الحلقة الأخيرة من برنامج"الأغنية الرقم 1"الذي تقدمه محطة"المستقبل"أرضياً وفضائياً كانت أشبه بالنسمة اللطيفة التي هبّت على المشاهدين في هذا الصيف الحارّ. فهي كانت تحية الى الفنان الكبير عاصي الرحباني وقد أحياها مطربو برنامج"سوبر ستار"مؤدّين أغنيات رحبانية بديعة بأصوات تفاوتت في قوّتها وأدائها، ولكنها استطاعت مع الموسيقى الحية، أن تصنع جوّاً غنائياً رحبانياً طالما افتقده جمهور الشاشات الصغيرة. والبارز ان رولا نبهان مقدّمة البرنامج استضافت وجوهاً رحبانية مميزة مثل انطوان كرباج وبرج فازليان اللذين تحدثا بحدية وعمق، وببعض الطرافة، عن المسرح الرحباني والأخوين وفيروز، وسردا بعضاً من الذكريات الجميلة. وليت المذيعة سألت عازف الناي الشهير جوزف أيوب الذي كان ضمن الفرقة الموسيقية عن علاقته بالرحبانيين وموسيقاهما، فهو رافقهما في معظم أعمالهما ورافق فيروز في حفلاتها الخاصة. الا أن هذه اللقاءات السريعة بدت غاية في الألفة والصدق على خلاف ما يفعل بعض الذين ينصّبون أنفسهم"أمناء"على الفن الرحباني عندما يطلون على الشاشة الصغيرة، ومنهم من ينتمي الى العائلة الرحبانية نفسها. أغنيات رحبانية يحفظها الكثيرون من اللبنانيين غيباً بصوت فيروز ووديع الصافي ونصري شمس الدين، أداها مطربون ومطربات من الجيل الجديد بل الأجد،ّ محوّلين الحلقة سهرة تلفزيونية غنائية جميلة. فالريبرتوار الرحباني يزداد ألقاً ونضارة على مرّ الأيام والألحان التي وضعها الاخوان تحافظ باستمرار على بريقها الساحر، ناهيك بصوت فيروز المشرق أبداً وأصوات المطربين الآخرين الذين عملوا مع الرحبانيين. واستطاعت هذه الحلقة أن تخفّف عن الجمهور الذي تابعها الكثير من وطأة الأغاني التجارية"الجديدة"الخالية من اللحن الجميل والكلمة الجميلة والتي تؤديها أصوات ناشزة لا خبرة لها ولا مراس. وذكّرت الحلقة تلك، الجمهور بالتراث الفني الحقيقي الذي أنجزه الرحبانيّان، وذكّرته أيضاً بأن الغناء يحتاج الى صوت وأن الصوت يحتاج الى لحن جميل... ما أحوج الفضائيات العربية الى مثل هذه الحلقات اللطيفة التي تنعش الذاكرة وتزيل"الصدأ"عن ذائقة الجمهور التي شوهها مطربو أو مطربات المطاعم، هؤلاء الذين"يفقسون"كالصيصان ويملأون الشاشات زعيقاً وأزيزاً وصخباً... ما أحوج الجمهور العربي فعلاً الى مثل هذه النسمات الغنائية التي تردّ الى الروح والقلب الكثير من النداوة في زمن الجفاف الفني الذي يشهده العالم العربي.