نظام العلامات التجارية ولائحته التنفيذية موحد في كل دول الخليج، ويعاقِب مخالفيه بغرامات تصل إلى مليون ريال، أو ما يعادل 375 ألف دولار، وبالسجن لمدة لا تزيد على 3 أعوام، مع مضاعفة العقوبة في حالة تكرار المخالفة، ومعها مصادرة البضاعة وإتلافها، ولا أدري لماذا لم يهتم النظام بمسألتي التشهير وشطب السجل التجاري، لأنهما من العقوبات المؤلمة والمؤثرة.. تجارة السلع المقلدة تمثل ما نسبته 10 % من حجم التجارة العالمية، وتشير أرقام 2024 إلى أن إيراداتها تصل لأربعة ترليونات دولار سنويًا، ولعل الإقبال عليها تحركه أسعارها المنخفضة، وبالأخص بين الشباب السعودي الذين تقل أعمارهم عن 34 % عاماً، وهؤلاء يمثلون قرابة 70 % من إجمالي السكان السعوديين في الوقت الحالي، ويعتقد خبراء الاقتصاد السلوكي، أن شراء المنتجات بأسعار رخيصة، يشعر الأشخاص بالإنجاز والقيمة، تمامًا مثلما يحدث مع الماركات العالمية الفاخرة، التي يشتري معها الناس الاحترام والتقدير المجتمعي. السابق، أكدته دراسة أجريت في جامعتي تيلبورغ وأمستردام بهولندا، عندما انتهت لإثبات أن الناس يقدرون الشخص ويميزونه عن غيره، بالنظر لما يرتديه من ملابس لماركات معروفة، والسلع المقلدة قد تكون متقنة الصنع، وبشكل يمنحها قدرة الوصول لمعيار القيمة المطلوب، بأقل التكاليف، ولأن المقلد ممنوع في المملكة من الناحية النظامية، ومرغوب من قبل شريحة واسعة فيها، فإن من يعملون عليه موجودون في الأحياء الشعبية، والأماكن ذات الكثافة السكانية العالية، البعيدة نسبيًا عن دائرة اهتمام مفتشي وزارتي التجار والشؤون البلدية، ولا بد من الالتفات إليهم، والتعامل معهم بجدية وصرامة. أسواق البضائع المقلدة في العالم، تقدر بنحو 73 سوقاً، وتمثل تركياوالصين أكبرها، طبقاً لتقرير متلفز بثته (بي بي سي نيوز) في مايو 2022، ولأن الشكليات تسيطر على مجتمعات كثيرة، والمجتمع السعودي أحدها، فإن تجارة التقليد منتشرة فيه بصورة عالية، والأعجب أن من يلجأ إليها هم أصحاب المداخيل العالية، أو الطبقة الغنية، من باب تقدير القيمة المالية، ومن يقوم فعليًا بشراء الماركات الأصلية، محلياً، هم في الغالب من الطبقة المتوسطة وما دونها، حتى لو احتاجوا إلى تقسيط سعرها أو الاقتراض لسداد قيمتها، وهو أمر لافت ويستحق الدراسة. في الدول النامية، واستناداً لرأي المختصين، يطال التقليد، واحدًا من كل عشرة منتجات في القطاع الصحي والدوائي، وأشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى أن خمسة ملايين و400 شخص، خسروا وظائفهم في 2022، بسبب السلع المقلدة، والزيادة أن الهوس بالماركات التجارية، وما تنطوي عليه من وزن اجتماعي واقتصادي، جعل المراهقين في ألمانيا، ممن يسمونهم ب(عجيان البانهوف)، يرتدون ملبوسات مقلدة تحمل ماركة (غوتشي)، ويقفون في محطات القطار الألمانية للاستعراض ولفت الانتباه، وهؤلاء وأمثالهم، يبالغون في إظهار ماركة ما يلبسونه، وكأنهم لوحة إعلانات متحركة، والماركة تتلاعب بالأعصاب، ضمن ما يعرف بال(نيرو ماركتنغ)، فقد عملت تجربة على لاعبي الغولف في أميركا، ولوحظ بأن أداءهم يتحسن بنسبة 20 %، إذا استخدموا مضارب (نايكي) في اللعب، مقارنة بالمضارب التي لا تحمل شعارًا لماركة عالمية، والمعنى أنها جعلتهم أكثر ثقة بذواتهم وقدراتهم. شركة مينتل لأبحاث السوق، الموجودة في شنغهايالصينية، لديها تفسير مغاير، وتعتقد بأن التباطؤ الاقتصادي، يقف وراء زيادة البحث عن المنتجات المقلدة، وخصوصاً على السوشال ميديا، وأنه ارتفع في الصين بمعدل ثلاثة أضعاف، ما بين عامي 2022 و2024، وارتفاعه كان بين الشباب من جيل (زد) الذي يحملون مفهومًا مختلفًا عن الموضة، بعدما أصبحوا يفضلون منتجات (بينجتي)، أو الماركات المقلدة بإتقان، وهو ما ساهم في تراجع مبيعات (لوي فيتون) في السوق الصيني بنسبة 10 %، وتعامل الدول الأوروبية كبريطانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا، مع البضائع المقلدة غير مفهوم، لأنها تفرض عقوبات خجولة عليها، رغم تصديرها لغالبية الماركات العالمية، وإرباك التقليد لاقتصاداتها، والدليل أن عقوبات السجن فيها لا تتجاوز ال7 أعوام، والغرامات تتوقف عند 750 ألف يورو، وفي المقابل تصل العقوبات الأميركية إلى غرامات قدرها مليوني دولار، والسجن لعشرة أعوام من المرة الأولى، وعند التكرار ترتفع إلى خمسة ملايين دولار، والسجن لعشرين عاماً، وفي رأيي، التعامل الأميركي يعطي المشكلة وزنها الذي تستحقه. نظام العلامات التجارية ولائحته التنفيذية موحد في كل دول الخليج، ويعاقب مخالفيه بغرامات تصل إلى مليون ريال، أو ما يعادل 375 ألف دولار، وبالسجن لمدة لا تزيد على 3 أعوام، مع مضاعفة العقوبة في حالة تكرار المخالفة، ومعها مصادرة البضاعة وإتلافها، ولا أدري لماذا لم يهتم النظام بمسألتي التشهير وشطب السجل التجاري، لأنهما من العقوبات المؤلمة والمؤثرة، والتقليد يدخل في معظم الأنشطة التجارية والصحية، وخطورته تكون عند تقليد منتجات حساسة كالأدوية وقطع غيار السيارات، لأنها قد تؤدي لنتائج كارثية، والأخطر هو رصد هيئة الملكية الفكرية في المملكة، لأكثر من ألف و100 قضية ترتبط بتقليد الماركات التجارية في 2022، ما يفيد بأن التقليد تحول إلى ظاهرة، وهناك تقنية عربية حديثة، يمكنها إعطاء هوية رقمية فريدة للمنتجات، وبما يساعد في معرفة المنتج الأصلي والمقلد، والمفروض استفادة الأجهزة المختصة منها في أعمالها، على الأقل في هذه المرحلة، بالإضافة لدعم توطين قطاع البدائل الاقتصادية للمنتجات والماركات المعروفة، بالشراكة مع ملاكها الأصليين.