى من يؤدي اغانيهم فهم ما زالوا موجودين في الساحة بقوة أصواتهم وفرادة تجاربهم، وما زال صعباً أن يملأ أحد الفراغ الذي تركوه بغيابهم، ولكن أداء بعض اغانيهم يدخلهم في المناخات التي تحيط بالأغنية الراهنة وخصوصاً في الحفلات والمناسبات التي تستدعي مشاركة الحاضرين في الرقص والاحتفال، كما أن من يؤدون تلك الأغنيات يحاولون أن يظهروا بمظهر من استوعب التراث الموسيقي والغنائي وأنشأ علاقة بكبار ذلك التراث. لقد بات هذا الأمر طبيعياً تقريباً ولم يعد أحد يثير الأسئلة عن اعادة تقديم اغاني قديمة أو عن المطربين الذين يفعلون ذلك. والجديد في الموضوع أن هؤلاء راحوا يعيدون تقديم اغان للجيل الذي سبقهم، وهذا الجيل ما زال مطربوه موجودين ولكنهم، لأسباب عدة، انسحبوا من المشهد الغنائي أو تضاءلت حظوظهم في المحافظة على حضورهم في زحمة الأغاني الجديدة التي تعتمد على الايقاعات الصاخبة أكثر من جودة الصوت، وتدعو المستمعين الى الرقص أكثر من الاصغاء الهادئ. والأرجح أن استماعنا الى اغان أحببناها بأصوات أصحابها يجعلنا نسأل عن مصير هؤلاء الذين نجحوا بقوة حناجرهم قبل أن يأتي زمن الفيديو كليب والفضائيات والقنوات الغنائية المتخصصة التي تبث الأغاني على مدار الساعة. طوني حنا وسمير يزبك ومحمد جمال وجورجيت صايغ وسلوى قطريب ومروان محفوظ وسامي كلارك وعازار حبيب... لم يعتزلوا الغناء ولم يرحلوا عن عالمنا بعد حتى تتحول أغانيهم الى مشاع يأخذ منه من يشاء. ليست هناك مشكلة في أن نسمع أغاني لا تُنسى مثل خطرنا على بالك لطوني حنا واسأل عليّ الليل لسمير يزبك وشو قولك لعازار حبيب وياما سوا لجورجيت صايغ وبدي شوفك كل يوم لمحمد جمال... ليست المشكلة في أن نسمعها من مطربين آخرين فقد يضيف هؤلاء شيئاً من أسلوبهم أو مزاجهم الغنائي اليها ولكن المشكلة التي تبدو صعبة الفهم وتفتقد المنطق، ان يختفي أصحاب تلك الأغاني، وإذ كانت تلك الأغاني تحصد النجاح حالياً فلماذا لم ينجح أصحابها في الحفاظ على نجاحاتهم والبقاء في الساحة الغنائية التي خلت من حضورهم.