بعدما كانت جدران الجامعات العراقية تحمل اعلانات عدة عن محاضرات وندوات، تتشح الآن بقطع قماش سوداء وضعت عليها صور ونعوات لأساتذة قتلوا في أعمال العنف التي تعصف بالبلاد. فمنذ انتهاء الحرب قبل 18 شهراً، اغتيل على الأقل 28 ادارياً وأستاذاً جامعياً، فيما خطف 13 أستاذاً وأطلقوا بعد دفع فديات، بحسب رابطة أساتذة الجامعات العراقية. كما تلقى الكثير من هؤلاء الأساتذة تهديدات بالقتل. والنتيجة الحتمية لهذه العمليات هي هجرة الأكاديميين والمثقفين الآخرين الذين يحتاج اليهم بشدة مجتمع مشتت كالمجتمع العراقي اليوم، من مدارسهم أحياناً وبلادهم أحياناً أخرى، لينضموا الى جيل من المنفيين إبان عهد الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين. ويرى المحاضر في الجامعة العراقية للتكنولوجيا محمد قاسم أن"هجرة الأدمغة قد تسبب مشكلات كثيرة في اعادة اعمار بلاد خرجت للتو من حروب". فدولة سورية المجاورة مثلاً ستفتتح جامعة للعلوم والتكنولوجيا الشهر الجاري يشكل المنفيون العراقيون 70 في المئة من طاقمها. ويرى رئيس هذه الجامعة السورية عبدالمجيد عبدالهادي السعدون أن هؤلاء الأكاديميين المرموقين جاؤوا الى سورية بسبب"تواصل عمليات الاغتيال في العراق التي استهدفت العلماء العراقيين". ولا تبدو الهجمات على الأكاديميين جهداً يستهدف الذين يقفون الى جانب الحكومة الانتقالية، لأن المعتدين نادراً ما يعتقلون، ما يحول دون معرفة دوافعهم. لكن الأساتذة السابقين يقولون إن بعض العنف قد يكون"تصفية حسابات قديمة"مع الأكاديميين الذين تبوأوا مناصب رسمية إبان عهد صدام وأساؤوا استغلالها كأعضاء في حزب البعث المنحل. كما قد تأتي التهديدات بالقتل من تلاميذ ناقمين. ويعتبر العالم الجيولوجي في جامعة بغداد ورئيس رابطة أساتذة الجامعات عصام الراوي أن"المعتدين يستهدفون أساتذة الجامعات العراقية في عملية تصفيات منسقة من أجل دفع الأكاديميين المعروفين الى مغادرة البلاد وبالتالي عرقلة اعادة اعمارها". لكن الراوي يعود ويؤكد أن"الاتهام الرئيسي يوجه الى الحكومة العراقية التي تقف صامتة أمام هذه المذبحة".