صدر عن البطركية المارونية أمس، موقفان بارزان، الأول لمجلس المطارنة الموارنة عقب اجتماعه الشهري، وجّه فيه دعوة الى العودة الى"الحوار لأن الاعتصامات والخطب النارية لن تحل المشكلة"، والثاني في ورقة أعدها السينودوس الأسقفي كانت أكثر شمولاً في حديثها عن القضايا الراهنة وموقع الموارنة فيها. وإذ أشارت الورقة الى المخاوف والمخاطر، دعت الى إقرار المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتشكيل حكومة مستقلين، وايجاد حل لواقع رئاسة الجمهورية، واستكمال تطبيق الطائف، وحل مسألة السلاح الفسلطيني. ناشد مجلس المطارنة الموارنة بعد اجتماعه برسائة البطريرك الماروني نصرالله صفير، رئيس المجلس النيابي نبيه بري"دعوة المجلس الى الاجتماع لعله يجد مخرجاً للأزمة التي يتخبط فيها لبنان، خصوصاً أن الشلل أدرك المؤسسات الدستورية". وجاء في قرارات مجلس المطارنة الذي عقد اجتماعه الشهري، وتلاها أمين سر البطريركية المارونية المونسنيور يوسف طوق: 1- ان الوضع المربك الذي يعيشه اللبنانيون هذه الأيام يدعو الى الأسف الشديد، لأن الشلل أدرك المؤسسات الدستورية، فرئاسة الجمهورية والحكومة أصبحتا موضوع جدل ولا يبقى إلا مجلس النواب لكنه لا يجتمع ولذلك نناشد رئيسه دولة الرئيس نبيه بري ان يدعوه الى الاجتماع لعله يجد مخرجاً للأزمة التي يتخبط فيها البلد. 2- ان هذا الشلل في المؤسسات الرسمية والبلد، له أسوأ العواقب على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، العاصمة في إضراب شبه شامل والمحلات التجارية مقفلة، والشعب في حال انحدار تتجاذبه تيارات متناقضة، فبات من الواجب المحافظة، مع حرية الرأي، على الثوابت الوطنية والسعي الى توحيد الكلمة والجهود حول مصلحة لبنان وشعبه وإنسانه فوق جميع المصالح الشخصية والفئوية. 3- لا شك في أن حق التظاهر والإضراب حق مشروع ومعترف به دستورياً، غير أننا نرى ان الإضرابات والاعتصامات المفتوحة التي تجري الآن في وسط بيروت وسواه، وما يرافقها من خطب نارية لن تحل المشكلة اللبنانية ويخشى ان تؤدي الى صدامات وسفك دماء على ما حدث في الأمس، وهذا ما يؤزم الوضع ويزيد صعوبة الحل المنشود، ولعل العودة الى المجلس النيابي والحوار أجدى وأفعل. 4- ان الشعب لا يمكنه ان يحتمل اكثر مما احتمل، وكاد يدركه اليأس من هذا الوضع المزري، وقد أقفلت أبواب الارتزاق لديه وبات ينتظر المجهول ويده على قلبه خوفاً مما يكون هو أسوأ مما هو فيه الآن، لذلك نناشد جميع المسؤولين عن مصير البلد أن يعوا خطورة الوضع فيبادروا الى إيجاد الحلول اللازمة لإنقاذه من ورطته. "ثوابت الكنيسة المارونية" وفي الإطار نفسه، صدرت من بكركي ورقة أعدها السينودوس الأسقفي وعنوانها اعلان ثوابت الكنيسة المارونية، تلاها النائب البطريركي المطران سمير مظلوم، تحدث فيها عما يعيشه"اللبنانيون اليوم، وبخاصة الموارنة، من فترة حرجة من تاريخهم، تكثر فيها الاسئلة حول مصيرهم ومصير وطنهم، ويتعاظم الخوف على مستقبلهم والخشية من عودة الاقتتال الداخلي، بسبب الصراعات الدائرة وما يرافقها من شحن للنفوس وإثارة للغرائز". ورأى السينودوس أن"الوطن أصبح في مأزق يهدد وجوده، وينذر بارتدادات بالغة الخطورة على المنطقة بأسرها، والشعب راحت تتجاذبه تيارات متناقضة ومحاور اقليمية متناحرة، فأخذ بعضه بالاصطفاف وراء هذا المحور أو ذاك، ووقفت الاكثرية الصامتة حائرة ضائعة عاجزة عن الصمود في وجه التيارات وعن اختيار موقع لها، والدولة أضحت مهددة بتقطيع أوصالها تطغى عليها الانتماءات الطائفية وصراعات القوى والمصالح الفئوية، وبات دور المسيحيين فيها مهمشاً ولم تعد تقوى على القيام بدورها في توحيد المجتمع والحفاظ على أمنه وكرامته ونيله حقوقه الاساسية". وانطلاقاً من تعليم الارشاد الرسولي"رجاء جديد للبنان"والمجمع البطريركي الماروني، ذكّر السينودوس ببعض المبادئ الاساسية التي تشكل ثوابت وطنية يجب التقيد بها والانطلاق منها لمعالجة الامور الملحّة التي من شأنها ان تساهم في اخراج البلد من المأزق الحالي وتؤسس لمعالجة طويلة الامد للشؤون الجوهرية المتعلقة بمستقبل الوطن وديمومته، مشدداً على"تمسك الموارنة بحريتهم الإيمانية، والعيش المشترك والانفتاح على الآخرين ومشاركتهم أخواناً لهم من سائر الاديان والطوائف، وهذا العيش قائم على الاعتراف المتبادل وعلى وحدة المصير، والتكامل بين العائلات الروحية التي تؤلف النسيج الوطني الواحد. وقد كرس الدستور اللبناني هذا المبدأ، اذ نزع صفة الشرعية عن كل سلطة تناقض العيش المشترك". وأكد أن"اللبنانيين ارتضوا نظام الديموقراطية التوافقية التي كرسها الدستور حفاظاً على جميع مكونات المجتمع اللبناني التعددي، وفسحاً في المجال لها جميعا لتشارك مشاركة متوازنة في الحياة الوطنية والقرارات المصيرية، وفي ادارة شؤون الوطن، وفي بناء مشروع الدولة وتنميته وتطويره. وكذلك أكد الدستور اللبناني في مقدمته الاعتراف بلبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه الى جانب قاعدة العيش المشترك في ما بينهم، اضافة الى انتمائه الكامل الى العالم العربي، وهذا يستتبع حتما الدفاع عن استقلال هذا الوطن وسيادة دولته الكاملة على كل أراضيه، وحرية أبنائه في اخذ قراراتهم المصيرية كما يحتم الوقوف في وجه أي محاولة للمس بهذا الاستقلال من أي جهة أتت، او احتلال لأراضيه وانتقاص لسيادته، او تدخل خارجي في شؤونه واخضاع مصلحته العليا لمصالح أي دولة أخرى". وألح على"تطبيق اتفاق الطائف بكل بنوده، مع توضيح ما زال غامضاً فيه وتصحيح الشوائب التي ظهرت في ضوء الممارسة بغية تحسين اداء الدولة، وتحصين الوطن ضد الاخطار"، مطالباً القيادات المارونية اولاً، ومن ثم سائر القيادات الوطنية ب: 1- بت ميثاق شرف في ما بينهم وأمام الوطن، يؤكدون فيه تمسكهم بمبادئ الحوار وحل الخلافات في اطار الديموقراطية والقانون ويرفضون الاحتكام الى اي شكل من اشكال العنف والصدامات المسلحة تحت اي ذريعة او سبب، كما يمتنعون بموجبه عن استعمال عبارات التحقير والاذلال في المخاطبة، وعن اثارة الاحقاد والنعرات الطائفية او الحزبية او الفئوية او الشخصية، وعن الاسفاف في لغة التخاطب. 2- العمل على إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي، انطلاقاً من إيمانهم بمبادئ العدالة والحق، ورفضهم الارهاب وادانتهم الجريمة، سياسية كانت ام غير سياسية، وذلك لإحقاق الحق، وايقاف مسلسل القتل والاغتيالات. 3- عدم الانجرار الى صراع المحاور الاقليمية او الدولية، أو التمحور في أي أحلاف خارجية تخوض صراع مصالح ونفوذ على ارض لبنان وعلى حساب لبنان، مع حرصهم على الانفتاح على محيطهم والعالم. 4- لملمة الوضع المتفجر من خلال تأليف حكومة وفاق تؤمّن مشاركة واسعة على المستوى الوطني، وتجد حلولاً لما يعاني منه المواطن. 5- واذا تعذر ذلك، السعي الى تأليف حكومة من مستقلين تعمل على اقرار قانون جديد للانتخاب على اساس الدوائر المصغرة، بغية تأمين تمثيل صحيح لكل فئات الشعب، وعلى فسح المجال لمشاركة المغتربين في الانتخاب بغية اعطائهم جزءاً من حقوقهم، وترسيخ علاقتهم بوطنهم الام، كما تسهر على اجراء انتخابات مسبقة. 6 - ايجاد حل لواقع رئاسة الجمهورية الذي لا يعقل أن يستمر مع المقاطعة الحاصلة لها دولياً وداخلياً، فمن شأن ذلك ان يزيد من تفاقم الازمة وتزايد الخلل. لذا يجب تقريب موعد الانتخاب لاختيار شخص يتم الاتفاق عليه ويمكنه ان يعمل على توحيد الشعب في ظل الدولة العادلة وعلى إطلاق مسيرة الإصلاح وإعادة بناء الدولة بكل مؤسساتها. 7 - العمل معاً على استكمال تطبيق اتفاق الطائف ولا سيما بند اللامركزية الادارية والانمائية الموسعة وتأكيد حق الفلسطينيين بالعودة الى بلادهم ورفض توطينهم في لبنان والعمل على حل مسألة السلاح الفلسطيني في إطار تأمين حقوقهم الانسانية وعلى حصر السلاح اللبناني في يد القوى الامنية الشرعية.