اقرأ كثيراً، وقد أحببت القراءة صغيراً كبيراً، ومع ذلك أقرأ هذه الايام مكرهاً، لأنني بحكم العمل مضطر الى قراءة الكتب السياسية الصادرة بالانكليزية، فهي تشكل الجزء الاكبر مما أقرأ، مع انني لو خيرت لبقيت مع الأدب الاندلسي، وبعض الروايات حتى هذه كان آخر ما قرأت منها"قصة حب وظلام"للروائي الاسرائيلي اموس اوز، مما يعني ان السبب في القراءة سياسي ومهني. قبل يومين انتهيت من قراءة كتاب نادر، فقد قرأته اختياراً لا اضطراراً، وسعدت بكل صفحة فيه، وعدت الى بعضها مرة ثانية. الكتاب هو"بنات الرياض"، اول رواية تنشر للأديبة السعودية الشابة رجاء عبدالله الصانع، وهي رواية لقيت رواجاً واسعاً تستحقه، وأثارت جدالاً لم يهدأ بعد، وأنا فيه في صف رجاء مئة بالمئة، فهي موهبة يجب ان تغذى وتشجع. ويقولون بالانكليزية عن الانجاز الذي لا يتكرر انه ومضة في المقلاة Flash in The pan، غير ان شعوري هو اننا سنسمع اكثر عن رجاء الصانع في المستقبل، وهي لن تكون مثل هيرمان ميلفيل وكتابه الاشهر"موبي ديك"او جوزف هيلر وكتابه"كاتش 22". ولا أضع رجاء وروايتها في هذا المستوى، ولكن ارجو ان تحلق مؤلفتنا الشابة في روايات مقبلة ايضاً. شعرت وأنا اتابع اخبار سديم وقمرة ومشاعل ميشيل ولميس، وكأنني"بصّاص"يسترق النظر داخل البيوت من نافذة، وهو يختبئ في الحديقة. هو"عالم ساحر مسحور"كما يقول الدكتور غازي القصيبي، تنقلت فيه بين المضحك والمبكي، وان غلبني في النهاية الحزن فبنات الرياض، او المرأة السعودية او العربية، تستحق اكثر مما نالت من نصيب حتى الآن. ولعلنا متأخرون لأننا خذلنا نساءنا وخذلنا انفسنا بخذلانهن. المؤلفة خفيفة الدم بامتياز، والحوار بالعامية النجدية مع عبارات متناثرة بالانكليزية، وتعلمت على رغم كثرة معارفي السعودية"ان التاس ما هي؟ والسين تعادلان الكاف بالنجدية". وهكذا فهمت نصح قمرة لسديم"خذي اللي يحبّتس ولا تأخذين اللي تحبينه. اللي يحبّتس يحطّتس بعيونه ويسعدتس. لكن اللي انت تحبينه يمرمطتس ويلوعتس ويخلّيتس تركضين وراءه". وفي الكلام السابق بعد فك طلاسمه حكمة تتجاوز سنوات عمر المؤلفة، على لسان صديقتها، ولعل الاثنتين تعلمتا من تجارب أخريات، فهذا كان دائماً افضل من ان تتعلم البنت من تجاربها. نشر عن"بنات الرياض"ما يكفي ويزيد حتى لا أشعر بحاجتي الى عرض موسع، فأكتفي بما لفتني مثل عنوان"الايميلات"وهو"سيرة وانفضحت"، فنحن في بلاد الشام نقول"سيرة وانفتحت"، الا انه يبدو ان المجتمع المحافظ يعتبر كل سيرة انفتحت وكأنها انفضحت. وابتسمت للحديث عن البياض، وواحدة تقول عن سديم"بياضها بياض شوام. مهو بياضنا المشوهب"وأخرى تقول:"الشيون هم اللي سوقهم ماشي هالأيام. مهوب نحن. مالت على حظنا". ويعود جدال البيض عندما ترى قمرة لميس وقد اكتسبت سمرة برونزية من شاليهات جدة، ويدور جدال بالنجدية والانكليزية وقمرة تقول:"قسماً بالله انك مجنونة. الناس تدور على البياض وأنت تسدحين بهالشموس". وترد لميس:"ايش اسوي. اشتهيت اعمل برونزاج. والله انو اتراكتيف جذاب وميشيل تقول اكتشولي... أي لايك إت"... أي انها تحبه. وتثور قمرة وهي تقول:"بالله احد يعوف البياض ويروح للسواد برجليه؟ عمرتس سمعتي بحرمة تدور على عروسة سودا لولدها؟". بما انني في بلاد البيض والشعر الذهبي الاصيل او المكتسب فإنني احن الى سمراوات بلادي، ثم اعترف بأنني من عمر لم يعد اللون فيه مهماً، بل المهم ان تقول"ايوه"باي لغة. "بنات الرياض"محافظات جداً، وحتى ميشيل التي تعتبرها صديقاتها"متحررة"تظل محافظة بالمقياس المصري او اللبناني او التونسي. وبين الصديقات الاربع لميس وحدها تحظى بنهاية سعيدة، ولعل رجاء الصانع لم تقصد ذلك، غير انني وجدت النسبة واحد من اربعة قريبة من حظ المرأة العربية في كل بلد. وأريد قبل أن أكمل بكتب اخرى ان اختتم بشيء شخصي عن رجاء، فهي قبل عشر سنوات او نحوها بعثت الي بفاكس تعليقاً على شيء كتبته عن المراهقة والمراهقين والمراهقات. ولم أنشر رسالتها، ولم تنس بعد انني لم انشر، فلعل في السطور السابقة ما يعوض عليها فشل محاولتها الاولى في النشر. أكمل بكتب لم أقرأها، وهناك ثلاثة كتب حملتها معي الى دافوس املاً بأن توفر لي قراءة دافئة تعوض عن العشرين تحت الصفر في احضان الألب. الكتاب الاول هو"دنيا"للروائية اللبنانية علوية صبح التي سبق ان قرأت لها"مريم الحكايا"وهذا وحده حافز كافٍ لقراءة روايتها الاخيرة، فهي جريئة وجدلية. وكنت قرأت صفحات قليلة من بداية الرواية الجديدة اقنعتني بالاستمرار، ولا اقول الآن سوى ان كل رواية تحمل شيئاً من السيرة الذاتية فيها، ولا بد من ان علوية ترى مثل رأيي هذا، فلعلي اعود الى"دنيا"في المستقبل. ايضاً معي في دافوس رواية"امرأة من هذا العصر"للأديبة السورية هيفاء البيطار، وكنا التقينا ضمن معرض بيروت للكتاب وأهديتها كتابي"المحافظون الجدد"وأهدتني روايتها. وعندما بدأت القراءة وجدت في اول فقرة ان الطبيب يشير الى ورم خبيث في صدر البطلة ويقول لها ان التحليل اظهر اصابتها بسرطان في الثدي، فقررت ان اتمهل في قراءته لأنني كنت خارجاً لتوي من سرطان المحافظين الجدد. وأختتم بالدكتور غسان الخازن وكتابه"الثورة العربية الكبرى في فلسطين"، أي ثورة 1936، وهذا كان في الاساس رسالة الدكتوراه التي قدمها الدكتور غسان في السوربون. الكتاب بالفرنسية، وهذه سر حملي له الى دافوس، فهناك دكتور غسان آخر هو الصديق غسان سلامة الذي ارجو ان يشرح لي ما سيعتصي علي فهمه بالفرنسية من كتاب قريبي. غسان سلامة اهداني كتابه"اميركا والعالم: اغراء القوة ومداها". وكان هذا الكتاب صدر اصلاً بالفرنسية، وترجمه مصباح الصمد، ربما لأن المؤلف اشفق علي ان أقرأ كتابه بالفرنسية، او اشفق على الكتاب، لذلك سأعود اليه بعرض مفصل بعد دافوس.