كتبت الأسبوع الماضي عن الصديق احمد الطيبي بعد ان اختارته "معاريف" افضل عضو في الكنيست، فلم ينقضِ الأسبوع حتى كانت "هاأرتز" تنشر خبراً عن تعليقي عنوانه "الحياة تهاجم النائب الطيبي بعنف". طبعاً لم أهاجم الدكتور الطيبي، وإنما امتدحت قدرته وجرأته في الحق، وقلت ان اختياره يثبت وجود ديموقراطية في اسرائيل نفتقر إليها، فلو ان احمد الطيبي معارض في برلمان عربي لكانت صفته "المرحوم"، أو لاختفى كالأخ منصور الكيخيا. "هاأرتز"، وهي جريدة ليبرالية ممتازة، فهمت الخبر على الشكل الآتي: "إن المفكر جهاد الخازن نشر مقالاً في صحيفة الحياة المصرية هكذا هاجم فيه عضو الكنيست الطيبي وذلك بسبب تصريحاته ضد موفاز ويهلوم يبدو ان المقصود يعالون التي وصفهما فيها بأنهما مجرما حرب". وزادت الصحيفة انني قلت لو ان الطيبي قال ذلك في عربي لكان قتل مثل الكيخيا، ثم امتدحت اشارتي الى الديموقراطية في اسرائيل. كيف هذا؟ "هاأرتز" ليست من النوع الذي يخترع الأخبار او يزوّرها، ولكنّ الخطأ واضح، وربما كل تفسيره قول الجريدة انها استندت في تعليقها على تعليقي الى قراءة وتحليل شاؤول منشه، "الخبير المختص في الشؤون العربية والشرق الأوسط". شاؤول منشه صحافي متقاعد كان يعمل مسؤولاً عن الدعاية السوداء، او الكاذبة، من اذاعة اسرائيل بالعربية، كجزء من الحرب النفسية وجهد بث الأكاذيب والإشاعات. كان منشه يقدم برنامج "اكاذيب وحقائق" من اذاعة اسرائيل، ويزايد في الكذب والتلفيق والمبالغة على أسوأ الإذاعات الموجهة العربية. بصراحة، لا اعرف كيف تقع "هاأرتز" مع ما لها من سمعة مهنية في حبائل هذا التافه الكذّاب، مع انه يفترض ان يكون بين محرريها من يتقن العربية. وفي جميع الأحوال، فإن ما هو اهم كثيراً من سوء عرض ما كتبت، ان يكون الخطأ يشرح على ماذا يعتمد الإسرائيليون في تكوين آرائهم عن العرب، وكيف يتخذون على اساس ذلك قراراتهم. أغفر ل"هاأرتز" الخطأ، لأنني واثق انه غير مقصود منها، ويكفي ان بين محرريها اميرة هاس لأغفر لها اي خطأ. وأكمل بقصص اخرى: رالف نادر، المدافع عن حقوق المستهلكين في الولاياتالمتحدة والمرشح الدائم للرئاسة الأميركية، خاض مواجهة مع رابطة مكافحة التشهير بعد ان قال ان الرئيس بوش والكونغرس ألعوبة في يدي اسرائيل، وعندما يأتي رئيس الوزراء الإسرائيلي يحرك الدمى في البيت الأبيض وتلة الكابيتول. وانتقدت الرابطة كلام رالف نادر وقالت ان تصوير اسرائيل وكأنها تسيطر على الكونغرس الأميركي يغذي الصور المشوهة عن نفوذ اليهود. غير ان رالف نادر لم يتراجع وإنما تحدى الرابطة ان تأتي بمثل على انتهاج القادة الأميركيين سياسة تعارضها الحكومة الإسرائيلية. وأصاب رالف نادر الهدف تماماً وهو يقول ان في اسرائيل بين المواطنين والصحافيين والنواب المنتخبين والجنود والأكاديميين حرية اكثر لمناقشة النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني مما هو موجود في الولاياتالمتحدة". رالف نادر عبّر في شكل مختلف عن رأيي المسجل في هذه الزاوية ان الكنيست الإسرائيلي اكثر اعتدالاً وموضوعية من مجلسي الكونغرس الأميركي. ديفيد فروم كاتب خطابات مطرود من عمله للرئيس جورج بوش، ربما كان بين القراء من يذكر ما كتبت عنه بعد صدور كتاب ألّفه بالاشتراك مع ريتشارد بيرل عنوانه "نهاية الشر". قبل ايام وقعت له على مقال بعنوان: "اي جانب تؤيد السعودية؟" ويقصد هل تؤيد الإرهاب او الحرب الأميركية عليه؟ ويبدو ان ما اثار غيظ فروم هذه المرة هو ان برميل النفط وصل الى 93،43 دولار وهو يكتب، ما يعني ان غيظه زاد لأنني أكتب وسعر برميل النفط ارتفع الى 46 دولاراً. ولعل السعر يصل الى مئة دولار فيموت فروم بغيظه وترتاح منه البلاد والعباد. ديفيد فروم، مثل ريتشارد بيرل، من كلاب اسرائيل في الإدارة الأميركية وحولها، والمشكلة في نباح امثال هؤلاء ان هناك من يسمع ويصدق لأن ذلك يناسبه. المملكة العربية السعودية اعلنت زيادة الإنتاج الى اقصى طاقة متوافرة لها الآن، لكبح ارتفاع الأسعار. والمملكة العربية السعودية هي الدولة الأولى المستهدفة بالإرهاب، ومع ذلك فالليكودي الشاروني فروم يزعم ان السعودية تستعمل اموال النفط لتشجيع الإرهاب. لم أكتب هذه السطور لأرد على هذا السفيه، وإنما لأعرض على القارئ العربي نوع الأفكار السامة التي يروجها ويقلب معها الحقيقة رأساً على عقب. من أوقح، ديفيد فروم او ريتشارد بيرل او فرانك غافني؟ هذا سؤال اكاديمي لا يحتاج الى جواب، وكنت انتهيت من قراءة سفاهات، او تفاهات، فروم عندما وقعت على ما هو أسوأ. لفتني في "لوس انجليس تايمز" وهي جريدة موضوعية راقية جداً خبر بعنوان: "استثمارات صناديق التقاعد تربط بالإرهاب"، وتحته: "يقال ان حوالى 200 بليون دولار مستثمرة في اسهم شركات تعمل في دول خارجة على القانون". عندما يعرف للمقال سبب يبطل العجب، فهو يستند الى تقرير وزعه مركز سياسة الأمن، ومديره فرانك غافني، احد المحافظين الجدد الذين يكرهون العرب والمسلمين والذين طلبوا الحرب على العراق. يكفي ان اقول هنا ان غافني يهاجم شركات عالمية مثل سيمنز الألمانية، وبنك يو بي اس السويسري وألكاتيل الفرنسية، وكل من هذه المؤسسات العالمية الكبرى بعيد عن الإرهاب بقدر قرب انصار اسرائيل منه وترويجهم للإرهاب الإسرائيلي. وأخيراً عنوان في "الصنداي تلغراف" التي لا تزال ليكودية على رغم سقوط الناشر كونراد بلاك وزوجته الليكودية بربارة امييل هو "اسرائيل تقلب حظراً عمره ألفي سنة على المقامرة على سباق الخيل". هل لاحظ القارئ شيئاً في العنوان؟ ألفا سنة؟ اسرائيل الحالية عمرها 56 سنة، وإسرائيل في التاريخ عمّرت حوالى 70 سنة، ولم تكن سوى جزء بسيط من فلسطين العربية لم يصل الى البحر. اي ألفي سنة هذه؟ هذا سؤال اكاديمي آخر؟