قطعة قماش أسود رخيصة الثمن تحمل كلمات نعي تقليدية يعلقها المعنيون على باب هذه الجامعة أو تلك"تخليداً لذكرى أحد الأساتذة أو العلماء الذين اغتيلوا بالعشرات منذ احتلال العراق. يقول الدكتور حارث العيثاوي في جامعة بغداد ل"الحياة"ان"الكادر التدريسي ممزق بين واجباته العلمية والوطنية وبين خوفه من رصاصة غادرة تترصده". لافتاً الى ان استهداف الكفاءات العلمية بات ظاهرة تؤكد وجود جهات منظمة، تسعى الى إفراغ العراق من عقوله العلمية وخبراته. ويزيد ان"الاجواء الجامعية أصبحت مضطربة تسودها الصراعات الشخصية، في ظل شعور اصحاب الكفاءات بالتهديد المستمر". ويشير الى ان"عجز الاجهزة الأمنية عن تأمين سلامة الاساتذة يصيب الكثيرين منهم بالاحباط واللاجدوى"، كما ان عجزهم أصحاب الكفاءات عن"مغادرة العراق والهرب بعيداً عن المخاطر التي تترصدهم، وتقدم غالبيتهم بالعمر، جعلهم يتبنون سياسات عدوانية تجاه الآخرين كرد فعل على الضغوط التي يواجهونها"، كما ان"الامكانات المادية المتواضعة لغالبيتهم تقف هي الأخرى عائقاً أمام تأمين الحماية الشخصية لهم ولعائلاتهم". عدم وعي الاساتذة الجامعيين دوافع الجهات التي تستهدفهم وكثرة التكهنات التي تحيط بأسباب اغتيال زملائهم دفع بهم الى توجيه الاتهام الى"جهات أجنبية"تعمل على ترويع العلماء. يقول عصام الراوي، رئيس رابطة الاساتذة الجامعيين ل"الحياة"ان"أكثر من 182 استاذاً جامعياً ومحاضراً اغتيلوا خلال السنوات الثلاث الماضية"، لافتاً الى ان عدد الاستاذة الشيعة والسنة بين هؤلاء يكاد يكون متساوياً. ويوضح ان غالبية هؤلاء يرفضون الطائفية. ويؤكد ان أولى العمليات استهدفت الدكتور محمد عبدالله الراوي، نقيب الأطباء، والدكتور عماد سرسم أحد الجراحين المشهورين، وكلاهما تولى منصب عمادة كلية الطب في فترة من الفترات. أما آخر الضحايا فهو الدكتور هيثم عباس الراوي، وهو أحد اساتذة علم الجغرافيا. لائحة الاسماء التي يعرضها الراوي والتي طاولها"رصاص مجهولين"تظهر الدرجات العلمية المختلفة والتخصصات المتنوعة، ما يؤكد ان الجهات التي تقف خلف هذه الاغتيالات لا تسعى الى تصفية اسماء أو تخصصات بعينها، فالقائمة تضم علماء في الطب واللغة والفنون والعلوم وغيرها. تقول هيفاء الموسوي المتخصصة في علم الاحياء ل"الحياة":"لا رابط بين الاساتذة الذين اغتيلوا على صعيد الاختصاص او مكان العمل"، مشيرة إلى ان عمليات الاغتيال طاولت كل الاختصاصات ووصلت إلى غالبية الجامعات، عدا الكردية اي تلك الموجودة في اقليم كردستان. وتضيف أن"الانتماء الى حزب البعث الذي تحول إلى تهمة في عراق ما بعد الاحتلال لعنة لاحقت الكثيرين من اساتذة الجامعات الذين يواجهون يومياً شبح قانون اجتثاث البعث وكانت سبباً في مقتل العديد منهم". ويقول اسامة حسام الدين، استاذ علم الخلية في كلية العلوم ل"الحياة"ان"العديد من الاساتذة قتلوا بسبب ارتباطاتهم السابقة بحزب البعث"، ويوضح ان اكثر من 10 في المئة من عمليات الاغتيال"استهدفت اساتذة الجامعات ممن كانوا بدرجة عضو عامل او عضو قيادة فرقة في صفوف البعث"وان"بعضاً من هؤلاء قتل بسبب انتماءاته السياسية السابقة وتبنيه طروحات احزاب دخلت الساحة العراقية حديثاً ك"المجلس الاعلى للثورة الاسلامية"وحزب"الدعوة"و"الحزب الاسلامي"وغيرها،"ما جعلهم عرضة لانتقام رفاقهم السابقين". ابتعاد الاساتذة عن تبني طروحات طائفية او سياسية معينة لم يحمهم من الوقوع فريسة الاحتقانات الطائفية التي سادت العديد من المدن العراقية، ويؤكد عصام الراوي ان"حوالي 5 في المئة من الاساتذة اغتيلوا لأسباب طائفية"ويوضح ان منهم معروفين باعتدالهم السياسي والديني، وابتعادهم عن الطروحات الطائفية في بغداد والبصرة، قتلوا على يد جماعات سياسية متطرفة شيعية وسنية، كرد فعل على استهداف مدنيين من الطائفتين هنا وهناك، وان اكثر من 80 في المئة من الاساتذة اغتالتهم جهات اجنبية، اقليمية او دولية، تسعى الى ترويع الاسرة العلمية العراقية". وقوف الاجهزة الامنية عاجزة ازاء ما يواجهه الاساتذة من مخاطر واكتفاؤها بلعب دور المتفرج على ما يجري دفع الكثير من الكفاءات العلمية إلى الهجرة او الانتقال من مدينة إلى مدينة داخل العراق، والانزواء بعيداً عن الاضواء.