عندما أعاد الكاتب عبدالله بن بخيت قراءة رواية «بنات الرياض» ثلاث مرات متتالية، ماذا كان ينتظر من الرواية!!. وهل كان مبتغاه إعادة قراءة الرواية أن يجد ما يدغدغ خيالاته! وهل كان من المراهقين الذين ذهبوا إلى قراءة الرواية تحت سطوة عنوان الرواية «بنات الرياض» إذا كنا نجد العذر للمراهق إذا ما تم تأويل النص بشكل خاطئ فماذا نقول عمّن كان في عمر بن بخيت. وعندما يؤكد على غياب الفضائحية في الرواية نشعر بالارتباك في موقف الكاتب ابن بخيت. وهو يفتش عن خفايا الرواية كأي قارئ بوليسي يريد أن يعثر على إدانة ما ليستر بما عثر عليه ويهرول لكتابة ما توهم بأنه دليل إدانة. وهذا الارتباك لدى الكاتب يتضح في موقفه من الرواية فهو مرة يقول: عندما نتأمل في تنويعة البطلات الثقافية سنرى أننا أمام نص يقدِّم لنا ممثلات لبنية المملكة الثقافية والمناطقية. انتقاء مدروس للشخصيات وليس مجرد هبقات شباب ورسائل إنترنت عفوية. فهذه الإشادة بالرواية فلتت من وعي الكاتب. ولا نلومه في هذا «الفلتان» فهو ليس على يقين من رؤيته الفنية تجاه الرواية.. وهو غير عارف ماذا يقول عن الرواية. وإنما هو طالب «حرش» كما يفعل عندما يمارس التنظير في مباريات الهلال والنصر ويريد أن يسجل حضوره كبقية الكتاب الذين خرجوا من جحورهم ليقدموا للمؤلفة النصح والإرشاد بالالتزام بالهداية. ويتحسر الكاتب مرة أخرى على غياب الفضائحية في الرواية فيقول: «لم نقرأ في حياتها أي شيء مما وعدتنا بها المقدمة (أنتم على موعد مع أعظم الفضائح). وتناسى ابن بخيت أن الفضائحية مفهومها نسبي بين مجتمع وآخر. وأن ما يعد في فضيحة في مجتمع قد لا يكون الأمر كذلك في مجتمع آخر. فهل كان يريد ابن بخيت أن يعثر على فضحية كفضائح البلوتوث مثلاً!! إن الفضح الذي كانت تتناوله الرواية لشخصيات الفتيات الأربع هو فضح لعوالمهن الداخلية على مستوى الاحاسيس والمشاعر عمّا يدور في ذهنية عن الفتاة السعودية عن الرجل. عن كيف تفكر المرأة بصوت عال مع امرة أخرى عن الرجل. هذا الفضح العميق للداخل هو أعمق وهو أكثر صدقاً وتأثيراً. وهو سر تعلّق القراء بالرواية. لأنه جاء في مستوى يتآخى مع شخصيات البطلات الأربع، مع خيباتهن وعذاباتهن ومشاعرهن التي تتفق مع صياغة النموذج التي كانت ترصده المؤلفة في الرواية. وعندما يقول «ولا تختلف لميس الحجازية عن صديقاتها في النظرية التقليدية للحياة». ونسأل ابن بخيت ماذا كان ينتظر من شخصية لميس الحجازية. وما الاختلاف الذي كان في تصور ابن بخيت عن الفتاة الحجازية لتأتي في صورة مغايرة عن الفتيات الأخريات في الرواية!! ويبدو أن لدى ابن بخيت لبس أو أنه يتوهم أن هناك مغايرة شاسعة لدى شخصية لميس لكونها حجازية. وتناسى الكاتب أن كل الأطياف النسائية لدينا في المجتمع تتشابه في رؤيتها وفي ممارستها وإن كانت هناك تفاصيل في الاختلاف فهي لا تتعارض مع التفكير العام عن الرجل لدى المرأة السعودية بشكل عام. حيث لا تخول هذه التفاصيل أن ترتكب شخصية لميس جرماً فضائحياً لمجرد أنها حجازية. ولو كان ابن بخيت يقرأ براحة بال ودون توتر وهو يهيئ نفسه لمصادفة فضحية ما في الرواية لوجد أن المؤلفة أضاءت لمسة الاختلاف لدى شخصية لميس في تكوينها الأسري. وفي التفاصيل المنزلية التي تمثل الأسرة الحجازية. ولو أنه أيضاً تخلى عن نواياه البوليسية في القراءة لفهم كيف كانت المؤلفة تمنح إشارات للقارئ عن شخصية قمرة القمنصجي بما يتفق والدلالة التي يشير إليها اسم الشخصية. حيث كانت شخصية قمرة الأكثر ارتباكاً وهي الأكثر تعرضاً لسطوة الرجل حتى في طلاقها كانت تنشد هذه السطوة وتم تمثيل هذه السطوة في رغبتها في تسمية ابنها باسم الجد لكي تبقي التواصل بينها وبين زوجها راشد التنبل. ولو تخلى ابن بخيت عن قراءة الرواية في الليل والليل جالب للخيالات الندية وتأمل في ذكاء المؤلفة وهي تمنح قيادة السيارة لشخصية ميشيل التي هي الأكثر تناغماً لهذه اللقطة بحكم خلفيتها الأسرية. ولأن ابن بخيت يقول أي كلام لمجرد أنه يظن أنه أتى برأس غليص في حديثه عن الرواية نجده يقول: أما فاطمة القطيفية رغم أنها لم توظف في النص كبطلة أساسية (لعل الدكتور القصيبي يشوف لها وظيفة في القطاع الخاص).. ولكن دورها الثقافي لا يختلف عن دور بقية البطلات. لمسة ضرورية لاستكمال المشهد السعودي الاجتماعي من الناحية الطائفية. وإذا ما تجاوزنا إشارته لحضور اسم الدكتور غازي القصيبي. وهي إشارة قد تعني أشياء كثيرة لكنه يجبن عن التصريح بها. وهذا يدلل أنه ليس على مستوى الفضحائية التي ينشدها في الرواية. فإذا عرفنا أن من المسلم به حضور شخصيات هامشية ترفد العمل الروائي. وإذا ما عرفنا أن حضور هذه الشخصيات من مسلمات العمل الروائي. فنقول إن إشارة ابن بخيت باطلة. وإن فاطمة لم تحضر ببعدها الطائفي وليس لأن المؤلفة تريد استكمال المشهد الاجتماعي في هذا الجانب. ولأن الكاتب مصاب بصدمة غياب الفضحائية عن الرواية نجده يتناسى حضور شخصية علي وهو الشقيق لفاطمة. وأيضاً تناسى المشهد الذي تم فيه القبض عليه مع سديم في المقهى. ولا تخفي دلالة المشهد على قارئ الرواية. ويقول ابن بخيت «دور الجوال هزيل جداً، بل إن البلوتوث وكاميرا الجوال وغيرهما من التقنيات المصاحبة غير موجودة على الإطلاق في النص». أيضاً هنا ابن بخيت لم يلاحظ تنامي دور المسجات بين سديم وفراس في السرد. ولا أدري إلى أي حد يريد أن يحضر الجوال في الرواية. أما عن البلوتوث فنسأل ذاكرة ابن بخيت عن بداية حضور خدمة البلوتوث وأيضاً نسأله عن تاريخ كتابة الرواية. وإذا ما استطاع الربط بين تاريخ ظهور خدمة البلوتوث وتاريخ صدور الرواية التي تم إنجازها قبل مدة ليست قصيرة من ظهورها للنشر. وبهذا يكفينا عناء إقناعه بعدم منطقية استخدام البلوتوث في الرواية. هذا إذا كان يريد الفهم والاقتناع. ولأنه قارئ بتصور معين. نجده يغفل عن دور الإنترنت في الرواية. وعندما يريد ابن بخيت إثبات براعته في التشكيك في مصداقية فنية العمل نجده يرتكب أكبر الحماقات فيتخذ الشواهد الغنائية دليلاً على أن العمل لا يمثل الجيل الحالي. ولو تأمل بعمق في شخصية سديم وهي الشخصية الرومانسية التي تعيش حالة الحب بكل وجدانها. نجدها شخصية ذات ذائقة فنية متوائمة مع حالة العشق التي تعيشها. فهي فتاة لها محاولاتها البدائية في كتابه الخواطر ولها أيضاً ذائقتها الفنية التي تستدعي فيها الأغنيات التي تعبِّر عنها. والمضحك في الأمر أن يكون الاستشهاد بنناسي عجرم أو وائل كفوري دليلاً على شبابية الرواية. ولو ذهب ابن بخيت إلى المنتديات الفنية في الإنترنت لوجد أن الجيل الحالي يحفظ ويرغب في سماع الأغاني القديمة جداً. وإن ذاكرته ممتلئة بما هو قديم من الفن. ومسألة التشكيك في كتابة الرواية ومن كتب الرواية مسألة يجب أن نتجاوزها، فابن بخيت كتب ما كتب عن رواية «بنات الرياض» لأنه يريد أن يسجل حضوراً مع من كتبوا عن الرواية. وربما نذكره بأن يعيد كتابة «عشاق مضاوي» فربما تجد النجاح الذي وجدته رواية بنات الرياض.