تبدأ اليوم في لندن محاكمة مسؤولين بريطانيين سابقين بموجب قانون الاسرار الرسمية، والتهمة تسريب وثيقة سرية أدى الى الاضرار بمصالح البلاد. الرجلان هما ديفيد كيو، وهو موظف اتصالات حكومي سابق، وليو اوكونور، وهو باحث برلماني سابق، والوثيقة تحمل تاريخ 16/4/2004، عن حديث في البيت الابيض بين الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء توني بلير اظهر ان الرئيس الاميركي اراد ضرب محطة تلفزيون"الجزيرة"في قطر وان رئيس وزراء بريطانيا اقنعه بخطأ الفكرة وضررها على التحالف بينهما. عندما سربت الوثيقة الى"الديلي ميل"اللندنية ونشرت هذه كلام جورج بوش لم يصدق كثيرون الواقعة مستغربين ان يفكر رئيس اميركي في الاغارة على وسيلة اعلام في بلد حليف. غير ان الوثيقة كانت صحيحة والحكومتان الاميركية والبريطانية لم تحاولا تكذيبها وانما كتمها، مع ان ناطقاً رسمياً بريطانياً نفى عشية المحاكمة قصة ضرب"الجزيرة"ثم رفض كشف الوثيقة. وتبين من معلومات لاحقة ان نائبين عماليين هما بيتر كيلفويل وتوني كلارك الذي عمل له اوكونور عندما كان لا يزال نائباً حاولا تسريب الوثيقة الى الحزب الديموقراطي في الولاياتالمتحدة آملاً بالتأثير في سير انتخابات الرئاسة. جورج بوش من بلد الحرية والديموقراطية والمساواة والتعديلات الدستورية التي تضمن حرية الكلام، ومع ذلك فهو جاهل باجماع الآراء، ولا بد ان احداً من بطانة السوء المحيطة بالادارة اقنعه بأن ضرب محطة تلفزيون عمل عاقل مسؤول. لا أعرف من المسؤول، أو المسؤولون الذين"لعبوا بعقل"جورج بوش، الا انني واثق من انهم من عصابة المحافظين الجدد التي كذبت وزوّرت حتى خاضت الولاياتالمتحدة حرباً غير مبررة ضد العراق قتل فيها زهرة شباب أميركا، ومئة الف عراقي خدمة لاسرائيل. اليوم، ومع بدء محاكمة مثيرة في لندن، عندي مثل على التفكير المجرم لبعض المحافظين الجدد هو فرانك غافني وهذا اعتذاري متطرف لاسرائيل يترأس مركزاً أسسه لنفسه هو مركز سياسة الأمن، أي أمن اسرائيل. وهو سئل في برنامج تلفزيوني عن بوش و"الجزيرة"فقال:"نحن نتحدث عن مؤسسة اخبارية، او كما تسمى، تروّج لبن لادن وتروّج للظواهري وتروّج للزرقاوي وتروّج لقطع الرؤوس، وتروّج للعمليات الانتحارية، أي انها تمكّن عدونا من خوض حربه الاعلامية، وهذا يجعلها تصنف هدفاً. واذا كانت افضل طريقة القنابل او شيء آخر فهذا أمر يمكن البحث فيه، الا انني اعتقد انها هدف مفتوح في ظل هذه الظروف بسبب تصرفها". "الجزيرة"لا تروج لشيء مما زعم هذا المتطرف، وانما تحقق كل مرة سبقاً صحافياً تتمناه كل محطة اخرى. طبعاً امثال غافني لا يريدون ان يظهر الجانب البشع للحرب، بل يفضلون اخبار البنتاغون المشذبة والمخففة بعد خلطها بالماء، ونقل جثامين الشباب القتلى من الجنود الاميركيين ليلاً حتى لا يرى الشعب الاميركي كيف راح ابناؤه فداء لاسرائيل. وكنت راجعت مواقع على الانترنت ثارت بعد كلام غافني، ووجدت تعليقات اصابت الهدف تماماً مثل"لو ان صدام حسين هدد بنسف"نيويورك تايمز"لكان جورج بوش وجد عذراً مشروعاً لغزو العراق متهماً رئيسه بالارهاب". وكان هناك الذي ذكّرنا بأن القوات الاميركية ضربت مراكز عمل وصحافيين ل"الجزيرة"في العراقوافغانستان، وزعمت ان ذلك حدث بطريق الخطأ، مع ان المحطة اعطت القوات الاميركية موقع العمل بالتحديد. غير ان كلام بوش عن"الجزيرة"يظهر ان العمليات السابقة لم تكن خطأ. غافني لم يخطئ في كلامه، ولم يسبق لسانه عقله ففي سنة 2003 نشر موقع فوكس نيوز على الانترنت مقالاً له حثّ فيه الولاياتالمتحدة على اتخاذ"عمل شامل ضد الجزيرة والعربية"بسبب تطبيلهما المستمر عن اضطهاد المسلمين، وشراسة حملاتهما ضد الغرب وموافقتهما على اعمال العنف". وهو اقترح ان"تمنع المحطتان من البث، بطريقة او اخرى". وان"إسكات ميدياً العدو أمر الزامي". اقول عن غافني ما نقول في لبنان"البزقة البصقة فيه حرام". واضيف انه ليس وحده من دعاة خرق كل قانون معروف خدمة لاسرائيل، وأنا انصح القادر من القراء بالعودة الى الصفحتين 46 و 47 من كتاب نورمان فنكلستين"ما وراء خوتزباه الوقاحة: اساءة استخدام اللاسامية وانتهاك التاريخ"فهو يفضح فكر الليكودي الآخر الان ديرشوفيتز الذي سبق ان عرض"قضية"اسرائيل في كتاب، ولم يمنعه كونه استاذ قانون في جامعة هارفارد من المطالبة بخرق القانون الدولي أو اهماله خدمة لاسرائيل، وهو كتب يقول ان قوانين حقوق الانسان تستخدم انتقائياً ضد اسرائيل، وحث"بلاده"الولاياتالمتحدة على"الغاء القانون الدولي الخاص بالحرب"، وكل القوانين البالية، خصوصاً ميثاق جنيف. بل انه أيّد اسرائيل في اغتيال اعدائها، زاعماً ان ذلك يخفف اضرار الغارات ويمنع العقاب الجماعي. هذا التطرف هو الذي يغذي التطرف المقابل ويبرره. وفي حين ادين كل عمل ارهابي يقوم به عرب أو مسلمون، فإنني ارفض ان أحمّل العرب والمسلمين وحدهم المسؤولية عن ارهاب الفئة الضالة، لأن هذه تبرر تطرفها وخروجها على القوانين الوضعية والسماوية بارهاب اسرائيل، او الارهاب الذي يرتكب باسمها، وبالحرب على افغانستان بحيث دفع الشعب الثمن فيما اسامة بن لادن حر طليق يتحدى شعار جلبه حياً او ميتاً، وبالحرب على العراق التي تبين في شكل قاطع بعدها ان لا أسلحة دمار شامل ولا علاقة مع القاعدة، ثم تبين ان المحافظين الجدد زوروا المعلومات الاستخباراتية عمداً، حتى وهي تؤدي الى قتل شباب اميركيين. لا أزال انتظر أن يحاكم اعضاء العصابة التي خططت للحرب، ولا أزال أرجو أن ينبذ المجتمع الاميركي من وسطه امثال غافني وديرشوفيتز لأن هؤلاء وصمة على جبين التقاليد الاميركية العريقة التي جعلت الولاياتالمتحدة يوماً مثالاً يحتذى في العالم، وتحيتي الى الفضائيات العربية وكل إعلام عربي حر.